رسالة عاشوراء
دعا سماحة الشيخ حسن الصفار شيعة أهل البيت (عليهم السلام) للاندماج في الأمة، مؤكداً أن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) يريدون من شيعتهم أن يكونوا جزءً من الأمة الإسلامية، يتفاعلون مع قضايا الأمة، وفي الطليعة في خدمة الإسلام والأمة، ويرتبطون بجسور المودة والمحبة والوحدة مع بقية المسلمين.
جاء ذلك في المحاضرة التي ألقاها سماحته في حسينية في (مأتم الحاج ناصر) بدبي، في الليلة العاشرة من محرم 1427هـ
وقدّم سماحته ثلاثة رسائل مستوحاة من ثورة الإمام الحسين :
الرسالة الأولى: الالتزام بقيم الدين وأحكامه.
الرسالة الثانية: وحدة صف المؤمنين.
الرسالة الثالثة: الاندماج في الأمة.
بعد أن أكد أن من أهم الأسباب التي تدعو شيعة أهل البيت (عليهم السلام) لإحياء هذه الذكر الأليمة على مر العصور والأزمة هو الاقتداء بنبي الإسلام الرسول الأعظم محمد الذي أسس هذا الاحتفاء منذ اليوم الأول لولادة الحسين ، والأمر الآخر العطاء الكبير والفوائد العظيمة لهذه المناسبة التي استشعرها الموالون لأهل البيت (عليهم السلام) ولمسوا آثارها.
وجدد سماحة الشيخ الصفار في ليلة العاشر من المحرم لعام 1427هـ استنكاره لتلك الرسومات المزرية التي أساءت لرسول الإسلام محمد معبراً عن ارتياحه لوقفة المسلمين الرائعة، فهم في كل مكان لهم موقف واحد في الدفاع عن نبيهم محمد .
وهذا نص المحاضرة:
في ليلة عاشوراء ونحن نتذكر المأساة العظيمة، لابد لنا وأن نأخذ الدروس والعبر من عاشوراء، والحديث سيكون ضمن عنوان: رسالة عاشوراء.
إننا حينما نحتفي بعاشوراء، والتي قد يتساءل الكثيرون عن سبب هذا الاهتمام والاحتفاء بها، فذلك لأسباب عديدة، من أبرزها:
أولاً- التأسي والاقتداء برسول الله .
فرسول الله أول من احتفى بهذه المناسبة وبهذه الفاجعة العظمى قبل وقوعها بأكثر من نصف قرن. فعند ولادة الحسين وفي السنوات الأولى من ولادته كان رسول الله بين آونة وأخرى يتحدث للأمة عن هذه المأساة قبل وقوعها. وهذا ما يجب أن يُلفت أنظار المسلمين جميعاً:
أيها المسلمون يا من تقرؤون أحاديث رسول الله وتدرسون سيرته ألا تتوقفون عند هذا الأمر، فهل وجدتم أن أباً أو جداً في ساعة ولادة ابنه أو حفيده يتحدث عن مقتله وعن مصيبته ويبكي ويُبدي التفجع والتأسي، وتكرر هذا الأمر منه مرات عديدة، ونقلها عنه العديد من زوجاته: أم المؤمنين أم سلمة نقلت أنها رأت رسول الله والحسين في حجره وعيناه تهريقان الدموع، فتسأله أم سلمة؟ فيقول لها: أبكي لولدي هذا فقد أخبرني جبرئيل عن الله أنه يقتل في أرضٍ يُقال لها كربلاء وناولني تربةً حمراء من تربته. وكذلك نقلت عنه أم المؤمنين عائشة وأم المؤمنين زينب بنت جحش. وكثير من الصحابة نقلوا هذا الأمر عن رسول الله : وفي طليعتهم أمير المؤمنين ، وأم الفضل. وهذه الروايات موجودة في المصادر المعتبرة عند المسلمين. فيُراجع من يُريد التثبت المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري فإنه نقل هذا الحديث وقال: إنه صحيح على شرط الشيخين. وكذلك مسند الإمام أحمد بن حنبل، وأيضاً سلسلة الأحاديث الصحيحة للشيخ ناصر الدين الألباني، وهو من المحدثين السلفيين المعاصرين؛ فالأمر غير قابلٍ للإنكار.
فإذا كان رسول الله يتحدث عن هذه المأساة قبل وقوعها ويُبدي التأثر لها، ويبكي من أجلها، وبيده تربةٌ حمراء من أرض كربلاء، ألا يجب أن نتوقف عند هذه المسألة، فهي ليست عادية، وليست كأي حدث من الأحداث، حتى يُقال مضى (1400) سنة وانتهى الموضوع.
لذلك وتأسياً برسول الله ، وإتباعاً لأئمة أهل البيت (عليهم السلام) الذين أمروا شيعتهم وأتباعهم بتخليد هذه المأساة، نحن نهتم بإحيائها وتخليدها.
ثانياً- تخليد هذه المناسبة فيه عطاءٌ كبير، وفوائد عظيمة.
