استيعاب المعارضة في العهد النبوي
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وآله الطاهرين وصحبه الطيبين
يصعب استقصاء كل الأدوار والممارسات التي قام بها المنافقون في مناوأة حركة الإسلام، ومواجهة قيادة رسول الله



كما أن آيات القرآن الكريم في فضح خطط المنافقين والتنديد بمؤامراتهم والتحذير منهم والأمر بمجاهدتهم، كانت توفرّ للنبي

لكن ما يثير الدهشة هو سعة صدر رسول الله

لقد تعامل معهم بنفس طويل، وصبر عميق، ومارس معهم سياسة الاحتواء والاستيعاب، والتي يمكن قراءتها ضمن البنود التالية:
أولاً: عدم اللجوء إلى القوة والقمع، رغم استفزازاتهم وجرائمهم، فلم يتعامل معهم كأعداء محاربين، ولم يقتل منهم أحداً، ولم يسجن أحداً، ولم يجلد أحداً، ولم يطرد أحداً. ويؤكد الباحث الأستاذ محمد عزة دروزة على ((عدم ورود روايات موثقة تتضمن أن النبي

إن النبي

ثانياً: لم يصادر أي حق من حقوقهم المدنية، فكانوا يتمتعون بحقوق المواطنة كاملة كسائر المسلمين، يحضرون المسجد، ويدلون بآرائهم في قضايا المجتمع، ويأخذون نصيبهم من الغنائم وعطاء بيت المال.
ثالثاً: وأكثر من ذلك كان رسول الله

ومن أجل توثيق بنود هذه السياسة النبوية، وتوضيح معالمها، نلتقط بعض الصور من السجلات النبوية الشريفة:
يقودون تمرداً عسكرياً
في غزوة أحد وعندما تحرك جيش مكة لمهاجمة المدينة انتقاماً من هزيمتهم ببدر، وبلغ ذلك رسول الله


وكاد أن يخلق انسحابهم اضطراباً في الجيش الإسلامي، حيث همّ بنو حارثة من الأوس، وبنو سلمة من الخزرج، أن ينسحبوا تأثراً بموقف ابن أبي وجماعته.
وبينما رأى فريق من المسلمين ضرورة اتخاذ إجراء تأديبي تجاه هذا التمرد الخطير، فإن رسول الله

ومرة أخرى مارسوا نفس الدور في غزوة تبوك، حيث حشد رسول الله

فكان أضخم جيش لرسول الله

وقد قام رسول الله



ووجه نداءً إلى قومه بني سلمة يحثهم على التخلف عن رسول الله

أما عبدالله بن أبي فانخرط في الجيش، ثم انسحب مع جماعة كثيرة بغرض الإرباك، وعاد إلى المدينة متمنياً الهزيمة للمسلمين بقوله: يحسب محمد أن قتال بني الأصفر اللعب؟ والله لكأني أنظر إلى أصحابه غداً مقرنين بالحبال.
ولم يتخذ رسول الله أي إجراء ضدهم، بل لم تسمع منه كلمة لوم أو عتاب تجاههم.
إثارة الفتنة والنيل من القيادة
عند رجوع الجيش الإسلامي من غزوة بني المصطلق في شهر شعبان سنة أربع من الهجرة، حصل سوء تفاهم لتزاحم على الماء بين رجلين من المسلمين، أحدهما من المهاجرين، والآخر من الأنصار، فصاح كل منهما باسم جماعته لتنتصر له، كما هي أعرافهم في الجاهلية، فلما علم رسول الله

لكن عبدالله بن أُبي أراد اغتنام الفرصة لتأليب الأنصار على المهاجرين، وإثارة الفتنة، فكان يقول: ما رأيت كاليوم مذلة قط، قد نافرونا وكاثرونا في بلادنا، والله ما أعدّنا وجلابيب قريش هذه إلا كما قال الأول: (سمّن كلبك يأكلك) أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل.
مهدداً بإخراج رسول الله

وصار يذكي في قومه روح العداء للمهاجرين قائلاً: هذا ما فعلتم بأنفسكم، أحللتموهم دياركم، وقاسمتموهم أموالكم، أما والله لو أمسكتم عنهم ما بأيديكم لتحولوا إلى غير داركم، ثم لم ترضوا بما فعلتم حتى جعلتم أنفسكم أغراضاً للمنايا فقتلتم دونه ـ أي النبي

وقد نقل القرآن الكريم هذه المقولة يقول تعالى: ﴿هُمْ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا﴾(المنافقون: 7).
أثارت هذه المقولات التحريضية والمسيئة للقيادة حفائظ المسلمين، وطلب عمر بن الخطاب من رسول الله

فقال عمر: إن كرهت أن يقتله مهاجري فأمر أنصارياً يقتله، فلم يوافق النبي

فجاء عبدالله بن عبدالله بن أُبي، وكان مؤمناً صادقاً إلى رسول الله


الشفاعة في الخائنين
يهود بني قينقاع تقع منازلهم داخل المدينة، وقد عقد معهم النبي



وكان عبدالله بن أُبي يراهن على صمود بني قينقاع ومواجهتهم للنبي







تشجيع اليهود والتجسس لهم
بعد أن اكتشف المسلمون مؤامرة يهود بني النضير لاغتيال رسول الله


واستمر تواصلهم لتحريض بني النضير على المواجهة والصمود، مبدين تعاطفهم وتضامنهم معهم، وقد فضح الوحي موقفهم حيث نزل قوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمْ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾(الحشر: 11).
ولم يتخذ رسول الله

مؤامرة لاغتيال الرسول 

بعد أن حقق الجيش الإسلامي انتصاره الكبير في غزوة تبوك، تآمر بعض المنافقين لتصفية رسول الله


وعلم رسول الله


فغيّر المنافقون خطتهم منتدبين ثلاثة عشر منهم، كانوا ملثمين لتنفيذ المؤامرة، لكن رسول الله

وأخبر رسول الله


وحينما علم زعيم الأوس أسيد بن حضير بما حصل، قال لرسول الله

فقال رسول الله

فقال أسيد: يا رسول الله فهؤلاء ليسوا بأصحاب!
قال

قال: بلى، ولا شهادة لهم!
قال

قال: بلى، ولا شهادة لهم!
قال

وفاة ابن أُبي
بعد غزوة تبوك توطدت قوة الإسلام، وتضاءل تأثير المنافقين، لكن رسول الله


فاستجاب رسول الله

فقال عمر: ألم ينهك الله يا رسول الله؟
فأعرض

فقال

قال الواقدي: ومرض عبدالله بن أُبي في ليال بقين من شوال، ومات في ذي القعدة، وكان مرضه عشرين ليلة، فكان رسول الله


فقال

فقال ابن أُبي: أبغضهم سعد بن زرارة فما نفعه؟
ثم قال: يا رسول الله ليس بحين عتاب! هو الموت، فإن مِت فاحضر غسلي وأعطني قميصك أكفّن فيه. فأعطاه قميصه الأعلى، وكان عليه قميصان، فقال ابن أُبي: الذي يلي جلدك. فنزع رسول الله



فتبسم النبي


وروي عنه


