من توجيهات الإمام الحسن العسكري (ع)
جاء في وصية للإمام أبي محمد الحسن العسكري

الإمام الحسن العسكري

ومن ذلك قصر عمره الشريف، فولادته






وبالإضافة إلى قصر عمر الإمام العسكري



فحينما رُحِّلَ مع أبيه الإمام الهادي

وفي سامرّاء لم يكن هناك جمهور الأمة ولا نخبتها العلمية من الذين قد يختلط بهم الإمام أو يلتفّون ويتعاطفون معه، بل كانت عاصمة الدولة آنذاك، فكان سكّانها الحاكم مع جنوده وحاشيته والمقربين إليه.
وقد أبقى الخليفة العباسي الإمام الهادي وابنه العسكري فيها وشدّد عليهما الرقابة، وبقي الإمام العسكري فيها إلى أن استشهد.
لذلك يمكننا أن نتصوّر صعوبة الظروف التي قاساها الإمام، لدرجة أن بعض الروايات التاريخية تنقل أن الإمام

وهذا كلّه يبين أن الفرصة في أن يلتقي الإمام بالناس كانت ضعيفة، والفرصة الوحيدة كانت حينما يكون الإمام في الطريق عندما يخرج

وحتى اللقاء به في الطرقات العامّة لم يكن آمنًا، وهذا ما نستشفّه من رواية تنقل عنه

وورد عنه

هذه الرقابة المشدّدة على الإمام ما تركت الفرصة لأن تستفيد الأمة منه كثيرًا، وبالرغم من ذلك نجد أن عددًا لا بأس به روى عن الإمام، حيث ترجم السيد محمد كاظم القزويني في كتابه (الإمام الحسن العسكري


لكن ما وردنا عن حياته كان محدودًا جدًّا، فلذلك نجد أن أكثر من يكتبون عن سيرته


ومن الغريب أن نجد في المقابل من يضيف إلى حياته

وهذه مشكلة نواجهها مع معظم سِيَر الأئمة

من ذلك انك تجد معظم من كتب عنه




هذه الرواية تريد أن تبرز أمرين، هما:
الأول: أن الإمام مستجاب الدعاء من الله تعالى.
الثاني: أن الإمام يُحْسِن حتى مع أعدائه ويدعو لهم.
وما يدعو للتشكيك في هذه الرواية أنه من غير المتصوّر أن يدعو الإمام

ولهذا فإن هذه الرواية تحتاج إلى تحقّق وتثبّت.
الإمام يملك شخصية مؤثرة:
كان الإمام الحسن العسكري


وفي حادثة أخرى تنقل كتب التاريخ أنه: حبس أبو محمد

وهذه المواقف تكشف عن مدى قوّة وهيمنة شخصية الإمام على قلوب الناس، وهكذا ينبغي أن يكون سلوك الإنسان المسلم قويًّا في شخصيته ومؤثرًا وفاعلاً بسلوكه أكثر من كلامه ووعظه.
وصايا الإمام العسكري
:

الإمام العسكري



ويمكننا أن نستخرج من هذه الوصية ثلاثة محاور:
المحور الأول: الالتزام بالمبادئ والقيم:
التشيّع ليس انتماءً قبليًّا، وإنما هو انتماء قيمي سلوكي، وبالتالي فإن مَنْ ينتمي إلى هذا الخط والتيار يجب أن يكون ملتزمًا بالقيم والمبادئ، ولا يكفي الانتماء العاطفي، من إعلان الحب لأهل البيت


المحور الثاني: الاندماج في مجتمع الأمة:
السلطات العباسية والأموية وجميع السلطات المعادية لأهل البيت


ولذلك يوجّه الإمام خطابًا عامًّا لشيعته بأن لا ينعزلوا عن الأمة، وأن يندمجوا مع جماهيرها وعامّة المسلمين، فالبعض من الناس يرى في الاندماج والتداخل مع الآخرين نوعاً من الذوبان فيهم على حساب المبادئ. وفي الواقع إن المؤمن الحقيقي الذي يحمل الوعي والبصيرة لا يخشى عليه من الذوبان والتأثّر، بل هو في موقع التأثير في الآخرين.
ولذلك فالأئمة يوجهون شيعتهم إلى الاندماج والتداخل مع الناس في مجتمعاتهم وأوطانهم، وألا يكونوا فئة معزولة محاصرة، وألاَّ يعيشوا حالة الانطواء والانكفاء على أنفسهم.
لأن أي مجتمع ينعزل ويبتعد عن الجمهور يسهل اتهامه بأي تهمة، وتشوه سمعته، بينما إذا اختلط مع الناس فإنهم يرونه ويتأكدون من وضعه ولا تنطلي عليهم تلك التهم والشبهات التي من الممكن أن تلقى من هنا وهناك.
ومن جهة ثانية، إن الانعزال لأي مجتمع يخلق أجواء معادية ضدّه، وسيكون على العكس من ذلك لو كان هناك اختلاط وتداخل فإنه تنشأ حالة من المودّة والألفة والعلاقة الجيّدة بين الجميع.
وثالثًا: إن الابتعاد عن الناس لا يوصل إليهم الفكرة بشكل جيد، وتصبح أفكار ومعتقدات وآراء ذلك المجتمع المنعزل مشوشة وغير مفهومة لدى الآخرين، بينما لو كان هناك اندماج بين المجتمعات على اختلافها ستكون أفكار كل مجتمع معروفة بشكل أوضح.
ولذلك نحن نؤكّد ـ وخاصّة في هذا العصر الذي حدثت فيه تغيرات تجعل الإنسان أكثر ثقة بنفسه وأكثر أمنًا واطمئنانًا على وضعه ـ على مسألة الاندماج والانفتاح، وقد رأينا الآثار الطيبة الكثيرة، فوجدنا كيف أن البعض من المؤمنين من أتباع أهل البيت


