ثلاثون عامًا من الضياع إلى الهداية
كان في العشرين من عمره، كالزهرة المتفتحة، التي يفوح شذاها لمن حولها وتحديدا عائلته، فهو ابنهم البكر، وهو رجل البيت - حسب التعبير المتعارف عليه - وخاصة والدته ووالده، عمل بروح الشباب وتحرك بعزيمة الرجال الكبار في السن، فكان الساعد الأيمن لوالده، في عمله وتجارته، وكعادة المجتمعات في ذلك الزمان تحديدا، بوضع العبء الأكبر على الابن الأول، كان يعمل مع والده بجد وإخلاص، منذ الصباح الباكر ليعيل أسرته متوسطة الحال، كان عند حسن الظن، وكان العمود الفقري بعد والده لأسرته، عندها اشترى له والده سيارة لاستخدامات العمل، وللاستخدام الشخصي، كان يقودها هنا وهناك ويقل والده في تنقلاته داخل المحافظة وخارجها، كما كان يذهب مع والده بتلك السيارة لأداء الصلاة بالمسجد، إلا انه وكما يقال، دوام الحال من المحال، حيث ساقته الأقدار ذات يوم إلى صديق سوء، رافقه إلى إحدى الدول المجاورة، عندها كانت بداية الضياع، الضياع الذي استمر ثلاثين عاما، البداية كانت بتناول المسكر، وبعدها رحلة مأساوية طافت أكثر من بلد، ومرت بأكثر من منكر، وانتهت بتعاطي أسوئها وأخطرها ألا وهو الهيروين، حاول العديد من المرات أن يسلك طريق التوبة، إلا أن الشيطان كان أقوى منه، لعدم توافر العزيمة القوية لديه، ولغياب الأجواء المشجعة من حوله من أبناء المجتمع، أبناء المجتمع الذين نبذوه واحتقروه وطردوه وأهانوه في أصعب اللحظات وأقساها، في اللحظات التي كان بحاجة لمن يحتضنه، فلم يجد سوى رفاق السوء، أما غالبية الناس فكانوا ينظرون إليه شزرا، ويرمقونه بنظرات احتقار حتى وهو بالمسجد، محاولا سلوك طريق التوبة، وتغيير مسار حياته واتجاه بوصلته، لا يردون عليه السلام، ولا يرحبون به في مجالسهم، بل هناك من كسر الفنجان الذي شرب منه، خوفا منه ومما يخشون أن يحمله من أمراض، إلى أن جاءت لحظة الهداية، حين أراد الله له التوبة، إلى ان جاءت الصدمة القوية التي هزته من الداخل، والتي كانت وفاة اثنين من أقربائه بالهيروين في شهر واحد، عندها حانت لحظة اليقظة، وساعة التوبة ووقت تصحيح المسار.
تلك كانت قصة الشاب محمد، التي روى قسما منها في مجلس سماحة الشيخ حسن الصفار، الشيخ الصفار الذي كان هو الأساس في رحلة هذا الشباب من الضلال إلى الهداية، هو ومجموعة من زملائه، كما ينقل لنا الأستاذ حسين الجنبي، مشرف ومنسق برنامج التعافي في جمعية مضر بالقديح، تحدث محمد في مجلس الشيخ الصفار لينقل للجميع تجربته المأساوية، لكي يتعظ الآخرون ولا يقعوا فيما وقع فيه هو، بقلب يعتصره الألم ولكن بكلمات مشبعة بالأمل، نحو غد مشرق، وبروح إنسانية وعقل واع، وبجرأة نادرة وكلمات قوية تحدث عن تجربته، دون خجل، ليقول للأصحاء من المستمعين، إن المدمن إنسان مريض يجب أن يتم احتواؤه، ورسالته للمدمنين «المرضى» ان هذا الطريق هو طريق ضياع، إلا أن العودة منه ممكنة ولكنها تحتاج قبل كل شيء إلى تصميم وإرادة داخلية، وقانا الله وإياكم شر هذه الأمراض ووقى الله الوطن شر هذا السرطان المميت.