حوار جريدة الأيام مع سماحة الشيخ الصفار
الشيخ الصفار: واشنطن تبحث عن منافذ ومبررات للتدخل في الشؤون الداخلية
قال سماحة الشيخ حسن موسي الصفار أحد أبرز الزعماء الدينيين في المنطقة الشرقية بالمملكة العربية السعودية أن الولايات المتحدة لم تطرح طريقة معينة للاصلاح في دول المنطقة، وانما هي تبحث عن منافذ ومبررات للتدخل في الشؤون الداخلية سواء في المملكة العربية السعودية أو في غيرها من دول العالم العربي والاسلامي، مؤكدا أن الولايات المتحدة تثير موضوع الاصلاحات للضغط علي الدول والحكومات لاخضاعها أكثر للهيمنة الامريكية.
وأكد في حوار أجرته معه الأيام أنه ليس للسعوديين الاثني عشرية في المملكة مشروع خاص بهم كطائفة، مؤكدا أن نخبتهم المثقفة تتفق مع مثيلاتها في التطلع نحو اصلاحات شاملة في المملكة. وقال الصفار ’’المشاركة السياسية والعمل الاقتصادي والنشاط الاجتماعي وكل آفاق تحرك الرجل يجب أن تكون مفتوحة للمرأة’’. وفيما يلي نص الحوار:
• ترفض المنطقة رسميا وشعبيا الاصلاحات علي الطريقة الأمريكية. من وجهة نظركم الشخصية ما هي أفضل السبل والمناهج التي تستطيع من خلالها المملكة العربية السعودية ودول المنطقة أن تستجيب لدعوات الاصلاح والتغيير من دون التفريط في ثوابتها ؟
أعتقد أن هناك تضخيما ومبالغة في الحديث عن ’’التفريط في الثوابت’’ فالتزام الاسلام هي عقيدة كل السعوديين، وهو منهجهم الذي لا يحيدون عنه ان شاء الله. وتطوير أساليب الحكم، وتوسيع اطار المشاركة الشعبية، وضبط الانفاق للمال العام، وحرية التعبير عن الرأي، واحترام حقوق الانسان، والمساواة بين المواطنين، لا يتنافي شيئ منها مع الثوابت الدينية، بل يعتبر استجابة صحيحة لها، وتطبيقا سليما لمقاصدها.
وفي الحقيقة لا أعرف بالضبط ماذا تقصدون بالاصلاح علي الطريقة الأمريكية، فالأمريكيون لم يطرحوا طريقة للاصلاح، وانما هم يبحثون عن منافذ ومبررات للتدخل في الشؤون الداخلية، كما انهم يثيرون موضوع الاصلاحات للضغط علي الدول والحكومات، لاخضاعها اكثر لهيمنتهم. كما ان الامريكيين يهمهم تقليص الحالة الدينية في الامة لانها مصدر قوة واعتزاز.
• بعض الأنظمة في المنطقة لا تزال تراهن علي العقلية الأمنية في حل مشاكلها، في حين أن النخب في المنطقة تراهن علي ان اطلاق الحريات هو السبيل الوحيد لحماية الأمن الوطني. ما هو رأيكم في ذلك؟
من حق الدولة أن تتخذ الاجراءات الأمنية تجاه من يتوسل بالعنف والارهاب لخدمة رأيه السياسي، فاستخدام العنف داخل المجتمع ليس مقبولا أو مبررا، لكن الاجراءات الأمنية وحدها لا تكفي لمحاصرة العنف والارهاب، بل يجب معالجة الأزمات التي يعاني منها الناس وتشكل أرضية لهذه التوجهات، ومن أبرزها أزمة المشاركة السياسية والتعبير عن الرأي، فحين تتوفر فرص المشاركة والتعبير تكون هي الخيار لكل صاحب رأي سياسي.
والأسوأ من ذلك أن تتخذ الاجراءات الأمنية القمعية تجاه أصحاب الرأي لأنهم يعبرون عن رأيهم بطريقة سليمة، فهو يفاقم المشكلة ولا يحلها. ولابد أن تدرك هذه الجهات التي تراهن علي هذا النوع من الاساليب أن هذه اللغة أصبحت قديمة، وقد استنفذت مفعولها ولم يعد العالم يسمح بممارستها بلا حدود.
• هل هناك اتفاق بينكم وبين الاطراف الأخري من نخب وعلماء دين ومثقفين من الطوائف علي برنامج عمل موحد للاصلاحات؟ وما مدي تجاوب تلك الاطراف مع رؤيتكم للاصلاح والتغيير في المنطقة ؟
أؤكد أنه ليس للمواطنين الشيعة في المملكة مشروع خاص بهم كطائفة، عدا معالجة بعض قضايا، ونخبتهم المثقفة تتفق مع مثيلاتها علي مستوي الوطن للتطلع نحو الاصلاحات الشاملة التي طرحتها ’’رؤية لحاضر الوطن ومستقبله’’ والتي قدمت لسمو ولي العهد الأمير عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، وشارك جمع من المثقفين الشيعة في التوقيع عليها وتقديمها.
