الصَّفَّار في تكريمه بإثنينية خوجه: من خلال الحوار الوطني قطعنا شوطاً في ترسيخ مبدأ الحوار
شدَّد الشيخ حسن بن موسى الصَّفَّار على مكانة الوطن والتواصل والتلاقي بين جميع الأطياف من أجله والسعي لخدمته حيث هو أمانة في أعناق الجميع، وطن المقدسات ومهبط الوحي ومثوى خاتم المرسلين.
الشيخ الصَّفَّار جعل الحوار منطلقاً لكلمته لكونه السبيل في التقريب بين المذاهب والاتجاهات المختلفة حيث (أعتقد أننا تجاوزنا مرحلة مهمة وقطعنا شوطاً في ترسيخ مبدأ الحوار) مضيفاً أننا في الماضي كنا نتناقش على ضرورة الحوار، وكان هناك من يتحفظ تجاه الحوار ولكن مبادرة خادم الحرمين الشريفين حسمت هذا الجدل وأصبح الحوار حقيقة واضحة في المجتمع السعودي.
وأكد الصَّفَّار على اقتناع الغالبية بأهمية الحوار وضرورته والكثير استجاب للحوار حتى على مستوى المؤسسة الدينية. وكل الأطراف أعلنت قبولها للحوار.
وتساءل الشيخ الصَّفَّار عن آليات الحوار وبخاصة على الصعيد المذهبي، مؤكدا على أهمية تحديد وجهات الحوار وخاصة على الصعيد المذهبي واصفاً البعض بأنهم يريدون الحوار أن يتحول إلى ما يشبه المحاكمة.
وعن الخلافات المذهبية أوضح أن هنالك اتفاقا على الأصول ومرجعية الكتاب والسنة، والفرائض الإسلامية الأساسية ولكنَّ هناك اختلافاً في التفاصيل بين المذاهب وحتى داخل كل مذهب ولو قرأنا كتب السجال المذهبي لوجدنا فيها الكثير من الكلام الذي لا ينتهي ولا ينقضي، وتساءل: هل تسمح لنا التحديات بأن ننشغل بهذه التفاصيل؟ ولو انزلقنا إلى هذا المنزلق لأصبحنا في تاريخنا المعاصر تكراراً لما عاشه أسلافنا. ودعا الشيخ الصَّفَّار إلى تجاوز الانزلاق إلى هذا المنزلق ليس خوفاً من انكشاف الحقيقة ولكن لأن البحث فيها يطول والانزلاق فيها يشغلنا عن الحاضر.
وأكد الصَّفَّار على أن الحوار في المسألة الدينية تحيط به جوانب مختلفة ولا يعتمد على الجانب العقلي وحده. وأضاف أن البعض يتصور أن المنطق والعقل كفيل بأن يحل الاختلافات المذهبية والصحيح أن العقل يُعد جانبا من المسألة الدينية وفي المسألة الدينية يكون التعامل مع بيئة اجتماعية كاملة وليس مع فرد بعينه.
وأضاف أننا نجد في القرآن الكريم أن الله أمر نبيه صلى الله عليه وسلم بأن يدعو المشككين في رسالته إلى التأمل الانفرادي قال تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى﴾ «46» سورة سبأ.
وأكد الصَّفَّار أن الحوار بين أتباع المذاهب غالباً لا يوصل إلى نتيجة حاسمة، وتحدث عن الخلافات المذهبية والتي لا يمكن حسمها مؤكد أن الجدل لا يكون إلا بالتي هي أحسن.
مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز للحوار الوطني كانت محل إشادة الشيخ الصَّفَّار موضحاً أن ذلك أفضى إلى رغبة العلماء في الحوار. وركز على تحديد أهداف الحوار وآلياته.
ولخص الشيخ الصَّفَّار بوصلة الحوار الوطني والتي يجب أن تتجه إلى:
- التعارف والفهم المتبادل حيث كانت النظرة غير واقعية في السابق والآن أعطانا الحوار الفرصة لأن يعرض كل مذهبه ورأيه بوضوح.
