وقاية النفس من الأمراض أكثر أهمية من وقاية الأبدان
ضغوط الحياة وتعقد العلاقات في هذا العصر مصدر رئيس لانتشار الأمراض النفسية. فما عادت الحياة سهلة كما كانت في الماضي، فالتعليم بات هاجسًا لأنه يرتبط بالمستقبل، والفشل فيه أو عدم تحقيق الرغبات قد يسبب أمراضًا مختلفة. كذلك البحث عن الوظيفة، وتوفير السكن المناسب. حتى الحياة الزوجية ما عادت كما كانت، في أغلب حالاتها، فالزوجة التي كانت خاضعة لهيمنة الرجل أصبحت الآن متعلمة وموظفة فتتعامل كند للزوج، وهو حق ولكنه يحتاج وعيًا من الطرفين.
يشير إلى هذا الشيخ حسن الصفار في محاضرته «الصحة النفسية وتحديات الحياة».
ويؤكد بأن الاهتمام بالعلاج الوقائي من الأمراض النفسية أهم بكثير من وقاية الأجسام من الأمراض. ذلك لأن سلامة النفس تساعد على التغلب على المرض، أما سلامة البدن فإنها لا تحقق سلامة النفس.
في الأحاديث تركيز كبير على طلب العافية من الله تعالى. وعادة ما تنصرف الأذهان إلى عافية الجسم، لكن عافية النفس أهم وهي مشمولة في توجيه الأحاديث. علي يقول: ”وأشد من مرض الأبدان مرض القلب“ مشيرًا إلى الأمراض النفسية.
إذا عاش الإنسان حالة من الرضا والتوافق مع الذات والمحيط وكانت عنده القدرة والقابلية على تجاوز العقبات والأزمات فإنه يكون سليمًا نفسيًا كما يشخصه علماء النفس.
إن ادعاء النبوة والاتصال بالمهدي المنتظر ودعوى رؤيا الأنبياء والأولياء وكأنه لقاء يومي قد تكون مؤشرات على أمراض نفسية في أغلب حالتها.
لا تزال مجتمعاتنا تتجاهل كثيرًا علاج الأمراض النفسية والوقاية منها. ولا يزال الكثير منا يخجل أو يمتنع عن مراجعة الطبيب النفسي معتبرًا ذلك لمرضى العقول! في الوقت الذي لا يجد حرجًا من الاعتماد على العلاج الروحي - وإن كنا لا نرفضه جملة - لكنه أصبح سوقًا رائجًا عند الدجالين والمحتالين باسم الدين.
لا شك أن العلاج الروحي عامل مهم لسلامة النفس وذلك بالإيمان بالله تعالى. وهل أنجع علاجًا من ذكر الله تعالى؟ «ألا بذكر الله تطمئن القلوب». ويشكل الدعاء انفتاح مع الله، والحديث مع الله يعطي أملًا ويقينًا وقوة، ويشعر الإنسان بأن هذه القدرة تمد له يد العون لتجاوز المحن والأزمات.
من الضروري أن يثقف الإنسان نفسه حول الأمراض النفسية؛ مسبباتها وطرق علاجها والوقاية منها. ولا بد من النظرة الواقعية للحياة، والتكيف مع الواقع إذا كان قد فرض نفسه. فالحياة لا تقف عند حد، ولا بد من الرضا بالقضاء والقدر.
أردت الزواج من فتاة وهي لم تقبل بك، أو تطلعت لتخصص ما ولم تُقبل فيه، أو خسرت في تجارة، أو توقعت صلة من قريب وقطعك وأنت لا تعرف عذره، والعقبات والأزمات متنوعة وكثيرة، قد يبتلي الإنسان بأي منها وهذه طبيعة الحياة، ولكن من يملك الثقة والاطمئنان لا يقع طعمًا لهذه الأمراض الفتاكة.
لا بد للإنسان أن يقي نفسه من الأمراض ولا يغفل عمن حوله سيما الأقرب له، تمامًا كما يهتم بالجانب الجسمي وأكثر.