الصبر سِرُّ النجاح

 

يقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [سورة البقرة، الآية: 153].

وورد عن الإمام جعفر الصادق فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ قَالَ: «الصَّبْرُ الصِّيَامُ»، وَقَالَ : «إِذَا نَزَلَتْ‌ بِالرَّجُلِ النَّازِلَةُ وَالشَّدِيدَةُ فَلْيَصُمْ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: ﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ يَعْنِي الصِّيَامَ»[1] .

وفي تفسير القرطبي قال مجاهد: (الصبر في هذه الآية الصوم، ومنه قيل لرمضان: شهر الصبر)[2] .

ويؤيّد ذلك ما ورد عن رسول الله أنه قال: «شَهْرُ الصَّبْرِ، وَثَلَاثَةُ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، صَوْمُ الدَّهْرِ»[3] .

وقد أشار كثير من المفسرين إلى هذا المعنى في تفسير الآية الكريمة، لما في الصوم من الصبر عن تناول الطعام والشراب وسائر المفطرات، فهو تدريب للإنسان على الصبر.

الصبر الفضيلة الأهم

والصبر هو: التحمّل والثبات، وعدم الجزع.

وهو من أهم الفضائل الأخلاقية، لأنه أساس ومصدر لكثير من الصفات والأخلاق الفاضلة.

ولم يؤكّد القرآن الكريم على فضيلة أخرى، بمقدار ما أكّد على فضيلة الصبر، حيث وردت مادة هذه المفردة، في مئة وثلاثة موارد من آيات القرآن الكريم، تتضمن الأمر بالصبر، والثناء على الصابرين، وتقدّم نماذج للصبر من حياة الأنبياء والصالحين، وتبيّن نتائجه الإيجابية في الدنيا والآخرة، وما أعدَّ الله للصابرين من أجر يتجاوز الحصر والحساب.

يقول تعالى: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ [سورة الزمر، الآية: 10].

الاستعانة بالصبر

إنّ الله تعالى يوجه المؤمنين ويأمرهم بالاستعانة بالصبر، يقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّه َمَعَ الصَّابِرِينَ [سورة البقرة، الآية: 153].

والاستعانة: هي طلب العون، حين لا يقوى الإنسان على القيام بأمر، يطلب العون عليه، أي إنكم تواجهون في حياتكم ما تشعرون بالضعف في مواجهته، وعدم القدرة على تحمّله، فلا تستسلموا لهذا الشعور، فإنّ هناك ما يعينكم على المواجهة والتحمل، وهو إثارة روح الصبر والثبات في نفوسكم، والالتجاء إلى الله سبحانه وتعالى عبر الصلاة، وحينئذٍ تجدون عون الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ.

ورد عن رسول الله : «مَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ»[4] .

وقد أمر الله نبيّه بالصبر في عشرين موضعًا في القرآن الكريم، كقوله تعالى: ﴿وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ. [سورة المدثر، الآية: 7].

وقوله تعالى: ﴿وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا. [سورة المزمل، الآية: 10].

وقوله تعالى: ﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ. [سورة الأحقاف، الآية: 35].

وورد عن أمير المؤمنين علي : «اَلصَّبْرُ عَوْنٌ عَلَى كُلِّ أَمْرٍ»[5] .

وعنه : «اِصْبِرْ تَظْفَرْ»[6] .

الصبر على أداء الأعمال والمهام

ومن أبرز ما تتجلى فيه أهمية الصبر، الصبر على أداء الأعمال والمهام، فذلك هو السبيل لإنجازها وتحقيقها. فإنّ من يضجر أو يمل أو يتراجع أمام مشقة أي مهمة وعمل لا يصل إلى مبتغاه.

ورد عن أمير المؤمنين علي : «بِالصَّبْرِ تُدْرَكُ اَلرَّغَائِبُ»[7] .

وعنه : «لَا يَعْدَمُ الصَّبُورُ الظَّفَرَ وإِنْ طَالَ بِه الزَّمَانُ»[8] .

وعنه : «اَلصَّبْرُ عَلَى مَضَضِ اَلْغُصَصِ يُوجِبُ اَلظَّفَرَ بِالْفُرَصِ»[9] .

ويقول الشاعر المتنبي:

لَأسْتَسْهِلنَّ الصَّعبَ أوْ أُدْرِكَ المُنى       فما انْقادَتِ الآمالُ إلا لِصابِرِ

إنّ طلب العلم يحتاج إلى الصبر، وإتقان العمل يحتاج إلى الصبر، وتحصيل المعيشة وكسب الثروة يحتاج إلى الصبر في السعي وبذل الجهد. والمواظبة على العبادة يحتاج إلى الصبر.

يقول تعالى: ﴿فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ. [سورة مريم، الآية: 65].

ويقول تعالى: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا. [سورة طه، الآية: 132].

الصبر على ضغوط الأهواء والشهوات

تنبعث الأهواء والشهوات من الطبيعة الغريزية للإنسان، وتدفعه إلى تجاوز الحدود والقنوات المشروعة لإشباعها، وحين يستجيب الإنسان لها، تؤدّي به إلى الانحراف والشقاء، ومغالبتها والسيطرة عليها، تحتاج إلى قوة الإرادة، وقرار الثبات أمام ضغوطها الشديدة، وهو ما يطلق عليه الصبر عن المعصية.

