الزهراء (ع) بهجة قلب المصطفى (ص)
ونحن نحيي ذكرى وفاة سيدة نساء العالمين الصديقة فاطمة الزهراء ، لا بُدّ أن نتشرف بذكر شيء من سيرتها وفضائلها العطرة. الأحاديث التي ترويها مصادر الحديث من مختلف المذاهب عن رسول الله ﷺ في حق ابنته فاطمة الزهراء أحاديث كثيرة، وحينما يقف الإنسان أمامها متأملًا فإنه يستطيع أن يستنتج منها الكثير. ومن هذه الأحاديث نذكر ما يلي:
ورد عن رسول الله ﷺ: «إنما فاطمة بضعة مني يؤذيني ما آذاها، وينصبني ما أنصبها».[1]
وعنه ﷺ: «أحب أهلي إليَّ فاطمة».[2]
وعن علي أن رسول الله ﷺ قال: «إذا كان يوم القيامة نادى مناد من وراء الحجاب: يا أهل الجمع، غضوا أبصاركم عن فاطمة بنت محمد حتى تمر».[3]
وفي حديث نقله البخاري: «فاطمة بضعة مني فمن أغضبها أغضبني».[4]
وفي حديث آخر قال لفاطمة : «ألَا تَرْضَينَ أن تكوني سيِّدةَ نساءِ أهلِ الجنَّةِ».[5]
وفي حديث عنه ﷺ: «نزل ملك من السماء فاستأذن الله أن يسلّم عليَّ فبشرني أن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة».[6]
وعنه ﷺ: «إن الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك».[7]
وفي حديث عن عمر بن الخطاب أن رسول الله ﷺ قال لفاطمة: «فداك أبي وأمي».[8]
وفي حديث آخر قال: «فداها أبوها».[9]
وورد عن أم المؤمنين عائشة قالت: «ما رأيتُ أحدًا أَشْبَهَ سَمْتًا ودَلًّا وهَدْيًا برسولِ اللهِ في قيامِها وقعودِها من فاطمةَ بنتِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قالت: وكانت إذا دَخَلَتْ على النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قام إليها فقَبَّلَها وأَجْلَسَها في مَجْلِسِهِ».[10]
وزاد الحاكم في رواية أخرى، «وكانت إذا دخل عليها رسول الله ﷺ قامت إليه مستقبلة وقبلت يده»[11]
هذه الأحاديث الكثيرة يمكننا أن نستنتج منها أمورًا:
مكانة فاطمة:
الأول: اظهار مكانة فاطمة وعظمتها؛ لأن الرسول لا ينطق عن الهوى، كلامه ليس من باب العاطفة، لو لم تكن فاطمة مستحقة لهذا القول منه لما قاله، إذًا نحن نستطيع أن نفهم من هذه الأحاديث شيئًا من مقام فاطمة الزهراء بمقدار استيعابنا لا كل قدرها ومقامها، ويكفي أنها في المباهلة كانت ممثلة لجميع نساء الأمة بنص الآية الكريمة: ﴿وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ﴾ الرسول ﷺ كانت له تسع زوجات، ولديه عمات وصحابيات جليلات، لكنه خرج بابنته فاطمة لتمثل كل نساء الأمة.
الحق مع فاطمة:
الثاني: تزكية سيرة ومواقف الزهراء ، هذه الأحاديث تدل على أن مواقف الزهراء وكلامها صحيح وحق، فهي تزكية لكل مواقفها وسيرتها، وهذا يعني أننا حينما نقرأ في التاريخ أن أي خلاف بين فاطمة وبين أي أحد آخر لا بُدّ أن يكون الحق معها، لأن الله يرضى لرضاها ويغضب لغضبها، وأحب الناس لرسول الله ﷺ فهل يمكن أن يقع الخطأ في مواقفها؟ حينما نقرأ ما حصل بعد وفاة رسول الله ﷺ من مطالبة الزهراء بفدك علينا أن نعلم أن هذه الأحاديث تستدعي تزكية مواقف السيدة الزهراء وأن قولها يمثل الحق.
نموذج للتربية السليمة للفتيات:
الثالث: هذه الأحاديث تشير إلى منهج التربية السليم للبنات، الإسلام جاء في بيئة كان الناس ينظرون فيها للبنت نظرة دونية، فالولد هو المفضل، بينما البنت ينظر لها نظرة دونية، ويوثق القرآن الكريم هذا المشهد الجاهلي بقوله تعالى: ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ 58 يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ﴾.
وجاء رسول الله ﷺ ليقود البشرية إلى المنهج الصحيح، ويدشن عهدًا جديدًا للتعامل مع المرأة، كانوا يعيشون حياة المعارك والحروب، فيعطون الأولوية لكل ما يمثل قوة لهم، وهذا مصدر اهتمامهم بالولد، إضافة إلى المفاهيم والآراء السلبية التي كانت عندهم عن المرأة، حتى جاء الإسلام برسالة جديدة نسف بها النظرة الدونية للبنت، بل نرى روايات تميّز موقع المرأة حيث كان رسول الله ﷺ يبارك لمن تكون بكرها بنتًا، وهذا ما نستفيده من رواية الإمام موسى بن جعفر عن آبائه عن رسول الله ﷺ: «من يُمْنِ المرأة أن يكون بكرها جارية».[12]
ولأن البنت لديها مخزون كبير من العاطفة، تهيئة للدور الذي تقوم به باعتبارها الأم التي تنتج وتربي الأجيال، لذلك فإنها في مرحلة التربية والتنشئة بحاجة إلى الكثير من الرعاية، ولنا في رسول الله ﷺ في تعامله مع بضعته الزهراء أسوة حسنة، فأحاديثه التي تبيّن جانبًا من عظمة ومكانة الزهراء، تمثل أنموذجًا لتربية الفتيات ومراعاة مشاعرهن. يروي ابن عباس عن رسول الله ﷺ أنه قال: «من دخل السوق فاشترى تحفة فحملها إلى عياله كان كحامل صدقة إلى قوم محاويج وليبدأ بالإناث قبل الذكور»[13] ، لأن البنات يحتجن إلى رعاية عاطفية في تنشئتهن أكثر من الصبيان.
ونحن وإن كنا في هذا العصر المتقدم، إلا أن دول العالم الإسلامي كان يجب أن تكون سبّاقة في حسن التعامل مع المرأة، وفي إجلالها وتكريمها، لكن يبدو أن رواسب الجاهلية وتسربات تلك المفاهيم لا تزال تتوارث في مجتمعاتنا، ولذلك تعاني المرأة في مجتمعاتنا إلى الآن من النظرة الدونية، فلا يزال موضوع مشاركة المرأة في الشأن العام ومكانتها في المجتمع فيه الكثير من التهميش والإجحاف، وهذا مخالف لتعاليم الدين.
حينما نقرأ روايات تعامل النبي ﷺ مع ابنته الزهراء ، فعلينا أن نهتم ببناتنا وحسن التعامل معهن، وعلى المجتمع أن يوفّر أماكن يستطيع من خلالها الاستفادة من طاقات الفتيات وإبراز قدراتهن، حتى يشاركن في بناء المجتمع.
نسأل الله أن يثبتنا على محبة الزهراء وأن يكتب لنا شفاعتها.