صور من حياة الإمام الجواد (ع)
ما أحوج الأمة الإسلامية وهي تعيش معركة الحفاظ على هويتها، والالتزام بقيمها الأخلاقية، إلى استذكار سير الأئمة الطاهرين . لأن ذلك يؤكد في نفوس أبناء الأمة ثقتهم بدينهم ويصون هويتهم، في ظل العولمة الثقافية التي تريد إلغاء هويات الأمم، وتذويب ثقافاتها في بوتقة الثقافة الغربية المادية، ونحن في أمس الحاجة إلى إبراز حياة القدوات والرموز المبدئية، حتى ينشدّ إليها أبناء هذا الجيل من الأمة. وليس إحياء ذكر أهل البيت
إلا تلبية لهذه الحاجة الملحة.
عطاء زاخر في عمر قصير:
ولد الإمام محمد الجواد بن علي الرضا سنة 195هـ وهو الإمام التاسع من أئمة أهل البيت الاثني عشر


هي الحياة انتقالات مفاجئة *** لا الطول مقياسها الأسمى ولا القصر
تخلد المرء وقفات وترفعه *** إلى ذرى المجد ساعات هي العمر
والإمام الجواد

إمامته:
تحمل الإمام اعباء الإمامة ومسؤولياتها منذ صغره، بعد استشهاد أبيه الإمام علي الرضا





ويرتفع هذا التساؤل بمعرفة أن مؤهلات الإمامة ليست كسبية. وأن علم الأئمة ثابت لهم بالوصاية والاستيداع والإلهام من الله، لا بكسب وتعلم من الناس وشد الرحال إلى الحلقات العلمية، وإذا كان الله جل شأنه هو المعطي والملهم بالطريقة الغيبية الإعجازية، فلا مجال للشك والتساؤل. أما إذا كان السؤال حول انطباق هذا المفهوم على الإمام أي هل أن الله عينه واختاره إماماً أم لا؟ فهذا بحث مستقل وللشيعة أدلتهم وبراهينهم على النص والتعيين كشرط للإمامة وعلى تحديد أشخاص الأئمة، عن طريق النقل الثابت لديهم، ومما يؤيد ذلك الكفاءة الظاهرة للناس.
والقرآن الكريم يحدثنا عن النبي عيسى



فإذاً ثبت أن الإمامة تكون بالنص والتعيين، وأن مؤهلاتها ليست كسبية أو تحصيلية، وإذا ثبت النص على الإمام الجواد

التفوق العلمي:
لم تصلنا من أخبار علوم الإمام الجواد إلا شذرات قليلة، أودعت في بعض كتب التاريخ، ومرد ذلك هو الاضطهاد الذي مارسه العباسيون بحق أهل البيت، والتنكيل بهم، والتضييق عليهم، وعلى من يلوذ بهم. وقد أثار معاصروه من العلماء وحاشية السلطة شكوكاً في أهليته لمنصب الإمامة، فكيف يدعي الإمامة وهو لا يزال في الثامنة من العمر؟ وكيف يدعي بعض الناس ممن حولـه الإمامة له وفي الأمة كثير من العلماء والقضاة وأعيان البلاد؟ وبهذا أصبح عرضة للتحدي والسؤال. وبالفعل فقد تعرض للامتحان، وزاد في شدة الأمر سخط مراكز السلطة على أهل البيت


ويذكر التاريخ أن العباسيين عقدوا مجلساً بمحضر الخليفة المأمون لامتحان معرفة الإمام الجواد وعلمه، وجاءوا بقاضي القضاة يومئذ وهو (يحيى بن أكثم) ليمتحنه بمسألة عويصة، فطرح عليه السؤال التالي: ما تقول في محرم قتل صيداً؟ فقال الإمام


فقال له المأمون: أحسنت -أبا جعفر- أحسن الله إليك، فإن رأيت أن تسأل يحيى عن مسألة كما سألك.
فقال له أبو جعفر

فقال له يحي بن أكثم: لا والله ما أهتدي إلى جواب هذا السؤال، ولا أعرف الوجه فيه، فإن رأيت أن تفيدناه.
فقال أبو جعفر