قَالَ لَهُ زَيْدُ بْنُ صُوحَانَ اَلْعَبْدِيُّ، يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ، أَيُّ سُلْطَانٍ أَغْلَبُ وَأَقْوَى؟ قَالَ : «اَلْهَوَى»[10] .

وعنه : «الصَّبرُ: إمّا صَبرٌ على المُصيبَةِ، أو على الطاعَةِ، أو عنِ المَعصيَةِ، وهذا القِسمُ الثالثُ أعلى دَرجَةً مِنَ القِسمَينِ الأوَّلَينِ»[11] .

وعنه : «إِيَّاكَ وَطَاعَةَ اَلْهَوَى، فَإِنَّهُ يَقُودُ إِلَى كُلِّ مِحْنَةٍ»[12] .

الصبر على المصائب والمحن

لا تخلو حياة الإنسان من الحوادث التي تكدّر صفوها، وتسبب له الألم والأذى، كالإصابة بالإعاقة والأمراض في الجسم، أو فقد أحد من الأحبة والأعزاء، وحصول كوارث طبيعية تتضرر منها حياته ومصالحه.

ويحتاج الإنسان إلى مواجهة المصائب والمحن بثبات وتحمّل حتى يتجاوزها، فإن لم يتحلّ بالصبر، يتضاعف وقع المشكلة على نفسه، وتضعف قدرته على التفكير في معالجتها وتجاوزها.

ورد عن أمير المؤمنين علي : «بِالصَّبْرِ تَخِفُّ اَلْمِحْنَةُ»[13] .

يقول تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ‎﴿١٥٥﴾‏ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ‎﴿١٥٦﴾‏ أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ [سورة البقرة، الآيات: 155-157].

الصبر في العلاقات الاجتماعية

وهو التحدّي الأخطر في حياة الإنسان، لارتباط حياته بأبناء جنسه، الذين تختلف مكانتهم، وتتفاوت مستوياتهم وأمزجتهم، وتتضارب مصالحهم، فإذا لم يوطّن الإنسان نفسه على استيعاب ما لا يعجبه من تصرفات الآخرين، تفشل حياته، ويفقد القدرة على التعايش مع من حوله.

قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ ۗ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا. [سورة الفرقان، الآية: 20].

ورد عن النبي : «المُؤْمِنُ الَّذِي يُخَالِطُ النَّاسَ وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ خَيْرٌ مِنَ الَّذِي لَا يُخَالِطُ النَّاسَ وَلَا يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ»[14] .

ورد عن الإمام علي : «عَوِّدْ نَفْسَكَ التَّصَبُّرَ عَلَى الْمَكْرُوه، ونِعْمَ الْخُلُقُ التَّصَبُرُ»[15] .

وعن رسول الله : «مَنْ صَبَرَ عَلَى سُوءِ خُلُقِ اِمْرَأَتِهِ وَاِحْتَسَبَهُ أَعْطَاهُ اَللَّهُ (بِكُلِّ مَرَّةٍ) يَصْبِرُ عَلَيْهَا مِنَ اَلثَّوَابِ مِثْلَ مَا أَعْطَى أَيُّوبَ عَلَى بَلاَئِهِ»[16] .

وعنه : «مَنْ صَبَرَتْ عَلَى سُوءِ خُلُقِ زَوْجِهَا أَعْطَاهَا مِثْلَ ثَوَابِ آسِيَةَ بِنْتِ مُزَاحِمٍ»[17] .

وورد عن الإمام جعفر الصادق : «سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ [الإمام محمد الباقر ] يَقُولُ: إِنِّي لَأَصْبِرُ مِنْ غُلاَمِي هَذَا، وَمِنْ أَهْلِي عَلَى مَا هُوَ أَمَرُّ مِنَ اَلْحَنْظَلِ»[18] .

وورد عن الإمام موسى الكاظم : «لَيْسَ حُسْنُ اَلْجِوَارِ كَفَّ اَلْأَذَى، وَلَكِنَّ حُسْنَ اَلْجِوَارِ اَلصَّبْرُ عَلَى اَلْأَذَى»[19] .

 

خطبة الجمعة 7 رمضان 1446هـ الموافق 7 مارس 2025م

[1]  الكافي، ج4، ص63، ح7.
[2]  تفسير القرطبي، ج1، ص372.
[3]  الألباني: صحيح النسائي، ح2407.
[4]  صحيح البخاري، باب الاستعفاف عن المسألة، ح1469.
[5]  غرر الحكم ودرر الكلم، ص46.
[6]  غرر الحكم ودرر الكلم، ص130.
[7]  غرر الحكم ودرر الكلم، ص298.
[8]  نهج البلاغة، حكمة: 153.
[9]  غرر الحكم ودرر الكلم، ص119.
[10]  من لا يحضره الفقيه، ج4، ص381، ح5833.
[11]  ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج1، ص319.
[12]  غرر الحكم ودرر الكلم، ص168.
[13]  غرر الحكم ودرر الكلم، ص297.
[14]  صحيح ابن ماجة، ح3257.
[15]  نهج البلاغة، من وصية له للإمام الحسن ، رقم: 31.
[16]  وسائل الشيعة، ج20، ص163، ح1.
[17]  مكارم الأخلاق، ص213.
[18]  وسائل الشيعية، ج15، ص263، ح5.
[19]  الكافي، ج2، ص667، ح9.