الشيخ الصفار: الوحدة الإسلامية ضرورة
أجرت مجلة منتدى الحوار المغربية حواراً مع سماحة الشيخ حسن الصفار حول موضوع الوحدة الإسلامية..
س: ماذا تمثل الوحدة الإسلامية واستراتيجيا التقريب بين المذاهب الإسلامية في نظركم ؟
ج: الوحدة الإسلامية تمثل الضرورة والمنطلق لتجاوز الأمة لحال الاضطراب في علاقاتها الداخلية، ولتوجهها نحو التنمية والبناء بدل الانشغال بالخلافات الجانبية.
كما تمثل الوحدة الإسلامية أفضل تحصين لساحة الأمة من الاختراقات المعادية.
س: ما هي الإشكالات النظرية التي تواجه مفهوم التقريب بين المذاهب الإسلامية والوحدة الإسلامية ؟
ج: من أهم الإشكالات النظرية التي تواجه مفهوم الوحدة والتقريب بين أبناء المذاهب الإسلامية مسألة قبول التعددية واحترام الرأي الآخر، حيث تسيطر على الذهنية المذهبية فكرة احتكار الحق والحقيقة بكاملها، وتجريد الآخر من أي نسبة منها، والنظر إليه على أنه باطل وضلال. وبالتالي فإن التعامل معه يكون باستهداف تغييره وهدايته، وإلا فمقاطعته وعداؤه.
وتنطلق هذه النظرة من ضيق أفق معرفي، وسوء إدراك لمفاهيم الإسلام، ومن حالة نفسية تعصبية.
س: بداية، ورغم خطورة الأحداث التي يواجهها العالم الإسلامي، هل أنتم متفائلون بالخطاب التقريبي والوحدوي؟
ج: نعم اشعر بالتفاؤل لمستقبل الوحدة والتقريب بين أتباع المذاهب الإسلامية، لاتساع رقعة الوعي بين أبناء الأمة، ونمو القدرة عند الفرد المسلم لتشخيص مصلحته الوطنية والاجتماعية، متجاوزاً حالة الإتباع الأعمى للقيادات المذهبية التعصبية.
إن أجواء الانفتاح الثقافي والإعلامي وتكنولوجيا التواصل المعلوماتي أتاحت المجال لتنوع مصادر المعرفة بالآخر المذهبي، ولم يعد إمام المسجد وخطيب المأتم مصدراً وحيداً للثقافة الدينية.
وأصبح الناس أقرب إلى القبول بحرية الاختيار الديني، واحترام الرأي الآخر، بفضل انتشار مبادئ حقوق الإنسان، ومفهوم المواطنة.
س: كيف تنظرون إلى المكتسبات التي حققتها فعاليات التقريب والوحدة الإسلامية حتى الآن؟
ج: إن من أهم مكتسبات فعاليات التقريب والوحدة الإسلامية في هذا العصر ما يلي:
أولاً: التأصيل الشرعي للقضية بعد حقبة من رسوخ العصبية المذهبية السلبية التي تنفي أتباع المذهب الآخر من حظيرة الدين، وتسلبهم حقوق الأخوة الإسلامية، وتفتي بالتقرب إلى الله بمعاداتهم والإساءة إليهم.
لقد أنتجت فعاليات التقريب والوحدة الإسلامية ثقافة إيجابية بناءة، تؤكد على مركزية الوحدة في قيم الإسلام ومبادئه، وتدعو للالتفاف حول أصول الإسلام وأركانه الأساسية، والتي هي موضع وفاق بين كل مذاهب المسلمين، وتشيع ثقافة التسامح ومبدأ الحوار.
مع التأصيل لهذه الثقافة وتقعيدها على أساس الفهم الواعي لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم.
ثانياً: بروز جيل من دعاة الوحدة والتقريب في أوساط علماء الدين، ورجالات الحركة الإسلامية، ومفكري الأمة ومثقفيها، من مختلف المناطق الإسلامية.من مصر وإيران والعراق ولبنان وسوريا وباكستان والمغرب وغيرها.
ثالثاً: فتح أبواب التواصل والحوار بين المراكز العلمية والقيادات الدينية لمختلف المذاهب، بين الجامع الأزهر في مصر والحوزة العلمية في النجف الأشرف، والحوزة العلمية في قم المقدسة، والمؤسسات الدينية والثقافية في سوريا ولبنان والأردن واليمن وسلطنة عمان وأمثالها.
رابعاً: إنشاء مؤسسات تعنى بموضوع الوحدة والتقريب كدار التقريب بين المذاهب الإسلامية في القاهرة، والمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية في إيران، وجامعة التقريب بين المذاهب الإسلامية في طهران، وهيئة علماء المسلمين في لبنان، ومجلس التنسيق بين الحركات الإسلامية في باكستان.
