السلم الاجتماعي… الحوار والتقريب بين المذاهب
في صحيفة (الوطن) في عددها (رقم 227) يوم الاثنين (2/صفر/1422هـ) الموافق (14/5/2000م)، ونقلاً من احديه الدكتور راشد المبارك نقلت الصحيفة حديث الشيخ العلامة حسن الصفار وكان هذا الحديث بعنوان (السلم الاجتماعي) والشيخ الصفار على قدر عال من الثقافة والحس الوطني يقول الشيخ الصفار: «أن من مقومات السلم الاجتماعي العدل والمساواة فالمجتمع الذي يساوي الناس فيه أمام القانون، ولا تمييز فيه لفئة على أخرى، هذا المجتمع تقل فيه دوافع العدوان، وأسباب الخصومة والنزاع، أما إذا ضعف سلطان العدل وحدثت ممارسات الظلم والجور والتمييز، وأتيحت الفرصة لاستقواء طرف آخر بغير حق فهنا لا يمكن التوفر على سلم اجتماعي، وحتى لو بدت أمور المجتمع هادئة مستقرة، فانه استمرار كاذب وهدوء زائف، لا يلبث أن ينكشف عن فتن وإضرابات مدمرة منها جاء تأكيد الإسلام على ضرورة العدل وأهميته في حالة البشر، واعتبره هدفاً أساساً لبعثة الأنبياء وإنزال الشرائع» انتهى كلام الشيخ حسن الصفار.
وأنا أضم صوتي إلى صوت فضيلته وأورد أمثلة حية لانعدام السلم الاجتماعي أو ظلم فئة لأخرى فخلال العشر سنوات الماضية حدثت حربان إقليميتان واحدة في البوسنة والهرسك بسبب تسلط الصرب النصارى على البوسنة والهرسك المسلمين والأخرى بين الصرب النصارى وأهل كوسوفو الألبان المسلمين وهناك حرب ما زالت. دائرة بين الشيشان المسلمين. والروس النصارى وسبب اتخاذ هذه الأمثلة الثلاثة يعود إلى السلم الاجتماعي في عهود الشيوعية في هذه البلدان حيث أن الشيوعية لا تؤمن بالأديان فبذلك فهي لا تفرق بين الطوائف وحدثت هذه الحروب بعد انحسار الشيوعية من هذه البلدان ورجعت موجة الكراهية والاضطهاد من فئة ضد الأخرى ولنا في ما يجري في ايرلندا الشمالية بين الكاثوليك والبروتستانت من تفجيرات وقتل وكذلك ما يجري في جنوب الفليبين ما بين الأقلية المسلمة والأكثرية النصرانية وكذلك ما يجري من قتل واغتصاب وهتك للأعراض والأموال والأنفس ما بين قبيلتي التوتستو والهوتو في أفريقيا.
وعلينا في بلادنا الحبيبة بصفة خاصة وجميع بلاد المسلمين بصفة عامة التقريب ما بين المذاهب واللجوء إلى الحجة والبينة وإظهار ما هو حق وطمس ما هو باطل وعلينا الاقتداء بقوله سبحانه وتعالى وهو يخاطب نبيه ورسوله محمداً : ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ.. الآية﴾.. فأرى أنه حان الأوان لنناقش الفروقات العقائدية ما بين السنة والشيعة على أن يتولى دفة النقاش علماء إجلاء من الطرفين مع وضع الضوابط والقوانين لهذه المناقشة بحيث لا تنقلب إلى مشاجرة وتخاصم فإن لم نستطيع أن نلتقي فعلى أقل تقدير لا نبتعد أكثر وأكثر، ولنا في قصص المنافقين في القرآن والسنة النبوية وكذلك المؤلفة قلوبهم أكبر دليل على حث الإسلام على الاجتماع ونبذ الفرقة فالقرآن أعطى المؤلفة قلوبهم من مال المسلمين لتأليف قلوبهم على الاسم ولم يشأ النبي أن يفضح المنافقين ويعلن أسماءهم وهو الذي يعرفهم واحداً واحداً عندما أسر لأحد أصحابه بأسماء المنافقين في المدينة فلما سأل عمر بن الخطاب هذا الصحابي إن كان (عمر) ممن ذكرهم من المنافقين وبعد تردد من الصحابي حذيفة بن اليمان الجليل لعدم رغبته في إفشاء سر النبي .. قال لعمر: أنت لست فيهم ولا تسألن أكثر من ذلك، والمنافقون هم الذين قال عنهم الله سبحانه وتعالى: ﴿هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ، يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ﴾.
وانتهت أزمة المنافقين في المدينة وقوى الإسلام وانتشر في ربوع الأرض بسبب حكمة الله سبحانه وتعالى ثم حكمة رسوله ونبيه محمد فلتحقيق السلم الاجتماعي الذي يطالب به الشيخ حسن الصفار علينا أن نبدأ الآن بتحقيق العدالة الاجتماعية ولا يمنع من تحقيق العدالة أن نبدأ بالحوار البناء الذي يؤلف ولا يشتت ويقوي ولا يضعف ويبني ولا يهدم علينا أن نؤمن بالمحاورة البناءة التي ستحقق لنا بمشيئة الله السلم الاجتماعي الذي نتوخاه.