أهداف الزيارة ومضامين نصوصها
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطاهرين
السلام عليك يا سيد الشهداء يا أبا عبدالله الحسين وعلى أنصارك المستشهدين بين يديك ورحمة الله وبركاته.
السلام عليك يا قمر بني هاشم يا أبا الفضل العباس بن أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته.
السلام على زائري أبي عبدالله الذي شرفهم الله بالسير إلى حرمه وقصد مشهده المبارك.
السلام عليكم أيها السادة العلماء والمشايخ الفضلاء والباحثون الكرام في هذا المؤتمر العالمي حول الإمام الحسين ورحمة الله وبركاته
إن نصوص الزيارات الواردة في تراث أهل البيت تعتبر من الابتكارات التربوية المميزة في التاريخ الديني الإنساني.
فإن الزائر يتلو نص الزيارة كتعبير عما يعتقده ويؤمن به، وإفصاح عن مشاعره وأحاسيسه وكإقرار وتعهد من قبله تجاه الله وتجاه من يزوره من العترة الطاهرة.
إنه حين يتوجه بالزيارة إلى من يزوره منهم عليهم السلام فهو لا يزور شخصاً كان موجوداً في التاريخ، بل يزور من يعتقد أنه حاضر في قلبه ووجدانه، وأنه حيّ في محضر الله تعالى.
لذلك يقول عند البدء في زيارته مستئذنًا: (اَللّـهُمَّ اِنّي اَعْتَقِدُ حُرْمَةَ صاحِبِ هذَا الْمَشْهَدِ الشَّريفِ في غَيْبَتِهِ كَما اَعْتَقِدُها في حَضْرَتِهِ، وَاَعْلَمُ اَنَّ رَسُولَكَ وَخُلَفاءَكَ عَلَيْهِمُ السَّلامُ اَحْياءٌ عِنْدَكَ يُرْزَقُونَ، يَرَوْنَ مَقامي، وَيَسْمَعُوَن كَلامي، وَيَرُدُّونَ سَلامي).
والزائر هنا لا يوهم نفسه ولا يغالطها فهو يدرك أن هناك فرقًا بين عالمي الغيب والشهادة، وبين الحياة المادية والحياة البرزخية لذلك يضيف الزائر كما في نص الزيارة: (وَاَنِّكَ حَجَبْتَ عَنْ سَمْعي كَلامَهُمْ، وَفَتَحْتَ بابَ فَهْمي بِلَذيذِ مُناجاتِهِمْ).
إن نصوص الزيارات الواردة تعنى بتثبيت العقيدة الدينية في نفس الإنسان الزائر عن طريق التلقين النفسي والايحاء الذاتي حسب تعبيرات علم النفس لتأكيد المعتقد في قلب الإنسان ووجدانه.
ففي الزيارات إقرار بوحدانية الله تعالى وذكر لعظيم صفاته ولأسمائه الحسنى، وتأكيد على العبودية لله والتضرع إليه في إجابة الدعاء وتلبية المطالب والحاجات.
وخلافاً لما قد يتصوره بعض البسطاء من أن الزائر يطلب حاجاته من الإمام فإن نصوص الزيارات جلية واضحة أن الدعاء لله والطلب من الله فهو بيده الأمور، لكن الامام وسيلة وشفيع إلى الله.
لذلك تبدأ كثير من الزيارات بذكر الله كما في النص التالي: (اَللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيراً وَاَلْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيراً وَسُبْحَانَ اَللَّهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً اَلْحَمْدُ لِلّٰهِ اَلَّذِي هَدٰانٰا لِهٰذٰا وَمٰا كُنّٰا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لاٰ أَنْ هَدٰانَا اَللّٰه). ثم يبدأ بالسلام والزيارة.
كما تنتهي أكثر الزيارات بالتوجه إلى الله بالدعاء كما في النص التالي: (يَا اَللَّهُ يَا اَللَّهُ، يَا مُجِيبَ دَعْوَةِ اَلْمُضْطَرِّينَ، وَيَا كَاشِفَ كَرْبِ اَلْمَكْرُوبِينَ، وَيَا غِيَاثَ اَلْمُسْتَغِيثِينَ، وَيَا صَرِيخَ اَلْمُسْتَصْرِخِينَ، وَيَا مَنْ هُوَ أَقْرَبُ إِلَيَّ مِنْ حَبْلِ اَلْوَرِيدِ. يَا مَنْ يَحُولُ بَيْنَ اَلْمَرْءِ وَقَلْبِهِ).
وهكذا فإن الزيارات الواردة تؤكد منظومة العقائد الدينية من التوحيد والنبوة والمعاد والإمامة مع ذكر بعض تفاصيل هذه المعتقدات.
كما تمثل نصوص الزيارات تعهداً والتزاماً من الزائر بمطابقة سلوكه وعمله لنهج وسيرة من يزوره. فهو يستحضر سيرة الامام الملتزم بطاعة الله والمطبق لجميع أركان الدين وأحكامه كما جاء في النص التالي: (أَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ حَلَّلْتَ حَلالَ الله، وَحَرَّمْتَ حَرامَ الله، وَأَقَمْتَ الصَّلاةَ، وَآتَيْتَ الزَّكاةَ، وَأَمَرْتَ بِالمَعْرُوفِ، وَنَهَيْتَ عَنِ المُنْكَرِ، وَدَعَوْتَ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالحِكْمَةِ وَالمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ).
ولتحفيز الزائر لانتهاج خط الإمام الذي يزوره في حياته العملية فغنه يقول: (اللّهُمَّ فَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَاجْعَلْ مَحْيايَ مَحْياهُمْ وَمَماتِي مَماتَهُمْ وَلاتُفَرِّقْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فِي الدُّنْيا وَالآخِرةِ).
وهنا قد يرد السؤال عن مدى انعكاس هذه الزيارات الدينية على حياة الزائرين، وتأثيرها في سلوكهم.
وهو سؤال وارد على مجمل أداء المسلمين للعبادات والشعائر الدنية كالصلاة والصيام والحج، فإن هذه العبادات تستهدف اصلاح سلوك القائمين بها، كما في قوله تعالى: ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ﴾، لكن مدى التأثير الفعلي لهذه العبادات يرتبط بمستوى وعي الإنسان وتبلور إرادته في الاستجابة والالتزام.
وهنا تأتي أهمية الجهود التي يجب أن تبذل في توعية الزائرين، وإلفات نظرهم إلى مضامين الزيارات التي يقرؤونها، وتذكيرهم بمستهدفات أدائهم للزيارة.
وأهمية توفير أجواء الخشوع والطمأنينة للزائرين في الحضرات المقدسة ليساعدهم ذلك في التفاعل مع نصوص الزيارات التي يقرؤونها.
وفي هذا السياق لابد من تقدير الجهود التي تبذلها أمانة العتبة الحسينية المقدسة والعتبة العباسية المقدسة، وسائر أمانات العتبات المقدسة، وجهود الحوزة العلمية المباركة في برامج التبليغ وإرشاد الزائرين وتوعيتهم.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفق الزائرين لأداء زيارتهم في أمن وأمان، وأن يحفظهم من كل سوء، ويعيدهم إلى أهاليهم سالمين غانمين، وأن يجزل لهم الأجر والمثوبة، وأن يشركنا في صالح أعمالهم ودعواتهم.
والحمد لله رب العالمين