- التعايش ومنع الإساءات وذلك بعدم الإساءة إلى الرموز أو الانتقاص لشيء من حقوقه.
- خدمة المصالح المشتركة فنحن نعيش في وطن واحد ونحن أبناء أمة واحدة.
وخلص إلى أنه لابد من التحاور بهدف تحقيق الثلاثة لا أن يهدف أحدنا إلى تغيير الآخر، كما أن المسألة الدينية المذهبية ليست منحصرة في شخص المتحاورين.
* من جانبه أكد معالي د. محمد عبده يماني، المفكر الإسلامي المعروف، أن الأمة الإسلامية إنما نجحت كأمة واحدة لا تختلف على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم مشيداً بالحوار (الذي جمعنا بالشيخ حسن الصَّفَّار ومن معه حيث شعرنا أن نقاط الاتفاق أكثر من نقاط الاختلاف مركزاً على أهمية الحوار واحترام الرأي الآخر).
* الكاتب عبدالله الجفري جاءت كلماته انسجاماً مع رحابة صدر الشيخ حسن الصَّفَّار وافتتح بكتاب الشيخ الصادر 2004م والذي افتتحه بالآية الكريمة: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ سورة الحجرات(13) ثم استهل مقدمة بهذا النسيج مشيداً بتأكيده على الرأي الآخر واحترامه له واصفاً ليلة الاحتفاء بأنها إصغاء للآخر إثباتاً للمجتمع السعودي الذي يقبل الحوار، مشيداً بسيرة الشيخ الصَّفَّار الذي تحفل سيرته بزخم من الإصدارات والأنشطة الاجتماعية.
وأكد الجفري على أننا (مع الحوار منذ أن أطلقه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز) مؤكداً على ضرورة تمازج الرأي الأحادي مع الرأي الآخر موضحاً المعاناة التي عانينا منها من المغالاة والغلو.
وأضاف أنه يأتي تكريم الصَّفَّار كأحد رموز الشيعة في المملكة إصراراً على وحدة هذه الأمة فقد أكد الصَّفَّار على تمسكه بالحوار من خلال انطلاق الحوار الوطني. وختم الجفري مشاركته بالآية الكريمة ﴿وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ﴾ «118» سورة هود.
من جانبه أشاد د. أنور بن ماجد عشقي بالمنهج المتكامل للحوار الذي سلكه الصَّفَّار متفقاً معه في كثير من الأمور متحفظاً على بعض النقاط مركزاً على أهمية التعايش معاً وخدمة وطن واحد ودين واحد متفق على الأهداف الأساسية (وعلينا أن لا نختلف على الأسس).
* دار بعد ذلك حوار بين الشيخ حسن الصَّفَّار والحضور كان التركيز فيه على الحوار والخلافات المذهبية.
- ففي تعليق له على سؤال حول الفهم الخاطئ للكثير من الفكر الشيعي ولماذا لا يكثفون جهودهم لإخراج رؤيتهم أوضح أن هناك تقصيرا من أصحاب المذهب الشيعي في التعريف بمذهبهم، رافضاً ما يشاع من أن الشيعة يكفرون الصحابة والإساءة إليهم.
- وعن نقاط الالتقاء والاختلاف بين السنة والشيعة أوضح أن نقاط الاتفاق كثيرة ونقاط الاختلاف محدودة ويجب البدء من نقاط الاتفاق أما الاختلافات فهي موجودة حتى داخل المذاهب والأصول متفق عليها فالاختلافات هي في الفروع.
- وفي تعليق له على المؤمل من الحوار بين السنة والشيعة أوضح أن ذلك يعتمد على المنهجية (وكان هناك اتفاق على أمور عدة، أما إذا صار الحوار على طريقة وعرة فلن يصل إلى نتيجة)، وأوضح أن الآثار طيبة للحوارات التي نمت مبدياً تفاؤله بالحوار حيث أنهى الحوار مرحلة من القطيعة وفتح المجال وأفسح المجال في التعرف على فكر الآخر ورموز الآخر.