• هناك من يري أن الأمريكيين سيقومون بالتلويح بالورقة الشيعية للضغط علي المملكة. ما مدي صحة هذه الرؤية ؟ وهل جرت اتصالات معينة بينكم وبين الامريكيين ؟
المواطنون الشيعة في المملكة يتمتعون بروح وطنية قوية، وولاء وطني عميق، ووعي بمعادلة الصراع الأمريكي الاسلامي، ولذلك فهم أوعي من أن ينخدعوا بتلويحات الأمريكيين أو اطروحاتهم. كما أننا لسنا في وارد أي اتصال بالأمريكيين فنحن جزء لا يتجزء من وطننا، ونرفض أي تدخل أجنبي، ونراهن علي الوحدة الوطنية، وعلي معالجة مشاكلنا الداخلية بالتواصل مع المسؤولين في بلادنا. ونأمل أن نرتفع جميعا الي مستوي التحدي الخطير حكومة وشعبا لتفويت الفرصة علي أي ارادة أجنبية، تريد اللعب علي الوتر الطائفي والتلويح بالأورق المذهبية عبر سد الثغرات، وتحقيق المساواة بين المواطنين والاستجابة للتطلعات المشروعة.
• هل الولايات المتحدة جادة في تصدير ديمقراطيتها الي المنطقة ؟ أم انها تسعي الي ديمقراطية تخدم مصالحها فقط ؟
لا يمكننا أن نثق في دعاوي الأمريكيين بأنهم يريدون نشر الديمقراطية في المنطقة، ونحن نري دعمهم للاحتلال والارهاب الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني، انهم يشجعون اسرائيل المعتدية ويطلبون بكل وقاحة من دول العالم أن يضغطوا علي المقاومة الفلسطينية المشروعة في الدفاع عن أرضها وشعبها، تستمر اسرائيل في سياسة الاغتيالات لرموز الشعب الفلسطيني وفي ممارسة ارهاب الدولة بهدم المنازل وجرف المزارع وايقاع العقوبات الجماعية، فلا يعترض الامريكيون، لكن قيامتهم تقوم حينما يصدر من المقاومة الفلسطينية رد فعل دفاعي.
وكذلك لا يعترف الامريكيون ان اسرائيل هي العائق الأكبر لأمن المنطقة واستقرارها، ولقيام الديمقراطية الحقيقية في دولها. وما يفعله الأمريكيون الآن في العراق يؤكد الشكوك في نواياهم، بل يؤكد كذب دعاواهم، لقد رفعوا شعار الحرية للعراق ثم فرضوا أنفسهم كقوة احتلال، واسقطوا نظام صدام ليقوموا هم بأنفسهم بممارسة قمع تطلعات الشعب العراقي في الحرية والاستقلال، حيث زادت مشاكل الشعب العراقي ومعاناته في ظل الاحتلال الأمريكي، فكيف يمكن الثقة بأنهم يسعون لدمقرطة المنطقة؟!
• هل الاصلاحات في المنطقة يجب أن تأتي بالتدرج بطريقة الخطوة خطوة، أم أن المنطقة بحاجة الي طرح مشاريع شاملة للتغيير والاصلاح؟
هناك تغيرات سريعة علي مستوي العالم، وتطورات هائلة علي أطراف المنطقة أبرزها الزلزال الذي حدث في العراق، كما أن وعي أبناء المنطقة وتطلعاتهم قد ارتفع منسوبها، والمشاكل الموجودة زاد ضغطها علي الناس خاصة في المجال الاقتصادي. كل هذه الأمور تستوجب تحركا سريعا نحو الاصلاح الشامل، ولم يعد التدرج وطريقة الخطوة خطوة أمرا مقبولا، فقد تأخرت الاصلاحات كثيرا، وتقسيطها يفقدها المصداقية في وعي الناس، ويفتح الباب أمام التفسيرات المختلفة بأن الجدية ليست متوفرة للاصلاح.
• جاء في أحد توصيات اللقاء الوطني للحوار الفكري الذي عقد مؤخرا في المملكة برعاية ولي العهد السعودي المطالبة بتوسيع دائرة مشاركة المرأة بما يخدم قضاياها. ما هي هذه القضايا ؟ وهل ستطالبون بحقوق المرأة السياسية ؟
بالنسبة لي شخصيا، أري أن الحديث عن حقوق المرأة يعبر عن حالة غير طبيعية تعيشها مجتمعاتنا، والمفروض أن لا تشكل المرأة حالة خاصة علي صعيد الحقوق والمشاركة في قضايا الوطن والمجتمع. فهي شقيقة الرجل وصنوه، وأنوثتها لا تبرر أي تمييز سلبي تجاهها، ولا تبرر تهميش دورها أو اضعاف مشاركتها في الحياة العامة. ولقد عبرت عن رؤيتي تجاه واقع المرأة وقضاياها في أكثر من كتاب مطبوع آخرها كتاب «المرأة بين رؤية الاسلام وواقع المسلمين». فالمشاركة السياسية والعمل الاقتصادي والنشاط الاجتماعي وكل آفاق تحرك الرجل يجب أن تكون مفتوحة للمرأة لتتمكن من خدمة قضايا الوطن وهو أصح من أن نقول بما يخدم قضاياها.