س: هل تتوقعون لعملية التقريب والوحدة مستقبلاً حقيقياً أم أن المسألة تتعلق بخطاب قدر له أن يستمر مثالياً- حالما مع عسر التحقق؟
ج: اعتقد أن مهمة خطاب الوحدة والتقريب بين المذاهب هي تجاوز حالة القطيعة والصراعات المذهبية، حتى ينفتح المسلمون على بعضهم بعضا، ولا يكون اختلاف المذهب عائقاً عن التواصل والتعاون، وحين تكون العلاقة بين أتباع المذاهب طبيعية فإن تقارب الآراء السياسية والبرامج الاجتماعية والتوافق في المصالح سيكون هو المؤثر في تشكيل التحالفات والتجمعات بغض النظر عن الانتماء المذهبي، ففي أتباع المذهب الواحد هناك تنوع في الاتجاهات السياسية، واختلاف في المدارس الفكرية، وتضارب بين مصالح الفئات.
وبالتالي فإن خطاب التقريب بين المذاهب خطاب مرحلي اقتضته الحالة المرضية في العلاقة بين أتباع المذاهب. ولتوضيح هذه الفكرة أضرب مثلاً بالعلاقة السيئة التي كانت في حقبة ماضية بين أتباع المذاهب الأربعة لأهل السنة كالأحناف والحنابلة والأحناف والشافعية، يوم كان القاضي الحنفي بدمشق محمد بن موسى (توفي 506هـ) يقول كما ينقل عنه: (لو كان لي من الأمر شيء لأخذت على الشافعية الجزية).
كما ينقل عن أبي حامد الطوسي (توفي 567هـ) قوله: (لو كان لي أمر لوضعت على الحنابلة الجزية). وكان الشيخ ابن حاتم الحنبلي يقول – كما ينقل عنه: (من لم يكن حنبلياً فليس بمسلم) فيرد عليه أبو بكر المقري الواعظ في جوامع بغداد بتكفير الحنابلة أجمع!!
في ذلك الوقت كان مطلوباً السعي للتقريب بين أتباع المذاهب الأربعة لأهل السنة، لكن مثل هذا الجهد لا داعي له الآن، لأن العلاقة بين أهل السنة بمذاهبهم الأربعة لا تعاني من تشنج وصراع.
ونطمح مستقبلاً في وصول العلاقة بين السنة والشيعة إلى هذا المستوى من الوضع الطبيعي، وحينئذٍ لن نكون في حاجة لجهود التقريب بين المذاهب الإسلامية، لأنها لا تعيش حالة تباعد.
س: بما أن التجزئة والصراع الطائفي في العالم العربي والإسلامي أصبح ممراً لتحقيق استراتيجيات التجزئة السياسية وفرض واقع التقسيم، ألا يعني هذا أن رسالة التقريب والوحدة هي الرادع الحقيقي لإحباط هذا المخطط؟
ج: لا أرى نجاحاً في المستقبل المنظور لاستراتيجيات التجزئة والتقسيم على أساس طائفي في العالم العربي والإسلامي، وما يجري الآن في بعض المناطق كالعراق إنما هو نتاج لتراكمات نظام الاستبداد، وقد حصل في الجزائر وأفغانستان مثل ذلك بغير عنوان مذهبي.
إن التحدي الأكبر الذي تواجهه المنطقة العربية والإسلامية هو التوفر على النظام السياسي الديموقراطي القائم على أساس المواطنة وتوسيع المشاركة الشعبية والتداول السلمي للسلطة.
ومع افتقاد هذا النظام لا يتحقق الاستقرار السياسي ويكون الباب مفتوحاً على مختلف الصراعات العرقية والقومية والمذهبية.
وقيام الحكم الصالح يساعد على معالجة مختلف المشاكل والصراعات، ويعطي الفرصة المناسبة لمؤسسات المجتمع الأهلي ومشاريع الوحدة والتقريب.
س: هل ثمة علاقة بين فكر التعايش والمواطنة وفكر التقارب والوحدة، وهي موضوعات طالما اشتغلتم عليها لسنوات عديدة؟
ج: بالتأكيد فإن فكرة التعايش هي مدخل لفكرة التقارب والوحدة، وهي التي تهيئ الأرضية للقبول بها، كما أن مفهوم المواطنة يقدم الإطار الواقعي للعلاقة الإيجابية بين الأطراف، ويشعرهم بدرجة من التساوي والنديّة بعيداً عن التمايز والتفاضل الديني والمذهبي الذي يدعيه كل طرف لنفسه.