- وفي إجابة له عن سؤال حوال عدم بروز المرأة في المذهب الشيعي أوضح أن هناك عددا من الفقيهات والروايات في تاريخ الشيعة في الماضي والحاضر وليست هناك مشكلة في دور المرأة في المذهب الشيعي فالعلماء لديهم انفتاح بهذا الصدد.
- وعن وحدة المسلمين في أوطانهم أوضح أهمية المساواة (ولابد من سد هذه الثغرة وقد أكد خادم الحرمين الشريفين على نقطة العدل والمساواة بين المواطنين).
* من جانبه ألقى الشيخ عبدالمقصود خوجة مؤسس الاثنينية كلمة قال فيها: (تتشرف (الاثنينية) هذه الليلة بلقاء فضيلة العلامة الشيخ حسن بن موسى الصَّفَّار ، الذي أسعدنا بحضوره من القطيف خصيصاً ليفيض علينا من سابغ علمه وواسع ثقافته، فأهلاً وسهلاً ومرحباً به وبصحبه الأفاضل الذين قدموا من المنطقة الشرقية، والمدينة المنورة، إسهاماً مشكوراً في إثراء هذه الأمسية التي تعبق بأريج العلم وجميل التواصل بين أبناء الوطن الواحد، ترسيخاً لمبدأ التلاحم وتمتين وشائج هويتنا المشتركة.
إن علامتنا الجليل وضيفنا الكريم نجم ساطع في دنيا الفكر والثقافة والأدب على المستويين المحلي والإقليمي، فمجلسه الأسبوعي الذي يرعاه بفضله مساء كل يوم سبت في منزله بالقطيف، يعتبر منارة إشعاع يسعى لها كثير من المريدين والمحبين.. فهو مجلس مفتوح يستقطب مختلف ألوان الطيف الثقافي والفكري، وليس حكراً على جهة أو توجه مخصوص، وليس ذلك بغريب عن علامتنا الكبير الذي شرفت بمعرفته عن كثب خلال مؤتمر الحوار الوطني الثاني الذي جمعنا في رحاب مكة المكرمة خلال الفترة من 4-8 ذو القعدة 1424هـ الموافق 27-31 ديسمبر 2003م.. وما تلاه من تشرفنا بالوقوف بين يدي خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، ولي العهد آنذاك.. وكانت لنا أيام مشرقات.. سعدت فيها بلقاء فضيلته إن كان في المؤتمر أو على ضفافه، وتعرفت على صفات ضيفنا الكريم التي هبت نسائمها، دماثة خلق، وعمق معرفة، وجميل عبارة وتهذيب لسان، وسلامة طوية، ولا أزكيه على الله.
لقد كرس فضيلته جانباً كبيراً من حياته لطلب العلم من مختلف المصادر، وعندما قوي جناحه واشتد ساعده، أبى إلا أن يحلق في علياء الفكر المستنير، غير أنه ليس من ذوي الأبراج العاجية، أو المترفعين عن بذل العلم لكل سائل وطالب، بل نجده مثالاً للعالم المتواضع دوماً، الهاش الباش لمن حوله، يجري القول على لسانه طلقاً في غير ابتذال، قوياً دون تقعر.. وتلك طبيعة الأشياء، فزكاة العلم نثره بين طلابه، كلما نهلوا منه زاد معينه، حتى صار نهراً ذاخراً بالخيرات بين يدي ضيفنا الكبير.
وليس صدفة أن يجري ذلك النهر أهزوجة بين الشفاه، ولا يتناثر في بيداء التشرذم والضياع، إذ عقد شيخنا الجليل العزم على تقييد العلم بالتدوين والرصد والتسجيل بالإضافة إلى موقع حديث على شبكة الإنترنت، أثمر كل ذلك أكثر من سبعين مؤلفاً شكلت منظومة مقالات ودراسات وإبداعات تناولت مختلف فروع الفقه والاجتماعيات.. وأعتقد أن كتابه الجامع المانع الموسوم (أحاديث في الدين والثقافة والاجتماع -بأجزائه الأربعة) أحد الشواهد على غنى بستان ضيفنا الكريم، وتشبعه بالمعرفة الإنسانية الشاملة، حتى لتحسبه خزانة كتب في سفر واحد.