لكي لا تتكسر مجاديف الإصلاح.. ولكي نصل إلى الهدف
تعليقاً على مقالة (الصفار في اثنينية الخوجة)
لا شك أن إصلاح أي آلة أو أداة نستخدمها عندما تعطب يعد أمرا عقليا لا يختلف فيه اثنان، إلا أن إصلاح سيارة ميكانيكيا أو إصلاح كتاب نحويا لا يمكن أن يثير ما يثيره الحديث عن الإصلاح الديني من عواطف وانفعالات وغضب وحماس وردود فعل ناقمة أحيانا.
لذا من الطبيعي أن ينشد المصلح الديني ما ينشده المصلح الاجتماعي والسياسي من مراعاة التدرج والتروي والمراجعة الدورية لردود فعل الشارع المتلقي والقوى المعتبرة معنويا، لأن أي خطوة غير مدروسة قد تكون لها عواقب وخيمة تتضاعف خطرا خصوصا عندما يتعلق الإصلاح بتغيير بعض المفاهيم العبادية أو الدينية.
وليس الحديث عن أمور سطحية في الدين أو المذهب بأقل خطورة من الحديث عن مفاهيم جذرية وحيوية فيه، فعواطف الناس خصوصا العامة منهم لا تعترف كثيرا بالحدود الفاصلة بين مفاهيم الدين وقيمه المتنوعة، فالمعارضة في صغائر الدين يمكن أن تحظى بنفس ما تحظى به المعارضة في كبريات الدين أو المذهب والمعتقد، فكلها يمكن أن تكون مخرجة من الملة حتى مع عدم توفر المبررات، وكلها يمكن أن تفسر بطرق خاطئة ومغلوطة.
إن الإصلاح الديني يكتسب فاعليته ومشروعيته من قبول الناس ورضاهم النفسي والعاطفي قبل قبولهم العقلي لذا يعد القفز على عواطف الناس الدينية ممن يكتسب شرعيته من الدين نفسه إحراقا للورقة الرابحة في هذا السجال في حال تم هذا القفز بطريقة تفتقد المهارة والمرونة.
لقد أثار الإصلاحيون أمثال الشيخ الصفار في أوساطهم الاجتماعية والمذهبية مراجعات كثيرة جلبت لهم المعاناة وأثارت ضدهم التعليقات الجارحة والمؤلمة، فمن الدعوة للتعاطي الإيجابي مع السلطة والتحلي بالوعي والحكمة الى تجريم وتحريم سب الصحابة ثم الدعوة للابتعاد عن بعض الممارسات الطقوسية الدخيلة التي تسيء للدين والمذهب كالتطبير مثلا... كل ذلك كان مدعاة لغضب ونقمة البعض رغم أن النتائج كانت في صالح هؤلاء الإصلاحيين في نهاية المطاف غالبا، كما أفهم.
تأتي اليوم مطالب البعض بتسيير عجلة الإصلاح بوتيرة أسرع وتدعو للقفز لإصلاح مفاصل أكثر حيوية في الفهم الديني، ففي مقال كتب الأستاذ الفاضل عبدالعزيز قاسم داعيا حسن الصفار بالقول: «بيد أنني هنا أدعو الشيخ حسن الصفار إلى أن يخطو خطوات أكبر نحو تجديد وتصحيح كثير من الآراء الجامدة في الفقه الجعفري، وقد آن الأوان كي يفسح لآرائه التصحيحية أن ترى النور داخل منظومة الفكر الشيعي، متجاوزاً ما كان يتذرع به في السابق، أي مراعاة النضج والزمن.»، وأنا أقدر هذه الدعوة وأتفهم ما يدعو إليه الأخ عبد العزيز قاسم إلا أن مراعاة النضج والزمن ليست مما يمكن تجاوزه أو القفز عليه خصوصا عندما يأتي هذا التجاوز أو القفز من رجل يستمد هو نفسه مصداقيته وفاعليته بشكل كبير من عواطف الناس الدينية التي تتيح له مساحة للحراك الاجتماعي هي أكبر بكثير مما يتاح لغيره ممن هو مجرد من هذه الخصوصية.
ورغم ذلك فإنني أضم صوتي لصوت الأستاذ الفاضل عبد العزيز قاسم وأنا واثق كل الثقة أن مثل الصفار قادر بلا شك على التوازن في هذا المضمار الصعب، إلا أنني أجد نفسي ملزما أن أردف بالقول أنه «عندما نسرع السير تتكسر مجاديف الإصلاح الديني وعندما نبطئ الخطى لا نصل الى الهدف»، لذا لابد أن تكون لدينا عين على المجتمع وعين على ردود الأفعال حتى نصل بسفينة الإصلاح إلى بر الأمان.