الشيخ الصفار في اثنينية الخوجه

 

كانت فرحتي كبيرة عندما همس لي الأستاذ محمد النمر أحد طلبة العلم في القطيف، ونحن في الاثنينية الشهيرة للوجيه المعروف الشيخ عبد المقصود خوجه، بأن المكاشفات التي أجريت مع الشيخ حسن الصفار قد أحدثت جدلاً كبيراً داخل البيت الشيعي المحلي، وساهمت في تهيئة الوسط الفكري هناك على سماع صوت الاعتدال والتوسط، مفسحة المجال لمزيد من تمدد تلك المراجعات النقدية داخل الفكر الشيعي، والتي يقوم بها كوكبة من العلماء والدعاة المستنيرين في الساحل الشرقي من بلادنا.

كنت ممن أكرمهم الشيخ عبد المقصود بحضور الأمسية الخاصة التي احتفى فيها بضيفه الكبير الشيخ حسن الصفار يوم السبت، ودعا إليها ثلة من خلَّص أصدقائه وبعض مثقفي جدة على اختلاف توجهاتهم الفكرية، وقد فتح لنا في ذات الأمسية باباً واسعاً للحوار مع الشيخ حول هموم الوطن والفكر، طُرح فيها كثير من الرؤى الشخصية من الحاضرين فضلاً عن استشراف رأي الضيف حول الحراك الفكري والمذهبي في الداخل السعودي.

ولمعرفتي بنفسية الشيخ عبد المقصود الشفيفة حيال ضيوفه ورؤيته الشخصية التي تعتبرهم ضيوفاً في الأساس، والمأدبة احتفالية أكثر منها سجالات ونقاشات فكرية عميقة، فقد آثرت التزام الصمت والاستماع للمتحدثين خشية إفساد الجو الأخوي الأخاذ الذي عكس لوحة وطنية بديعة من التسامح والانفتاح، رغم قناعتي الأكيدة بأن هذه الواجهة الطيبة للقاء لا بدّ لها أن تتجذر وتكون أكثر رسوخاً من خلال تعميمها على جميع مناطق مملكتنا الحبيبة، الأمر الذي لا يمكن أن يتحقق إلا عن طريق التفاهم المذهبي والتقارب الحقيقي الذي يقوم على شفافية كاملة لدى عقلاء الطائفتين، والذي أزعم أنه خطا خطوات متصاعدة وحقق نجاحات جيدة مقارنة بالظروف السائدة والأوضاع القديمة.

في الأمسية ذاتها تفضل السيدان عدنان العوامي وفوزي السيف أستاذ الحوزة العلمية بالقطيف، وهما من الوجوه الشيعية التي لها حضور علمي، وأشارا إلى الأجواء الاجتماعية والطائفية التي كانت سائدة في منطقة الإحساء والقطيف، وكيف كان التعامل الإسلامي الرفيع والثقة بين الطائفتين، لكأنهما أرادا التلميح إلى دور بعض الجهات الدينية السنية التي أفسدت ذلك الجو بأدبياتها المتشددة، وفي ذلك ما فيه من مغالطة تاريخية يصعب تمريرها، إذ يعرف السيدان جيداً أن أول وأهم الأسباب هي الثورة الإيرانية وشعار تصدير الثورة الذي رفعه الخميني، والذي تلقفه بعض شباب المنطقة في ساحلنا الشرقي، وكان الشرارة التي جلبت للمنطقة الاحتقان والشحن الطائفي.

تبقى حقيقة ربما تغيب عن بعض الذين يحضرون مثل هذه اللقاءات الوطنية المباركة، وتتمثل في أن من يوصمون بالغلاة في الجانب السني لهم ما يقابلهم من غلاة في الجانب الشيعي، ولهؤلاء أدبياتهم الطائفية المتشددة أيضاً، وهذه حقيقة يجب أن يحيط بها الأحبة ممن لا يرون في الجانب الشيعي سوى واجهة الشيخ حسن الصفار المتسامحة والعاقلة، والذي يواجه بدوره حرباً ضروساً من لدن أولئك المتشددين بسبب وسطيته واعتداله، ولطالما صارحت أحبتي الدعاة من الجانب السني وشجعتهم على التواصل مع هذا الصوت الوطني ودعمه والتحاور معه في أطروحاته وبرامجه للتقارب والتفاهم المذهبي، وذلك كي لا يعلو صوت الغلاة من الجانبين كما نشهد في الاحتراب الطائفي الدامي في العراق.

الشيخ حسن الصفار ومريدوه يعرفون موقفي وتقديري لكل آرائه ومواقفه التقاربية والوطنية، وقد تلمسوا قناعتي الدائمة بأن طريق التفاهم خير للطائفتين وللأمة الإسلامية ككل، بيد أنني هنا أدعو الشيخ حسن الصفار إلى أن يخطو خطوات أكبر نحو تجديد وتصحيح كثير من الآراء الجامدة في الفقه الجعفري، وقد آن الأوان كي يفسح لآرائه التصحيحية أن ترى النور داخل منظومة الفكر الشيعي، متجاوزاً ما كان يتذرع به في السابق، أي مراعاة النضج والزمن.

مثل هذا التصحيح ومثل تلك الصراحة أدعى كثيراً لقبول الشيخ وترسيخ مصداقيته، وكم كانت مبادرته وثلة من وسطيي المذهب إيجابية على مستوى الوطن حيال التطبير (إدماء مقدمة الرؤوس في يوم عاشوراء) حيث تلقفها المهتمون بكثير من التقدير لهذه الشجاعة الأدبية التي انعكست إعجاباً بنضج فكر الشيخ الصفار ومن معه..

نحن بحاجة إلى مزيد من هذه المبادرات، وكما طالبنا ونطالب الفعاليات والمرجعيات السنية بعصرنة فقهها وتجديده والكفّ عن الغلو الطائفي، فإن من واجبنا أيضاً مطالبة الشيخ حسن الصفار ورفاقه من الوسطيين بمحاربة الأدبيات الطائفية الغالية داخل الفكر الشيعي حيال الآخر السني.

 

 

جريدة المدينة، ملحق الرسالة، الجمعة، الصفحة: 12، التاريخ 14 /4 /1427هـ ـ الموافق12 /5 / 2006م.
المشرف على ملحق الدين والحياة بصحيفة عكاظ.