الشيخ الصفار وحديث عن الشباب
عادة السهر في رمضان والنوم في نهاره إذا لم تصطدم بالواجبات فالأمر متروك لرغبة الشباب
بدأ اهتمام المجتمع من خلال مؤسساته الرسمية والأهلية بقضايا الشباب واضحا ويلاقي تجاوبا من الشباب أنفسهم فهم صناع المستقبل والتقدم وعماد أية أمة ومجتمع.
وحول الشباب في شهر رمضان، التقت الوطن بالشيخ حسن الصفار فهو رجل له باع طويل في معالجة مشاكل الشباب وهمومهم.
- شهر رمضان.. هل يعني للشباب شيئاً مميزاً ومعنى خاصاً؟
- - الشباب والشابات يعيشون فترة استيقاظ الرغبات واشتداد ضغوطها، فمرحلة الشباب حساسة جداً لجهة تبلور الأحاسيس والعواطف، وبلوغ الشهوة أوجها في نفس الشباب والشابة.
ومما يجعل الشباب في حاجة أكبر إلى قوة الإرادة، لمواجهة ضغط الرغبة والشهوة. إن ذلك يشبه حاجة قائد السيارة وهو ينحدر بها من طريق مرتفع إلى قوة الفرامل والكوابح وإلا تعرض لخطر فقدان السيطرة عليها. - تتسابق في شهر رمضان القنوات الفضائية ومحطات التلفزة على استقطاب المشاهدين عبر برامج المسابقات والأفلام وسواها، ويتسمر الشباب والشابات بالفعل ساعات طويلة أمامها لمتابعة تلك البرامج، ما تعليقكم على هذه الظاهرة؟
- - لا شك أن وسائل الاتصال والإعلام من فضائيات وإنترنت أصبحت مصدراً من مصادر المعرفة والتثقيف لا يمكن الاستغناء عنها، لكنها في الغالب تعتمد برامج الإثارة، وتحريض الرغبات والشهوات عند الإنسان، خاصة الشباب والشابات، وتقوم بدور البشير والترويج لأنماط سلوكية مخالفة لنظام القيم في مجتمعاتنا الإسلامية، وبعض برامجها قليل الفائدة إن لم يكن عديم الفائدة ويضيع وقت المشاهد هدراً.
إننا لا نطلب من الشباب مقاطعة هذه الوسائل الإعلامية، لأن ذلك يعني الانغلاق والانطواء ولكننا نلفت أنظارهم إلى ضرورة التقويم والنقد والتمييز، فلا يسلمون عقولهم ونفوسهم لما يعرض عليهم دون دراسة وبحث وتمحيص. - من المتغيرات الملحوظة على الشباب في شهر رمضان عادة السهر في الليل والنوم أطول فترة من النهار حتى يتلافوا عناء الصوم ويستمتعوا بليالي شهر رمضان ذات النكهة الخاصة فهل لكم وجهة نظر حول هذا الموضوع؟
- - لا أحبذ كثرة القيود والتدخل في حياة الناس الخاصة، وحريتهم في تنظيم برامجهم وعاداتهم، وخاصة إذا كان هذا التدخل باسم الدين والشرع، فالدين ليس مجرد قائمة من الممنوعات والمحظورات لتعقيد حياة الإنسان، ومكافحة ميوله ورغباته، بل إنه دين يعطي الإنسان أقصى حرية وأوسع مدى للاستمتاع بهذه الحياة. لذا يقرر الفقهاء أن الأصل في الإسلام الإباحة والحلية حتى يثبت العكس فكل شيء مباح وحلال إلا إذا ثبت استثناؤه بالمنع والتحريم من قبل الشرع.
لذا فإن عادة السهر في ليالي رمضان والنوم في نهاره إذا لم تصطدم مع الوظائف والواجبات الأخرى، فذلك أمر متروك لرغبة الإنسان وحريته.
ونشير هنا إلى بعض حالات التصادم: مثل انعكاس السهر على أداء الإنسان لعمله المكلف به في النهار، فإذا كان موظفاً ولم يأخذ حظه من النوم، وجاء إلى العمل متعباً كسلاناً، فإن ذلك يسبب ضعف إنتاجيته، وقد يجعله سيئ التعامل مع زملائه في العمل ومع المراجعين.
هنا يحصل تصادم بين هذه العادة وبين الوظيفة الواجبة، وهذا لا يصح شرعاً ولا يُقبل عقلا. - توجد في المجتمع برامج دينية ثقافية في شهر رمضان كمجالس الخطابات والمحاضرات لكن إقبال الشباب والشابات عليها ليس بالمستوى المطلوب فإلى أي سبب يعزى ذلك؟
- - إن الخطاب الديني غالباً ما يكون تقليدياً ومكرراً، وفاقداً للحيوية، وغير مواكب لما يعيشه الشباب من هموم وتطورات، وبالتالي يعجز عن استقطاب الشباب وحشدهم، ونجد في المقابل علماء وخطباء ومبدعين ، يقدمون المفاهيم الدينية بأسلوب عصري واضح، ويعالجون قضايا الشباب والمجتمع بعمق وحكمة، وهؤلاء الخطباء عادة ما تزدحم مجالسهم بالمستمعين، ويقبل عليهم جمهور الشباب.
إن وسائل الاتصال والإعلام المتطورة كالفضائيات والإنترنت خلقت منافسة شديدة للخطاب الديني، وجعلته أمام تحد كبير، فإذا كان الشاب يشاهد برامج علمية وفكرية تتنوع فيها الآراء، والطروحات، ثم يقارن ذلك بلغة وعظية مكررة وقاسية، لاشك أنه سينفر منها ويقبل على برامج الفضائيات.
وعلى علمائنا وخطبائنا أن يرتقوا بخطابهم إلى مستوى التحدي، ويتوفروا على مادة علمية، ومواكبة عصرية، وأسلوب مناسب، إن مجرد التهجم على الشباب واتهامهم بالطيش والفساد وتهديدهم بالنار والعقاب لا يحقق الهدف المنشود من إصلاحهم وتوجيههم، بل ينبغي الحوار معهم والانفتاح عليهم، وتحسس همومهم وظروفهم، والتحدث معهم باللغة التي يفهمونها ويعرفونها، وتلك هي الحكمة التي تقتضي وضع الشيء المناسب في المكان المناسب، وهي الموعظة الحسنة، التي تعني تهيؤ النفوس للتقبل، والاستجابة وذلك مصداقا للجدال بالتي هي أحسن، أي الحوار الموضوعي الهادئ.