الشيخ حسن الصفّار وهواجسه
25 أكتوبر 2017
خاصّ بشبكة الاجتهاد الإلكترونيّة: لعلّ مطالعة عناوين الكتب التي يختارها مفكّرٌ ما والمواضيع التي يتناولها من أهمّ الطرق لاستشفاف هواجسه. وليس الشيخ حسن الصفّار ببدع من تلك المقاربة؛ إذ يكفي إلقاء نظرة على عشرات الكتب والمقالات التي صدرت عن ذلك الفقيه القطيفيّ الستّينيّ وركّزت على أفكار التعايش السلميّ والانفتاح بين المذاهب الإسلاميّة منذ ما يربو على خمسة عشر عاماً؛ ما يعكس همومه الكبرى التي يعيشها ويدعونا لنطلق عليه لقب "أبي فقه التعايش الشيعيّ" أو أحد مؤسّسيه بلا مبالغة.
منذ عودة الشيخ الصفّار إلى بلده الأمّ في العام 1408 هـ ليتفرّغ للبحث والتدريس والتبليغ، كان يحمل معه حصيلة تجربة غنيّة وزاداً معرفيّاً يقدّر عمرها بسبع عشرة سنة أمضاها متنقّلاً بين دروس بحث الخارج في كلٍّ من النجف وقم وطهران والكويت، فلقيت، ولا تزال، خطبه وكلماته وكتبه التي تعالج مواضيع غير مطروقة سلفاً ترحيباً في أوساط الجماهير القطيفيّة، وحتى السعوديّة والعربيّة على امتداد المعمورة. فلا غرو أن يجد كلّ مسلم يعيش بين مطرقة البسطار العسكريّ وسندان المعارك الطائفيّة في أحاديثه، التي تتناول مواضيع من قبيل شخصيّة الإنسان وتنمية المجتمع وحقوق الإنسان والمرأة والتعايش والوحدة بين المسلمين، ما يروي غليله.
في المقابل، قد لا يستوعب هواجسه فقهاء يتمتّعون بالأمن والرفاه النسبيّ وما برحوا يلقون دروسهم وأبحاثهم في ظلّ حكومة إسلاميّة. وربّما لا يدرك همومه الحقيقيّة فقهاء لا يتورّعون عن سدّ باب التعايش في وجه نظرائهم في سبيل إثبات نظريّاتهم الأثيرة عليهم وفرض شخصيّتهم التي يريدون الترويج لها. ولن يفهم قلقه إلا من كان مثله، لا ذلك الفقيه الذي يجعل معيار تنظيره مدى الموقف الحزبيّ والجهويّ تجاهَه حبّاً أو بغضاً. لن نتوقّع استيعاب كلام الشيخ إلا من ذلك الفقيه الذي ذاق مرارة الألم الذي يتجرّعه أولئك الناس الذين يعيشون بعيدين عن أجواء قم ومشهد والنجف وأصفهان.
يمكن أن نسمّيه بالفقيه المجدّد والشجاع حين لم يتوانَ بنفسه عن تقدير شجاعة وجرأة كلٍّ من آية الله الخوئيّ والسيّد محمّد حسين فضل الله والعلّامة مغنية؛ لا لما مارسوا من حرّيّةٍ في التنظير، بل لاقتحامهم ميادين لم يكن للفقهاء أن يمسّوها، وهو ما يمثّل بحدّ ذاته قيمة نادرة. فالشيخ ينتقد كلّ جوٍّ يسوده التهديد ويحول دون أن يصرّح الفقيه بآرائه الفقهيّة ويسلبه حرّيّته في ذلك، فضلاً عن أنّه لا يطيق حالة الخوف التي تعتري الفقيه خوفاً من المساس بشهرته؛ فلا مقياس عند الصفّار إلا الأدلّة القطعيّة فحسب، وما مقاربته الخاصّة لسيرة أهل البيت (عليهم السلام) والاستناد إليها سوى أحد أوجه إبداعاته في تناول المواضيع الفقهيّة.