إن الاندماج أمر مطلوب، وخاصّة على المستوى الوطني، وعلى مستوى المؤسسات الوطنية والعلاقات الاجتماعية.
ولذلك فإن ما نراه من حالة سلبية عند بعض الطلبة من مجتمعنا حينما يتوجهون للدراسة في الجامعات، فتراهم يتكتّلون وينطوون على بعضهم، بحيث لا تكاد تجد لهم علاقات مع الآخرين من أبناء المجتمعات الأخرى إن هذه الظاهرة غير جيدة، فنحن لا نخاف من إبداء ما عندنا حتّى نبدو بهذه الانطوائية والانعزال، وخاصة مع هذه التطورات الإيجابية، بل نحاول أن نتعرّف على الآخرين ونترك الفرصة للآخرين ليتعرّفوا علينا.
وقد رأينا أن من فوائد انفتاح البعض على الآخرين أن دعاهم ذلك للتعرّف أكثر على مبدأهم ومذهبهم والقراءة والاطلاع حوله بشكل أفضل، لأنهم حينما يلتقون مع الآخرين فيسألونهم عن عقائدهم وممارساتهم يجدون أنفسهم أمام تحدي الإجابة على هذه الاستفسارات، فيقرأون ويبحثون، وهذه ثمرة جيدة.
وبهذا فإن الانفتاح على الآخر يكون من أسباب البصيرة بالمبدأ، ووسيلة للتعريف بهذا المجتمع وإيصال هذه الأفكار والآراء للآخر.
ومن الخطأ الكبير أن يبقى شبابنا في الجامعات أو موظفونا في المناطق المختلفة منكفئين على أنفسهم.
والإمام في هذه الوصية يحث على مسألة الاندماج والتداخل مع الآخرين، يقول

المحور الثالث: حسن السمعة:
هناك على طول التاريخ من يحاول أن يشوّه ويرسم صورة خاطئة عن أتباع أهل البيت

يقول في ذلك الإمام العسكري

إن البعض في مجتمعنا حينما يسمع حديثًا عن الاهتمام بانطباع الآخرين تجاه المذهب والمجتمع، يفهم ذلك فهمًا خاطئًا ويقول ـ إما عن جهل أو حماقة ـ: وما يهمنا ما يقوله عنَّا الآخرون. أو يستشهد بالآية القرآنية:﴿ وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾ (البقرة: 120)، وهذا خلط للأوراق، فليس من الصحيح القول أن السمعة الحسنة لدى الآخرين ليست مهمة، فالإنسان المسلم كفرد ينبغي عليه أن يحسّن سمعته، والمجتمع المسلم كمجتمع ينبغي عليه ـ كذلك ـ أن يعطي الصورة المشرقة عنه كمجتمع.
وبشأن الآية الكريمة: ﴿وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾ فإن معناها أن يلتزم كل إنسان بدينه ومبدأه ولا يكون هناك مداهنة ومداراة على حساب المبادئ والقيم. ومعناها أن اليهود والنصارى لن يكفوا عن الضغوط عليكم حتى تتراجعوا عن دينكم.
وهذا المعنى لا إشكال أو اعتراض عليه.
ولكن حينما لا ترتبط المسألة بأصول المبدأ والمذهب، فتكون أمام أمرٍ جائزٍ أو فيه شبهة استحباب، وفي مقابل القيام بهذا الأمر نخسر السمعة والنظرة الطيبة عند الآخرين، فعلى العاقل أن يرجّح أيهما أولى، والترجيح يقتضي في هذه الحالة الحفاظ على السمعة الحسنة.
فبالنسبة للمسلمين نجد أن بعض المتشددين حينما يطلب منهم عدم القيام ببعض الأعمال حتى لا يكون انطباع المجتمعات الغربية وغير المسلمة انطباعًا سيئًا يجيبون بالآية الكريمة: ﴿وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى﴾ ، وهذا موقف خطأ وغير واعٍ.
والأمر نفسه موجه لأتباع مذهب أهل البيت

إن مَنْ يبدي اهتمامًا بهذا الأمر يعني أنه مهتمّ بمصلحة هذا المذهب وهذا المجتمع، ولا يعني ذلك أنه نوع من التنازل أو الخضوع، وإنما يعني الحرص على سمعة هذا المجتمع، ولذلك نرى نصوصاً كثيرة عن أهل البيت


وفي رواية أخرى عنهم

ورواية ثالثة تقول: «رحم الله من استجرّ مودّة الناس إليه وإلينا».
إن الحفاظ على السمعة وتحسين الصورة عند الآخر هدف سامٍ ينبغي الاهتمام به، إذا لم يكن على حساب الأسس والمبادئ، ولكنه من الممكن أن يكون على حساب بعض الأعراف والتقاليد والأمور الجائزة، لأن هناك ما يكون أرجح وأفضل، ولهذا نجد مثل هذه الروايات والنصوص وردت عن أهل البيت

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يثبتنا على ولايتهم وأن يحشرنا في زمرتهم.
اللهم أصلح ولاة أمور المسلمين وأيد حماة الدين واحفظنا وأحفظ أوطاننا من شرور المعتدين إنك أرحم الراحمين.