منطلقات الوحدة في سيرة أهل البيت (ع)
حدّد سماحة الشيخ حسن الصفار في كلمة الجمعة التي ألقاها ظهر الجمعة 17 صفر 1427 هـ في ذكرى استشهاد الإمام الرضا

وهذا نص الكلمة:
سئل الإمام محمد بن علي الجواد


الإمام الرضا
تنفتح عليه كل الأمة

شخصية الإمام علي بن موسى الرضا


فعلى الصعيد السياسي أتيحت للإمام



وجماهير الأمة من جهة أخرى كانت أمامها الفرصة للتعرّف على الإمام والاستفادة منه، لأن العائق السياسي الذي كان يمنعهم من الانفتاح على الأئمة تقلّص في عهد الإمام الرضا في السنوات التي كان فيها وليًّا للعهد، فلم يعد الوصول للإمام والاستماع إليه والاستفادة منه أمرًا محظورًا، كما كان بالنسبة لمعظم أئمة أهل البيت

كما أتيحت فرصة اللقاء به لخاصة الأمة من العلماء والفقهاء والمحدثين، الذين غالبًا ما يكونون عارفين بفضل ومكانة الأئمة



ولذلك أتيحت الفرصة للإمام أن ينفتح على كل الأمة: خاصتها وعامتها، وأن يطلّ على جميع الأوساط الدينية والاجتماعية بشكل عام، وهذا ما نلحظه مما ينقله التاريخ من مواقف، من ذلك ما تنقله كتب السير عند مرور الإمام الرضا




وهناك موارد كثيرة تشير إلى هذا الأمر، وتوضح كيف أن الإمام أتيحت له هذه الفرصة للموافِق والمخالف، فحتى مَن في قلبه شيء على الإمام ما كان يستطيع أن يظهر ما في نفسه، لأن مكانة الإمام فرضت نفسها، ولذلك يقول الإمام الجواد




وكذلك في زمن الإمام الكاظم


بينما في عهد الإمام الرضا

لقب الإمام
وكناه

والرضا هو أبرز ألقاب الإمام

وذكر الشيخ باقر شريف القرشي في كتابه «حياة الإمام الرضا» (ج1، ص25) ـ نقلاً عن بعض المصادر ـ أن الإمام الرضا

وأهل البيت






وقد ولد الإمام الرضا


منطلقات الوحدة عند أهل البيت 

الإمام


فما كان شيء يزعجهم أكثر من حالة الخلاف والفرقة في وسط الأمة، فقد كانوا حريصين على وحدتها، يقول أمير المؤمنين


ولم يكن ذلك مجرّد شعار يرفعه



وهناك ثلاثة منطلقات أساسية تدفع الأئمة

المنطلق الأول: الديني المبدئي:
فالأئمة

والخطاب الموجود في الآيات موجّه لكل الأمة ومختلف الشرائح والمستويات، ولكن المشكلة أن البعض يقرأ هذه الآيات والنصوص الشريفة وكأنها تخاطب غيره، فيتصوّر أنها تخاطب الآخرين بعدم التفرقة ولا تعنيه، والمفترض أن يلزم كل منّا نفسه أولاً قبل الآخرين.
ومن المفارقات أن تجد الجميع يتحدّث عن الوحدة ويرفع شعارها، ولكن على الأرض ليس هناك أمة تعاني الصراعات والتشرذم كما تعانيه الأمة الإسلامية، فأين هي نداءات القرآن وأوامر الشرع؟ وأين ذهبت هذه القيمة؟
الذي يبدو لي أن السبب هو عدم وجود اهتمام بآليات تحقيق الوحدة وكيفية تطبيقها على الأرض.
فالمجتمعات التي حققت وحدتها حققتها عن طريق الاعتراف بالتعددية واحترام الرأي الآخر واختيار النهج الديمقراطي، فحققوا وحدتهم عن طريق هذه الآليات، بينما في واقعنا الإسلامي ـ للأسف ـ يتحدث الواحد منّا عن الوحدة وكأنها تعني أن يخضع الناس لرأيه وأنها لا تتحقق إلا بهذا الطريق، فنجد بعض العلماء من إخواننا السنة يصرح بأن الأمة لا تتّحد إلاّ على مذهب أهل السنّة والجماعة، وهذا مكمن الإشكال، لأنّه يشرّع للطرف الشيعي بأن يقول أن الأمة لا تتّحد إلا على مذهب أهل البيت

إنما تقوم الوحدة إذا استطعنا ـ كمسلمين ـ الوصول إلى إطار عام يجمعنا، بحيث يبقى كل منا على رأيه ومذهبه ولكن هناك قواسم مشتركة تجمعنا، أما أن نسعى لتحقيق الوحدة عن طريق خضوع الجميع لرأي واحد واتجاه واحد، فهذا لا يمكن أن يكون، وما دامت لم تتحقق الوحدة بهذا الطريق في تلك العصور التي كان فيها للقوّة الدور الأوّل، فلن تتحقق في هذا العصر وقد أصبحت نسائم التحرر والديمقراطية وحقوق الإنسان تعم أرجاء العالم.
ومن يطرح هذا الطرح فهذا يعني أنه لا يفهم الوحدة أو أنه لا يمتلك الإخلاص الحقيقي للوحدة، فمن يخلص لمبدأ الوحدة عليه أن يطرح إطارًا عامًّا للجميع، ويخلق فضاءً يتّسع للجميع، وإلاّ فالدعوة حينئذٍ لا تكون صادقة وحقيقية.
المنطلق الثاني: الوعي الحضاري
الوعي الحضاري هو الذي يجعل الإنسان يفكر في بناء حضارة وليس في تحقيق هدف جزئي معين، وهذا ما أراده الإسلام، حيث يهدف لبناء حضارة إسلامية، تقول الآية الكريمة: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾[9] .
أهل البيت

ولأن أهل البيت


هذا هو الوعي الذي يقدّمه أهل البيت

المنطلق الثالث: طهارة نفوس الأئمة

من العوائق التي قد تكون عقبة في تحقيق الوحدة بين أبناء الأمة، أن بعض أبنائها يدرك أبعاد وأهداف الوحدة، ولكن الطموح إلى بعض المطامع والمصالح الفردية أو الفئوية هي التي تجعله يميل عن طريق الوحدة، ويسلك طريق الصراع والخلاف من أجل أن يحقق مصلحة ما ومكسبًا معينًا، أما أهل البيت

وهذه المطامع والمصالح والمكاسب الفردية والفئوية هي التي تجعل البعض يسير في طريق الانشقاق والخلاف والصراع، لأن هناك مصالح يرتجيها من هذا الأمر. أما أهل البيت فقد كانت نفوسهم طاهرة من هذه الأنجاس والأرجاس، ولذلك كانوا أحرص الناس على وحدة المسلمين.
فقدموا التنازلات والتضحيات، وقدموا أغلى الأثمان من أجل أن يحافظوا على وحدة الأمة الإسلامية، فجزاهم الله عن أمة جدّهم

وبالطبع يمكن الحديث عن موقفهم السياسي وكيف كانوا حريصين على تجنيب الأمة الانقسام المذهبي والفكري، ولكن الحديث حول هذا الموضوع يحتاج إلى بحث مستقل حتى يتبين أن الوحدة كانت نهجًا وسلوكًا وممارسة في حياة أهل البيت

ونحن ـ كموالين لأهل البيت


والحمد لله رب العالمين.