ولا أدري لماذا البعض من الناس يلوموننا أو يستنكرون علينا من عملٍ له مكاسب دينية واجتماعية كبيرة، فالمناسبة هي موسمٌ ديني وثقافي، ولا يُوجد في كل المجتمعات البشرية موسمٌ ثقافيٌ تربويٌ توجيهيٌ يُشابه موسم عاشوراء. ونلحظ أن مختلف الدول في العالم تُعلن عن مهرجانات ثقافية، من خلال معارض الكتب، أو من خلال أنشطة ثقافية حديثة، وتُصرف عليها ميزانيات ضخمة، وتُسلّط عليها ألأضواء إعلامياً لحشد الناس لذلك الموسم، ولكن لا يوجد موسمٌ يُداني موسم عاشوراء، فهو يُمثل جهدا أهليا، وباندفاع ذاتي من الناس، دون دعمٍ من الدول، أو مساندة من أي جهة. ويُشارك في هذا الموسم الجميع من الرجال والنساء، الصغار قبل الكبار، وفي جميع أنحاء العالم دون اسثناء.
فهو موسم ثقافي ديني يشد الناس إلى دينهم، ويُعمّق ارتباطهم بأئمة أهل البيت (عليهم السلام)، وقد وجدنا بركات وانعكاسات هذا الموسم العظيمة، فهو نعمة كبيرة، نسأل الله تعالى أن يُديمها علينا.
وأذكر نفسي، وأذكركم أيها المؤمنون والمؤمنات ونحن نجتمع جميعاً في رحاب عاشوراء، برسالة عاشوراء التي أوجزها في ثلاثة أمور:
إن محبة أبي عبد الله الحسين وإن التشيع لأهل البيت (عليهم السلام) في عمقه وحقيقته إنما هو الالتزام بقيم الدين وأحكامه. فالجميع في ليلة عاشوراء يتركون جميع أعمالهم وارتباطاتهم ويُشاركون في العزاء ولا شك أن ذلك فيه ثوابٌ كبير، وأجرٌ عظيم، ولكن هذه الإحياء والاهتمام يجب أن يكون دافعاً للالتزام بالدين الذي ضحّى من أجله الحسين .
فلماذا الإمام الحسين ضحّى وقدّم نفسه وأهل بيته؟ إنما ذلك من أجل الدين: (إن كان دين محمدٍ لم يستقم إلا بقتلي، يا سيوف خذيني). والعباس بن أمير المؤمنين يقول: (والله إن قطعتموا يميني إني أحامي أبداً عن ديني).
هذا الدين الذي ضحّى من أجله الحسين أمانة بأيدينا جميعاً. فيجب أن نخرج من هذه المجالس ونحن أكثر تمسكاً بديننا.
أيها الأخوة إذا أردت أن تعرف هل أنت موالٍ لأهل البيت (عليهم السلام) فعليك أن تختبر نفسك في مواطن الإغراء والشهوة، فإن وجدت في نفسك الورع والابتعاد عن الإغراءات والشهوات فاعلم بأعلم شيعيٌّ حقيقي، واحمد الله على ولائك لأهل البيت (عليهم السلام)؛ وإذا وجدت في نفسك ضعفاً أو انهزاماً واستسلاماً للشهوات والأهواء فاعلم أن هناك خللا، فلا يخدعك الشيطان، وتتصور أن مجرد بكائك على الإمام الحسين يكفي، ولا أن حضورك المأتم يكفي، وهذا هو كلام أهل البيت (عليهم السلام)، الإمام الصادق يقول: («لا تذهبن بكم المذاهب فو الله ما شيعتنا إلا من اتقى الله وأطاعه»)، وفي نصٍ آخر: («شيعتنا أهل الورع والاجتهاد»)، ويقول الإمام علي : («ألا وإن لكل مأمومٍ إماماً يقتدي به، ويستضيء بنور علمه ألا وإن إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه، ومن طعمه بقرصيه، ألا وإنكم لا تقدرون على ذلك، ولكن أعينوني بورعٍ واجتهاد، وعفةٍ وسداد»). وفي آخر لحظة من لحظات حياة الإمام الصادق يلتفت إلى أبنائه فيقول: («أبلغوا شيعتنا لا ينال شفاعتنا مستخفٌ بصلاته»).
فإذا أردنا أن نقوم بواجب الولاء تجاه أهل البيت (عليهم السلام) يجب أن علينا أن نخرج من مأتم الحسين ونحن أكثر تصميماً على الالتزام بقيم الدين وأحكامه.
ونحن بشر، ومعرضون للخطأ، وخاصةً الشباب، الله يعينهم على مغريات هذا العصر، وقد أكد هذا رسول الله فمرةً كان جاساً مع أصحابه، وإذا به يرفع يديه بالدعاء ويقول: «اللهم لقّني إخواني. قالوا: يا رسول الله أو لسنا إخوانك؟ قال : أنتم أصحابي، إخواني قومٌ يأتون في آخر الزمان، يكون اجر الواحد منهم مثل أجر خمسين منكم! قالوا: كيف يا رسول الله ونحن صحبناك، وشاركنا في بدرٍ واحد، ونزل فينا القرآن؟ فقال : إنكم لو تواجهون ما يواجهون لما صبرتم صبرهم.»
