الإمام المهدي وبشائر الأمل
قضية الإمام المهدي وخروجه في آخر الزمان ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً، هي من الحقائق الجامعة، التي يتفق عليها المسلمون بمختلف مذاهبهم، والتي تشير إلى وحدة الأصول والمنابع المعتمدة لدى المسلمين، مع تعدد مدارسهم وتوجهاتهم.
فلا يكاد يخلو مصدر من كتب الحديث والسنة النبوية الشريفة من ذكر موضوع المهدي، ولا تجد مذهباً من المذاهب الإسلامية إلا وتناول أحد من علمائه وباحثيه هذه المسألة بالإثبات والتأييد.
وإذا كان هناك من ينكر هذه الحقيقة أو يتنكر لها، فمردّ ذلك إلى أسباب أخرى، كما يقول الشيخ عبد المحسن العباد المدرّس في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة: (إن بعض الكتّاب في هذا العصر أقدم على الطعن في الأحاديث الواردة بغير علم بل بجهل، أو بالتقليد لأحد لم يكن من أهل العناية بالحديث)[1] .
ويشير المحدّث الألباني إلى سبب آخر هو: (أن عقيدة المهدي قد استغلت عبر التاريخ الإسلامي استغلالاً سيئاً، فادعاها كثير من المغرضين، أو المهبولين، وجرت من جراء ذلك فتن مظلمة، كان من آخرها فتنة (جهيمان) السعودي في الحرم المكي، فرأوا أن قطع دابر هذه الفتن، إنما يكون بإنكار هذه العقيدة الصحيحة!… وما مثل هؤلاء المنكرين جميعاً عندي إلا كما لو أنكر رجل ألوهية الله عز وجل بدعوى أنه ادعاها بعض الفراعنة!)[2] .
وفي حديث لمفتي المملكة الراحل الشيخ عبد العزيز بن باز حول المهدي المنتظر جاء ما يلي: (فأمر المهدي أمر معلوم والأحاديث فيه مستفيضة بل متواترة متعاضدة، وقد حكى غير واحد من أهل العلم: تواترها… وهي متواترة تواتراً معنوياً لكثرة طرقها، واختلاف مخارجها وصحابتها ورواتها وألفاظها، فهي بحق تدل على أن هذا الشخص الموعود به أمره ثابت، وخروجه حق… وهذا الإمام من رحمة الله عز وجل بالأمة في آخر الزمان، يخرج فيقيم العدل والحق، ويمنع الظلم والجور، وينشر الله به لواء الخير على الأمة عدلاً وهدايةً وتوفيقاً وإرشاداً للناس… والحق أن جمهور أهل العلم بل هو الاتفاق على ثبوت أمر المهدي، وإنه حق، وإنه سيخرج في آخر الزمان، أما من شذ عن أهل العلم في هذا الباب، فلا يلتفت إلى كلامه في ذلك… والواجب تلقي ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم بالقبول والإيمان به والتسليم، فمتى صحّ الخبر عن رسول الله فلا يجوز لأحد أن يعارضه برأيه واجتهاده، بل يجب التسليم كما قال الله عز وجل: ﴿ فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾. وقد أخبر صلى الله عليه وسلم بهذا الأمر عن الدجال وعن المهدي وعن عيسى المسيح بن مريم ووجب تلقي ما قاله بالقبول والإيمان بذلك، والحذر من تحكيم الرأي والتقليد الأعمى الذي يضر صاحبه ولا ينفعه لا في الدنيا ولا في الآخرة )[3] .
موضوع خروج الإمام المهدي المنتظر له موقعيته الهامة في النصوص الدينية فقد روى أحاديثه عن رسول الله

وذلك يدل على أهمية القضية في الفكر الإسلامي، فلابد وأن تطرح في أوساط الأمة بمستوى يتناسب مع أهميتها الدينية، لتكون حاضرة في أذهان الجيل المسلم المعاصر، وغير محصورة في نطاق أهل العلم والحديث، أو مصبوغة بصبغة مذهب معين فقط.
فمن الملاحظ أن أتباع مذهب أهل البيت عليهم السلام يتميزون بإحياء هذه القضية والاحتفاء بها على المستوى الشعبي، بينما هي شبه مغيبة في أوساط بقية جماهير الأمة، حتى كاد بعضهم أن يتصورها قضية خاصة بمذهب الشيعة، في حال أنها محل إجماع ووفاق بين جميع المذاهب الإسلامية.
وليس مطلوباً أن يتوافق أسلوب الإحياء والاهتمام بهذه القضية بين المذاهب، فلكل طريقته التي يراها مناسبة لمرئياته الشرعية وظروفه الاجتماعية، لكن المطلوب هو حضور هذه القضية وطرحها علمياً وفكرياً وإعلامياً في أوساط جماهير الأمة بمختلف مذاهبها.
ولأنها قضية متفق عليها في أصلها فإن انتشارها يؤكد حالة التوافق والاشتراك بغض النظر عن اختلاف التفاصيل والجزئيات، كالاختلاف في أنه من نسل الحسن


إن الاختلاف حول بعض التفاصيل موجود بين علماء المسلمين في أغلب القضايا الدينية بدءاً من صفات الخالق جلا وعلا إلى أحكام الصلاة والوضوء، ولا يضر ذلك مع الاتفاق على أصل الموضوع، وعسى أن تتوفر الأجواء المناسبة لحوارات علمية موضوعية معمقة بين علماء الأمة حول موارد الاختلاف في الفكر والفقه الإسلامي.
وهناك داع مهم لإحياء قضية الإمام المهدي في أوساط الأمة وخاصة في هذا العصر لما توفره هذه القضية من زخم روحي، في نفوس المسلمين، حيث تلهمهم الأمل و تشيع في قلوبهم الثقة بالنصر، وتحفزهم للتطلع لاستعادة مجد الإسلام وقيام حضارته العالمية، حيث تؤكد الأحاديث المتواترة ذلك، كقولـه