يرى الشيخ في الاختلاف وتباين الرؤى أمراً طبيعيّاً متوافقاً مع السنن الإلهيّة، ولا فائدة من السعي للقضاء على الاختلافات الفكريّة؛ فهي محاولات فارغة تتعارض والسنن الإلهيّة، ولا بدّ، بدلاً من ذلك، من إبقاء باب الحوار والتعارف بين أطراف الخلاف مفتوحاً كي تتهيّأ الأرضيّة للتعايش حفاظاً على المجتمع الذي ينبغي تأهيل أفراده للعيش المشترك وتقبّل ثقافة الاختلاف.
في هذا السياق، يعتبر الصفّار كلّاً من التعايش والوحدة الإسلاميّة أصلاً دينيّاً ثابتاً، لا تكتيكاً سياسيّاً مرحليّاً؛ فمقاربته للوحدة الإسلاميّة نابعة من رؤية عميقة ومتأصّلة، إذ في الوقت الذي لا يتبنّى النزعة التنوّعيّة الإبيستيمولوجيّة، فإنّه يرفض ذوبان المذاهب في بعضها عقديّاً وفقهيّاً، وتتلخّص نظريّته في التسامح العمليّ والانفتاح بالخطاب.
فما السبيل لتحقيق التعايش والسلم الاجتماعيّ؟
يطرح الصفّار ثلاثة حلول في هذا الصدد:
الأوّل: التأكيد على مفهوم "المواطنة" أساساً ملائماً للتعايش والمساواة في الحقوق، دون أن تتحوّل وسيلةً للتقييم العرقيّ.
الثاني: إشراك الجميع في مشروع إعمار الأرض، لينشغلوا بتحقيق الأهداف المشتركة كالتقدّم السياسيّ والاقتصاديّ والاجتماعيّ، بدل إثارة النزاعات وخوض المواجهات.
الثالث: نشر ثقافة التسامح واحترام حقوق الآخرين.
يمثّل الشيخ الصفّار نموذجاً عمليّاً لتجسيد نظريّاته وأفكاره؛ فقد استطاع بالتعايش والمنطق والحكمة أن يتجاوز الظروف السلفيّة السائدة في بلاده السعوديّة وضغوط حكّامها المتزايدة، ليوصل صوته للعالم الإسلاميّ أجمع، بل وحتى المسلمين في بلاد الاغتراب بأمريكا وأوربا وأفريقيا، وترجمت كتبه لمختلف اللّغات حتى السواحيليّة والطاجيكيّة، ولا يمرّ يوم دون أن يُذكر اسمه ونهجه في المؤتمرات وشبكات الإنترنت والصحف السعوديّة والعربيّة، فضلاً عن أنّه لم يقطع علاقاته الحسنة مع علماء المذاهب الأخرى وحافظ على قنوات الحوار حتى مع الحكّام السعوديّين أيضاً.
لقد قدّم الشيخ مثالاً يحتذى عن الصبر وتحمّل المشاقّ في سبيل التعايش والسلم الاجتماعيّ، ولكنّ ذلك لا يعفينا من طرح السؤال التالي عليه:
لا شكّ في قدرة ثقافة التعايش على جعل شخصين أو فكرين أو مذهبين يعيشان جنباً إلى جنب وخلق حالة من الاستقرار. ولكن حين يكون موضوع الاختلاف أصول التعايش وحدودها نفسها، فما الحلّ في هذه الحالة؟
فعلى سبيل المثال، عندما يرفض فقيه أصل السلم قاعدةً أو يرى في الارتداد بمعناه الأوسع- بما يشمل إنكار الواجبات غير الضروريّة في الدين- ما يوجب القتل، يتحوّل موضوع الاختلاف بين الفقيه والمرتدّ حول حدود التعايش، فكيف يمكن والحال هذه أن نخلق حالة تعايش بينهما؟ ألا يدعونا مثل ذلك الاختلاف في أصول التعايش وحدوده لضرورة البحث عن إيجاد فكر حاكم ومشرِّع على أساسه؟
يبدو أنّه لا يمكن نظريّة التعايش السلميّ وحدها أن تغطّي بالحلّ مساحة واسعة من الخلافات المستعصية حول حدود التعايش والسلم، ليُصار في النهاية إلى الوصول لطريق مسدود وانفلاش التعايش عند هذه النقطة.
