السياسة النبوية ودولة اللاعنف
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وآله الطاهرين وصحبه الطيبين
واجه رسول الله



ولم يستخدم القمع والعنف في أي حالة من تلك الحالات، رغم توفر الأسباب والمبررات، ورغم إلحاح بعض من حوله من الأصحاب على ذلك، إلا أنه

وفيما يلي ننقل بعض النماذج والشواهد
خيانة عظمى
حينما عزم رسول الله


مع هذا الحرص الشديد على الكتمان لإنجاح الخطة، فإن أحد الأصحاب من المهاجرين من أهالي مكة، وهو حاطب بن أبي بلتعة، علم بطريقة خاصة عن قصد رسول الله

وهبط الوحي على رسول الله





فقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله، دعني فلأضرب عنقه، فإن الرجل قد نافق. إلا أن النبي لم يوافق على اقتراح عمر، بل اتبع سبيل الصفح والعفو عن حاطب لمواقفه السابقة، وقال لأصحابه: إنه قد صدقكم ولا تقولوا له إلا خيراً.[1]
هنا لم تكن حسابات سياسية تمنع معاقبة حاطب، فهو لا ينتمي إلى تيار يُخشى، وليس له في المدينة قبيلة تراعى، وقد ارتكب خيانة عظمى، لكن نهج رسول الله

التشكيك في نزاهة القيادة
لم يكن النبي

من هنا فإن أي تشكيك في نزاهة رسول الله


وقد تجرأ بعض الأفراد على إعلان التشكيك في نزاهة رسول الله


1. «جاء في صحيح مسلم عن جابر بن عبدالله قال: أتى رجل رسول الله



فقال عمر بن الخطاب: دعني يا رسول الله فأقتل هذا المنافق.
فقال

2. «وعن أبي سعيد الخدري قال: بعث علي بن أبي طالب إلى رسول الله




3. وجاء في السيرة النبوية أن رسول الله


فقال أبو حذيفة بن عتبة وهو من المسلمين المهاجرين، لما بلغه قول رسول الله

قال: فبلغت رسول الله

فقال عمر: يا رسول الله، دعني فلأضرب عنقه ـ أي أبا حذيفة ـ بالسيف، فوالله لقد نافق.[4] فرفض رسول الله

4. وجاء في سنن الترمذي عن عبدالله بن مسعود قال: أُتي رسول الله


دولة اللا عنف
هذه السيرة النبوية العطرة كيف يجب أن يقرأها المسلمون؟
إنها ليست مجرد فضائل باهرة تزيدنا فخراً وإعجاباً برسول الله

فمن خلال هذه السيرة أراد رسول الله

وما نراه الآن في واقع المجتمعات والأمم المتقدمة، التي تضمن حرية الرأي لمواطنيها، وتوفر لهم فرص التعبير عن أفكارهم وتوجهاتهم السياسية، عبر الإعلام والمؤسسات والتجمعات السلمية، مهما كانت مخالفة لإدارة السلطة، إنما هو تطبيق معاصر لنهج سلكه رسول الله

لذلك نقرأ إلحاح الأصحاب المحيطين برسول الله


بالطبع نحن نعتقد أن تلك السياسة النبوية لا تنطلق من حالة ذاتية، وليست نابعة من قناعة فكرية شخصية عند رسول الله


هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، فإن الرسول محمداً



«ورد في صحيح البخاري عن أبي بكرة، عن النبي

وعلى مستوى النتائج والآثار فإن ذلك النهج السلمي الذي سلكه رسول الله

فلو استخدم رسول الله

1. قد يزيد من تحدي المخالفين، ويدفعهم إلى تصعيد مناوءتهم، وبعضهم قد تكون مخالفته بسبب جهل أو انفعال وقتي، فإذا ما قوبل بالقوة والشدة فقد يدفعه ذلك إلى الإصرار والعناد، بينما كان حلم رسول الله

إن بعض الدول حينما تسرعت في استخدام القمع تجاه معارضيها دفعتهم لسلوك طريق العنف المضاد، مما يسلب أمن المجتمع، ويدخله في دوامة العنف والاضطراب.
2. استخدام العنف يخلق حالة من التعاطف مع من يقع عليه، وخاصة في ذلك المجتمع الخاضع للعصبيات القبلية. بينما العفو والصفح، يعطي أثراً معاكساً، حيث يتوجه الآخرون باللوم والعتاب للمخالف، ويحمدون عفو المقتدر وصفحه. وهذا ما حصل في كثير من المواقف المذكورة في السيرة النبوية.
3. سياسة العفو والتسامح وفرّت للدعوة الإسلامية، وللقيادة النبوية سمعة حسنة، ووجهاً مشرقاً أمام الرأي العام، مما ساعد على انتشار الإسلام، وإقبال الناس عليه، ودخولهم فيه أفواجا، بينما لو تعامل رسول الله



الانقلاب على النهج النبوي
لكن هذا النهج الحضاري الذي أرساه رسول الله


ودخلت الأمة العربية والإسلامية نفق الاستبداد السياسي، وأخذتها دوامة العنف والعنف المضاد، إلى الوقت الحاضر مع تفاوت نسبي في الحالات بين الأزمنة والبلدان، فلا تكاد تجد عهداً يخلوا من الثورات والانتفاضات وحالات التمرد.
وبينما طورت الأمم الأخرى تجاربها السياسية الاجتماعية، وأصبحت تعيش حالة الاستقرار السياسي، والأنظمة الديمقراطية، والتداول السلمي للسلطة، بقيت أغلب بلاد المسلمين تعاني الاضطرابات والأزمات، وخاصة البلدان التي ابتليت بالانقلابات العسكرية، والحكومات الحزبية، والتي مارست بحق شعوبها أسوأ ألوان القمع والاستبداد، تحت مختلف الشعارات البراقة.
إن الرأي العام العالمي ينظر الآن إلى بلاد المسلمين باعتبارها خارج إطار عالم الحريات وحقوق الإنسان، وباعتبارها مسرحاً للعنف، ومصدراً للإرهاب، واندفعت مختلف الجهات الدولية لتقديم مشاريعها ووصفاتها لعلاج الواقع السقيم للعرب والمسلمين، كمشروع أمريكا للشرق الأوسط الكبير، والمشروع الأوربي للإصلاح السياسي في الشرق الأوسط.
إن البديل الصحيح لرفض هذه المشاريع الأجنبية، التي لا تخلو من المطامع والأغراض المشبوهة، هو العودة إلى النهج النبوي، والتأسي بسيرته الكريمة في نبذ العنف، وإرساء السلم الاجتماعي، وحماية الحقوق والحريات.
وكما أمرنا رسول الله



إن التحديات الكبيرة التي تواجهها الأمة لا تسمح لنا بالاسترسال في دوامة الصراعات الداخلية، فلا بد من التوافق والتراضي، ونبذ العنف وسيلة لحل الخلافات، واعتماد الحوار والنهج الديمقراطي السليم.
اللهم وفقنا للاستنان بسنة نبيك، والالتزام بشريعته السمحة، وأجعلنا من المشمولين بشفاعته يوم القيامة، إنك أرحم الراحمين.