كما أخبر رسول الله

وهناك معاناة الشعب العراقي ومآسيه في ظل الحكم الصدّامي والحصار الدولي، وحيث يموت الأطفال، ويعاني المرضى، ويجوّع ويسحق شعب بكامله، تحت أنظار العالم..
وحالات المجاعة وخاصة في أفريقيا، وانحدار المستوى المعيشي في روسيا، وتلوث البيئة بشكل يهدد سلامة الحياة ومستقبل البشرية..
كل ذلك يحصل الآن، وتملأ وسائل الإعلام به الدنيا عن طريق النقل الحي والبث المباشر.
خروج المهدي ووفقاً للنصوص الواردة يعني قيام الحضارة الإسلامية العالمية حيث يملأ الأرض قسطاً وعدلاً حسبما جاء عن رسول الله


لكن ذلك لا يحصل فجأة، ولا تبدأ خطواته على يد المهدي، بل وكما يظهر من النصوص، وتوحي به طبيعة التحولات، أن انبعاثاً يحصل في الأمة باتجاه الإسلام، وتهيئاً على مستوى الإنسانية لقبوله كخلاص وإنقاذ من الأزمات المتفاقمة.
ونحن نرى الآن بشائر الأمل في الجيل المسلم المعاصر، فإلى وقت قريب كانت قطاعات كبيرة من أبناء الأمة تعيش حالة من الانبهار بالتوجهات الماركسية الاشتراكية، أو الرأسمالية الغربية، وتأسست في بلاد المسلمين أنظمة تتبنى هذه التوجهات، وقامت أحزاب ترفع هذه الشعارات، وبحمد الله فقد تجاوزت جماهير الأمة تلك الحالة الانهزامية، وتهاوت ماركسية الشرق، وانكشف الوجه القبيح لرأسمالية الغرب، وعادت للأمة ثقتها بذاتها ونفسها، ونرى الجيل المسلم المعاصر الآن وهو يتطلع لحضارة الإسلام، وينادي بتطبيق شريعته، ولولا الحواجز والموانع التي توجه شعوب الأمة من قبل بعض الأنظمة لقطعت الأمة شوطاً أكبر باتجاه دينها واستقلالها وعزتها.
هذه الصحوة الإسلامية المتنامية، والتوجه الديني لدى أبناء الأمة، هو من بشائر الأمل وإرهاصات خروج الإمام المهدي، والذي سيتوج هذه المسيرة بالنجاح والنصر الحاسم إنشاء الله.
الإمام المهدي من عترة رسول الله


مع كل هذه الوصايا والتأكيدات إلا أنه حصل تجاهل لأهل البيت في غالب عهود التاريخ الإسلامي، لأغراض سياسية من قبل بعض الحكومات من الأمويين والعباسيين، وبقيت آثار تلك الفترات في حياة المسلمين حيث تحولت إلى صراعات مذهبية، وأصبح أهل البيت وكأنهم زعماء طائفة معينة أو أئمة مذهب خاص.
وحصل عند بعض المنتسبين إلى مذهب أهل البيت حالات من الغلو، كان أئمة أهل البيت يحذرون منها ويحاربونها، فقد ورد عن الإمام علي


لكننا نلحظ الآن إقبالاً وتوجهاً نحو أهل البيت عليهم السلام ، هو من بشائر الامل وتمهيدات خروج المهدي. على ضوء العودة للنصوص الشرعية التي حفظها علماء السلف في المصادر المعتمدة، ولتقدم مستوى الوعي عند أبناء الأمة، بحيث يتجاوز الواعون منهم آثار الخلافات المذهبية، والحساسيات الطائفية، وينفتحون على حقائق دينهم من الكتاب والسنة، وساعد على ذلك ما حققه بعض أتباع أهل البيت من إنجازات رائعة لمصلحة الإسلام والمسلمين، وما قدموه من صور مشرقة في الدفاع عن الدين والأمة وطرح للأفكار البنّاءة والآراء الناضجة.
وأساساً فإن كل مسلم ينطوي قلبه على محبة أهل البيت عليهم السلام ولا يوجد مسلم يخلو قلبه من حبهم، لكن المقصود هو تفعيل ذلك الحب، وتحويله إلى منهج في التلقي والاتباع.
إن الحديث عن أهل البيت يجتذب قلب كل مسلم، لذلك يذكر الدكتور محمد عبده يماني في مقدمة الطبعة الثانية لكتابه (علّموا أولادكم محبة آل بيت النبي) أنه نفذت الطبعة الأولى من الكتاب قبل أن يمضي على صدورها شهر واحد، بفضل من الله وتوفيقه، واشتدّ الطلب على الكتاب[9] .
وتحاول بعض الصحف والمجلات هذه الأيام إثارة شيء من الحساسيات الطائفية عبر الحديث عن اعتناق بعض الأشخاص لمذهب أهل البيت عليهم السلام ، لكننا نرفض هذه الإثارات، فالإسلام بيت واحد للمسلمين جميعاً، والمذاهب إنما هي غرف في ذلك البيت الواحد، وانتقال الإنسان من غرفة إلى أخرى لبعض الترجيحات لا يخرجه من نطاق البيت. فالجميع مسلمون والحمد لله وأن ينتقل مسلم من مذهب إلى آخر سنياً كان أو شيعياً فذلك راجع إلى قناعته واختياره وشعوره بالمسؤولية أمام الله تعالى، ولا يصح أبداً أن يكون ذلك سبباً للإثارة والتحريض والتهريج.
وكل المسلمون يتطلعون إلى تحقق ما أنبأ به رسول الله