--------
هامش:
♦ الشيخ حسن بن موسى بن الشيخ رضي الصفار.
♦ ولد سنة 1377ﻫ ـ 1958م في مدينة القطيف بالمنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية.
♦ هاجر إلى النجف الأشرف للدراسة في الحوزة العلمية سنة 1391ﻫ ـ 1971م وبعد سنتين انتقل إلى الحوزة العلمية في قم إيران سنة 1393ﻫ ـ 1973م ثم التحق بمدرسة الرسول الأعظم في الكويت سنة 1394هـ لمدة ثلاث سنوات، وواصل دراساته العلمية في طهران من سنة 1400ﻫ ـ 1980م إلى سنة 1408ﻫ ـ 1988م.
♦ بدأ ممارسة الخطابة عام (1388ﻫ ـ 1968م) وعمره أحدى عشر سنة واستضافته مختلف المجتمعات في دول المنطقة لإحياء المواسم والمناسبات الدينية.
♦ تبث بعض محاضراته عبر بعض الإذاعات والقنوات الفضائية من الكويت والعراق وإيران ولبنان.
♦ تدور معظم خطاباته حول بناء الشخصية، وتنمية المجتمع، وبث ثقافة الوحدة والتسامح وحماية حقوق الإنسان.
♦ صدر له أكثر من مئة كتاب في مختلف مجالات المعارف الدينية والثقافية، وترجم بعضها إلى لغات أخرى
♦ نشرت له عدد من المجلات العلمية والثقافية بحوثاً ومقالات منها: مجلة (الكلمة) ومجلة (الواحة) ومجلة (البصائر) ومجلة (الحج والعمرة) ومجلة (المنهاج) ومجلة (رسالة التقريب) ومجلة (الوعي المعاصر) ومجلة (الحوار) ومجلات أخرى.
♦ كما نشرت له بعض الصحف اليومية مقالات أسبوعية منتظمة منها: جريدة (اليوم) السعودية، وجريدة (الوطن) الكويتية، وجريدة (الدار) الكويتية، وجريدة (الأيام) البحرينية، وجريدة (الوطن) القطرية.
♦ أسس وقاد حراكاً اجتماعياً يهدف إلى تعزيز القيم الدينية، وتحقيق مفهوم المواطنة والمساواة بين المواطنين، وتجاوز التمييز الطائفي، والإقصاء الثقافي والمذهبي باعتماد منهجية العمل السياسي والإعلامي والثقافي.
♦ له دور ريادي في حركة التواصل والانفتاح مع مختلف الأطياف والتوجهات في الساحة الوطنية والإسلامية، وقام بمبادرات لفتح قنوات الحوار بين السلفيين والشيعة في المملكة العربية السعودية.
♦ استضافته عدد من القنوات الفضائية في برامج حوارية لمناقشة قضايا الحوار المذهبي والوحدة الوطنية.
♦ أنشأ ورعى عدداً من المؤسسات الثقافية والاجتماعية في مناطق مختلفة.
♦ تقديراً لكفاءته وتوثيقاً لدوره الديني والاجتماعي منحه كبار مراجع الدين وأعلام الأمة إجازات للرواية وللتصدي للمهام الدينية.
♦ يقيم في بلده مدينة القطيف بالمملكة العربية السعودية. (نقلا عن موقع الشيخ الصفّار الإلكتروني بتصرّف).