خطاب ديني لحياة الرفاه ونظم أمور الناس
للخطب الدينية أثرها البالغ في نفوس المتدينين، وهي عامل قوي في تغيير المجتمعات ولهذا كان الاهتمام بموضوع الخطاب الديني من حيث الدعوة للتجديد، وتطويره ومعالجة اشكالياته. وهو الموضوع الذي اختاره سماحة الشيخ الصفار لطرحه في الليلة الثانية من موسم عاشوراء 1440 هـ تحت عنوان: الخطاب الديني والوظيفة الاجتماعية. وله محوران:
المحور الأول: الخطاب الديني طقس أم مهنة أم رسالة؟
كلنا نعلم أن الخطاب الديني الشفهي في المجتمع الإسلامي هو جزء من الوظائف الدينية، وهو أبلغ وسيلة لإنذار الناس، فهي مهمة مطلوبة دينيًا إما وجوبًا كخطبة الجمعة والعيدين، حيث تعتبر خطبة الجمعة جزء من الصلاة، وإما استحبابًا كمجالس الوعظ وإحياء مجالس أهل البيت.
طقوسية الخطاب الديني.
لكن البعض قد يتعاطى مع هذا الخطاب وكأنه طقس وبرتوكول بغض النظر عن آثاره وانعكاساته. فقهيًا يُشترط في خطبة الجمعة أن تكون باللغة العربية الفصحى حتى لو كان المجتمع أعجميًا، كما هو الحال عند جمهور أهل السنة. والمشهور عند الشيعة كذلك اعتبار العربية ولكن بعضهم فرق بين الحمد والصلاة وبين حديث الوعظ فلم يشترطوا العربية في الأخير. وبعضهم لم يجوز ذلك ولا يهم أن فهم الجماعة الحديث أم لم يفهموا. وكأن الخطبة أصبحت مجرد طقس وبروتكول.
في إحياء مناسبات أهل البيت لا بد من توعية الناس وتعليمهم علوم آل محمد ﷺ، «يتعلم علومنا ويعلمها الناس» وأمرهم هو أمر الدين. ولهذا فإن الخطاب في هذه المناسبات ينبغي أن يستثمر فيما ينفع الناس، فإلى جانب ذكر سيرة أهل البيت والتي هي جوهر هذه المناسبات، لا بد من وعظ الناس وإرشادهم إلى ما ينفعهم دنيا وأخرى، لا أن يتحول الخطاب إلى بروتكول سنوي للبكاء والندبة فقط.
امتهان الخطابة الدينية:
الخطيب عند الشيعة مثلًا ليس له جهة تمثله وليس له دخل ثابت، فجرى العرف على مكافأته لقاء خطابته، ولا إشكال شرعي في التكسب بذلك. وأما حديث «من استأكل بعلمه افتقر» فهو للذي يفتون بغير علم، ومن يجيّرون خطابهم لمصلحة أشخاص معينين مقابل المال. أما الوعظ والإرشاد فلا ضير من الاكتساب به.
رسالة المنبر:
على الخطيب أن يتقي الله فيما يقول لا أن يقول ما يرغب الناس فيه من أجل المال. الخطابة الدينية ينبغي أن تكون رسالة، تحل مشكلات الناس تجاه الدين، وتساؤلاتهم، وتغير وضعهم المعاشي. كم كنا فخورين في الستينات حينما لمع نجم الخطيب الراحل الدكتور أحمد الوائلي حيث كان خطابه منصة استقطبت الكثير لفهم فكر أهل البيت، لكن البعض يريد الرجوع للوراء بخطابه وبعض الخطابات يمكننا أن نعتبرها انتكاسة، وانعطافة سلبية في الخطاب الديني.
المحور الثاني: المنبر الديني ورسالته الاجتماعية
رسالة المنبر للمجتمع هي رسالة الدين ولها بعدان:
الأول: الوعظ. وهو تذكير الناس بالله تعالى، وإرشادهم إلى حسن العلاقة مع الخالق، فهو أمر أكثر ما يرتبط بالآخرة.
الثاني: الإرشاد. وهو توجيه الناس لحسن إدارة حياتهم وتدبير معاشهم وشؤونهم الدنيوية.
يعتقد البعض بأن هذا الأمر غير ضروري، والذي يصلح الآخرة هو الأمر المطلوب فقط، وهذا خلاف توجيهات الدين: «من لا معاش له لا معاد له».
من أولويات الخطاب الديني أمران:
الأول: القيم الأخلاقية في التعامل الاجتماعي.
يركز الخطاب الديني على حقوق الله تعالى في العبادات وهو مطلوب، ولكن لا ينبغي اغفال جانب حقوق الناس، فإن الله تعالى يسخطه الاعتداء على حقوق الناس أكثر من التعدي على حقه في العبادة. إن عدم التركيز على هذا الجانب ينتج لنا متدينين يركزون على الصلاة والوضوء إلى حد الهوس، ولكن لا ضير عندهم في الاعتداء على حقوق الناس!
الثاني: الاهتمام بجودة الحياة وتحسين مستوى المعيشة.
الأصل في الإنسان المؤمن كما يفهم من الروايات أن يكون غنيًا ويعيش عيشة الرفاه مقارنة بغيره، لا أن يعيش عيشة الكفاف والذل. ولهذا يردف القرآن الكريم الزكاة بالصلاة، وهل يؤدي الزكاة إلا الغني؟ من واجبات الخطاب الديني أن يبين للناس هذا الجانب لا أن يُساء فهم القناعة والزهد بالعزوف عن الدنيا والتقتير على النفس، الأمر الذي جعل حياة المسلمين قياسًا بغيرهم في مستويات أقل وأتعس. تجد أحياء غير المسلمين في نفس البلد أفضل وأنظف. وبلاد غير المسلمين أرقى وأكثر نظامًا. ما نشهده من تدهور الأوضاع في العراق وهو مجتمع متدين أمر يؤسف عليه.
لماذا يعيش المتدينون حياة متخلفة؟ أين بلاد المسلمين من المؤشر العالمي لمقياس جودة الحياة؟ مؤشر السعادة الدولي الذي يصنف 155 دولة أين تصنف بلاد المسلمين فيه؟ لماذا أوضاعنا في مستوى أقل؟ نحن نتأمل في برنامج جودة الحياة 2020 ضمن رؤية بلدنا العزيز أن يتحقق ويغير وضع الناس.
فالدين لا يريد مساجد وعبادة فحسب، بل يريد للمسلمين حياة الرفاه والعيش الكريم.