س: ما هي المراحل الأكثر صعوبة التي تجاوزتموها في الحوار الوطني، وما هي المكتسبات التي بدأت تظهر من خلال هذا الحوار؟
ج: في المملكة العربية السعودية كنا نعاني من القطيعة بين الأطراف المذهبية المختلفة، حيث كان الاتجاه السائد يرفض مجرد اللقاء والحوار مع المذهب الآخر، ويعتبر دعوة التقارب بين المذاهب مؤامرة خطيرة وحركة مشبوهة، وقد طبعت كتب ونشرت بحوث للتحذير من دعوة التقارب.
والآخرون كالشيعة والصوفية في رأيهم أهل شرك وأصحاب بدع وضلالات، تجب مقاطعتهم ومناوأتهم تطبيقاً لمفهوم البراء.
فجاءت مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز للحوار الوطني لتكسر هذا الحاجز، وتساعد على تخطي هذه الصعوبة، وأتاحت الفرصة لالتقاء نخبة بارزة من مختلف الاتجاهات السلفية والصوفية والشيعية والليبراليين، وأن يتحاوروا فيما بينهم لتلمّس مواقع الاتفاق، وتحديد موارد الاختلاف، ولتبادل الرأي في قضايا الوطن وخدمة المصالح المشتركة للمواطنين.
وقد ظهرت للحوار الوطني آثار طيبة تمثلت في انخفاض درجة التشنج والتوتر بين الأطراف المختلفة، وقد صدرت تصريحات إيجابية تجاه الشيعة مثلاً من قبل بعض القيادات السلفية كالشيخ عبد الله بن منيع والشيخ عبد المحسن العبيكان والدكتور عوض القرني.
كما تعززت حالة التواصل بين هذه الأطياف على شكل ندوات مشتركة وزيارات متبادلة بين بعض الرموز الدينية.
واتسع المجال على الصعيد الإعلامي والثقافي لحضور ما للأطراف التي كانت مغيّبة، فهناك كتابات تظهر في الصحافة السعودية لعلماء من الشيعة ولتغطية بعض أنشطتهم وفعالياتهم كما سمحت وزارة الثقافة والإعلام بطبع ودخول بعض الكتب لمؤلفين شيعة مما كان متعذراً سابقاً.
ونأمل المزيد من الخطوات التقاربية التي تصون الوحدة الوطنية وتفوّت الفرصة على الأعداء الطامعين.
س: هل ثمة شروط غير متحققة اليوم لنجاح الخطاب الوحدوي والتقريبي، وهل ثمة ما ترونه مناسباً لتطوير هذا الخطاب في المستقبل؟
ج: يبدو لي أن هناك شرطين لم يتحققا بالدرجة الكافية لنجاح الخطاب الوحدوي التقريبي: الأول: الإصلاح السياسي الذي يجعل نظام الحكم ملتزماً بالعدل والمساواة بين المواطنين على اختلاف مذاهبهم.
الثاني: اهتمام المرجعيات الدينية الأساسية للشيعة والسنة بقضية الوحدة والتقريب، بحيث تعطيها الأولوية، وتصدر الفتاوى الواضحة لجمهورها لمعالجة ما يعترض الوحدة من عوائق تأخذ عنواناً عقدياً أو فقهياً.
ولتطوير الخطاب الوحدوي التقريبي لا بد أن يتبنى تشجيع حرية النقد وحركة الاجتهاد داخل المذهب، لغربلة التراث الذي هو نتاج بيئته الثقافية والاجتماعية بما كان من صراعات مذهبية، وتأثيرات سياسية، وبما يعبّر عنه من آراء منتجيه.
من ناحية أخرى فإن التحديات التي تواجه الإسلام والأمة في هذا العصر الذي يتجه لصدام الحضارات، وتتسع فيه الهوّة بين الدول النامية والدول المتقدمة، هذه التحديات على صعيد خطوط المواجهة الثقافية، وخطط التنمية البشرية، والإصلاح السياسي، يجب أن تستأثر باهتمام الخطاب الوحدوي ليشكل موقفاً رائداً يلتقي عنده الغيارى والواعون والمصلحون من أبناء الأمة.
فمشكلة الأمة اليوم ليس الخلافة الإسلامية التاريخية وتحديد الموقف تجاهها بمقدار ما هي مشكلة شروط قيام الحكم الصالح والخلاص من أنظمة الاستبداد.
وأزمتنا المعاصرة ليست مشروعية التقية وحدود استخدامها وإنما هي أزمة الحرية السياسية وحق التعبير عن الرأي في أوطاننا.
وقضيتنا اليوم ليست الخلاف حول زواج المتعة هل نسخ أو لم ينسخ، بل هي حماية أمننا الأخلاقي الاجتماعي الذي يترنح للسقوط والانهيار تحت قصف أنماط السلوك والثقافات الوافدة.
مواجهة هذه التحديات الصعبة يجب أن تكون محور الوحدة والتقارب ورسالة الخطاب الوحدوي التقريبي.
(نقلاً عن شبكة أقلام الثقافية)