فالرسول يعرف عمق المعاناة التي يعيشها شباب هذا اليوم، يقول : «يأتي على الناس زمان يكون القابض فيه على دينه، كالقابض على الجمر».
فالإغراءات التي يواجهها الشباب والفتيات كبيرة، وهنيئاً للشاب الصامد، وهنيئاً للفتاة التي تتمسك بعفافها وتصمد أمام الإغراءات.
ومما يُساعد على الصمود، والثبات على الدين تذكار سيرة أبي عبد الله الحسين ، فعلى الجميع (رجالاً ونساءً، كباراً وصغاراً) الاستفادة من مآتم الحسين بأن يخرجوا جميعاً أكثر تصميماً على الالتزام بالدين.
مجالس عاشوراء يجتمع فيها المؤمنون من مختلف المناطق والجنسيات والأعراق والقوميات والعوائل والمستويات: الغني والفقير، العالم والجاهل، ويجمعهم ولاية أهل البيت (عليهم السلام). ولذلك يجب أن تُذكرنا هذه المآتم بوحدة صفّنا وأن لا نتفرق وأن لا نتمزق، وأن لا نختلف، وأن لا يُهمل بعضنا بعضاً، وأن لا يتنكر بعضنا لبعض. قد تكون هناك اختلافات في الآراء، ولا يوجد مجتمع من المجتمعات يتفق أبناؤه على كل التفاصيل والآراء، فالاختلاف وارد في القضايا الفقهية والاجتماعية والفكرية، ولكن تجمعنا خيمة واحدة هي خيمة أبي عبد الله الحسين (عليه السلام).
«ويروي يعقوب الضحّاك عن خادم الإمام جعفر الصادق سراج يقول: جرى ذكر قومٍ أمام الإمام الصادق فقلت: يا ابن رسول الله إنا نبرأ منهم! فالتفت الإمام قائلاً: يتولوننا وتبرؤون منهم؟ فقلت للإمام: إنهم لا يقولون ما نقول. فقال الإمام : هو ذا عندنا ما ليس عندكم، أفنتبرأ منكم؟ وعند الله ما ليس عندنا أفتراه اطّرحنا؟ قلت: فما نفعل؟ قال : إن المسلمين درجات منهم من له سهم، ومنهم من له سهمان، ومنهم من له ثلاثة، إلى سبعة أسهم. فلا يحمل صاحب الاثنين على صاحب الواحد، ولا يحمل صاحب الثلاثة على صاحب الاثنين، وهكذا. لا تُسقط من هو دونك، فيُسقطك من هو فوقك.»
ولذلك يجب أن نُحافظ دائماً على وحدة صفّنا، ولا نسمح لأي سبب من الأسباب لدواعي التمزق والخلاف والتفرق، أن تنبثّ في صفوفنا فإن ذلك يُزعج أئمتنا (عليهم السلام)، فهم يُريدون شيعتهم ضمن وحدة الإيمان والولاية.
شيعة أهل البيت (عليهم السلام) جزءٌ من الأمة الإسلامية، وجزءٌ من شعوبها في مختلف أوطانهم، وأهل البيت (عليهم السلام) يؤكدون على شيعتهم بأن يكونوا منضوين ومندمجين في الأمة، فلا يُريدون لشيعتهم أن يكونوا منعزلين.
يجب أن يكون أهل البيت في خدمة أوطانهم ومجتمعاتهم ودينهم وأمتهم، فكذلك كان آباؤنا وأسلافنا، فلأنهم تربو في مدرسة أهل البيت، كانوا مخلصين لأوطانهم.
أئمة أهل البيت (عليهم السلام) يريدون منّا أن نكون جزءً من أمتنا الإسلامية، نتفاعل مع قضايا الأمة، وفي الطليعة في خدمة الإسلام والأمة، ونرتبط بجسور المودة والمحبة والوحدة مع بقية المسلمين.
التفرقة ليست خيارنا، فنحن نرفض التفرقة بين المسلمين، ونرفض الخلافات المذهبية، ونرفض الصراعات الطائفية. نحن نريد أن تكون الأمة كلّها يداً واحدة وخاصةً في هذا العصر والإسلام يواجه التحديات.
وآخرها الرسوم المزرية المسيئة لرسول الله التي نُشرت في الصحف الأوروبية وصارت مختلف الصحف تنشرها من بلدٍ إلى بلد إمعاناً في الإساءة للإسلام وإهانةً للمسلمين ولنبيهم، وهذا يدل على أننا نواجه تحديات مشتركة، ولذلك كانت وقفة المسلمين رائعة، فالمسلمون في كل مكان لهم موقف واحد في الدفاع عن نبيهم محمد .