وجاء في بحار الأنوار عن علي ابن إبراهيم عن أبيه قال: استأذن على أبي جعفر قوم من أهل النواحي، فأذن لهم، فدخلوا فسألوه في مجلس واحد عن ثلاثين ألف مسألة، فأجاب وله عشر سنين.
ويعلّق الشيخ المجلسي (رحمه الله) على هذه الرواية بقوله: إن الكلام قد يكون محمولاً على المبالغة في كثرة الأسئلة والأجوبة، أو أن المراد بوحدة المجلس الوحدة النوعية أو مكان واحد كمنى وإن كان في أيام متعددة [9] .
هذه المواقف وأمثالها أثبتت جدارة الإمام الجواد وأهليته لمنصب الإمامة لذلك تجد عالماً فقيهاً من أهل البيت، هو علي بن جعفر الصادق، على كبر سنه، ومكانته العلمية، وكونه عماً لأبي الإمام الجواد، ولكنه خضوعاً لما يعرفه من أحقية الجواد مع صغر سنه، يعترف له بالإمامة والفضل، ويبدي له الاحترام والخضوع.
ورد عن محمد بن الحسن بن عمار قال: كنت عند علي بن جعفر بن محمد جالساً بالمدينة إذ دخل عليه أبو جعفر محمد بن علي الرضا



كرمه وجوده:
لقب الإمام محمد بن علي الرضا بالجواد، لجوده وكرمه وكثرة عطائه، والجواد من الجود، وهو كثرة العطاء والكرم. قال بعض اللغويين إن الجود هو كثرة العطاء من غير سؤال[11]
وقال الشاعر:
وما الجود من يعطي إذا ما سألته *** ولكن من يعطي بغير سؤال
ومن شواهد جوده التي نقلها التاريخ:
قال أحمد بن حديد خرجت مع جماعة حجاجاً، فقطع علينا الطريق، فلما دخلت المدينة لقيت أبا جعفر في بعض الطريق، فأتيته إلى المنزل، فأخبرته بالذي أصابنا. فأمر لي بكسوة وأعطاني دنانير، وقال فرقها على أصحابك على قدر ما ذهب.
فقسمتها بينهم فإذا هي على قدر ما ذهب منهم لا أقل ولا أكثر[12] .
وعن علي ابن إبراهيم عن أبيه قال: كنت عند أبي جعفر الثاني


ونقل الصفدي أنه كان

هدي وإرشاد:
من أفضل ما نستفيده من الاحتفاء بذكرى الإمام الجواد

فمن توجيهاته الرائعة

1- « لا تكن ولياً لله تعالى في العلانية وعدواً له في السر»[17] .
إنه تحذير لمن يتظاهر أمام الناس بتقوى الله، والتزام أوامره، لكنه بعيداً عن أعين الناس يتجرأ على معاصي الله.
2- قال

وهو توجيه إلى المعرفة، وتذكير بمحورية العلم في حركة الإنسان.
3- قال

فالعدو الرئيسي للإنسان في هذه الحياة هو الشيطان الرجيم، الذي يصفه الله تعالى بقوله: ﴿ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾ [20] وإذا ما أطاع الإنسان شهواته فإنه يحقق هدف الشيطان ومناه تجاهه.
وحتى في الصراعات والعداوات التي تحصل بين أبناء البشر، على الإنسان أن يتصرف تجاه أعدائه بتفكير وتعقّل، أما إذا تصرّف بوحي من عاطفته وانفعاله فقد يخدم أهداف عدوه، من حيث لا يريد.
4- قال

فلا شيء أثمن من الصديق المبدئي، الذي ترتبط به في ظل القيم الدينية، إنه يساعدك على نيل رحمة الله ورضوانه.
5- قال

إن كثرة الاستغفار تعني مراجعة الإنسان الدائمة لأخطائه وثغراته ونقاط ضعفه، وعزمه على تداركها وتلافيها. أما لين الجانب فيعني حسن علاقته مع الناس، والصدقة تعني الاهتمام بمناطق الضعف في المجتمع والشعور بالمسؤولية تجاه المحتاجين.
6- قال

فإضافة شيء إلى الدين، ونسبة ما ليس منه إليه يعتبر نسفاً لحقيقة الدين وهي كونه وحي من قبل الله تعالى، وليس من وضع البشر.
7- قال

فالمعتقدات والعبادات على أهميتها إلا أن ثمرتها المطلوبة هي الأخلاق الطيبة، فإذا لم تتوفر في شخصية الإنسان، فذلك يعني ضعف العقيدة، وسطحية العبادة.
8- قال

هذا هو النهج السليم للإنسان الواعي، أن يهتم بمعالجة نقاط ضعفه، وأن لا يتتبع عثرات الآخرين.