العقل في الحالة الدينية
”تهميش العقل في الحالة الدينية“ هكذا جاء عنوان محاضرة سماحة الشيخ حسن الصفار في ليلة التاسع من عاشوراء، حيث شدد على أن الإسلام جاء ليغير الصورة التي كانت سائدة بشأن تحول الديانات السابقة إلى حالة قامعة للعقل وتكبيل حريات الناس باسم الدين، وأعرب عن الأسف حيال الأفكار المخالفة للعقل والمنطق التي تدور في أوساط بعض المتدينين خاصة فيما يتعلق بالخرافات والأساطير، وأشار أيضا إلى أن بعض المتدينين يحجمون هذا الدين العظيم بحدود فهمهم الضعيف وإدراكهم الساذج ثم يعتبرون ما عداه كفرا وفسقا، وانتقد الجمود على فهم الأسلاف للدين بالرغم من تغير ظروف الحياة.
أعظم ما وهبه الله للإنسان والبشرية هو العقل، لكن الفكر الديني انقسم إلى اتجاهين في نظرتهم للعقل: اتجاه اجتهادي منفتح وآخر انغلاقي متشدد كما يصف الدكتور عبدالإله بلقزيز في كتابه الإسلام والسياسة، بسبب التصارع بين الاتجاهين وهزيمة الاتجاه الأول حصل انتكاسة إلى دور العقل ومكانته في الحالة الدينية، طبعا ما سبب ذلك هو الحالة التي مر بها الواقع الإسلامي المتشظي في ذلك الوقت بسبب التفكك والانقسام والصراع في الدولة الإسلامية، نحن هنا لا نبرر ما أصاب العقل في ذلك الوقت بل نريد أن نفكر بشكل واقعي وموضوعي للأزمة التي مر بها العقل وما أصابه جراء ذلك.
انتصار الاتجاه الانغلاقي في ذلك الوقت أثر بشكل مباشر وسلبي على مفهوم الاجتهاد الذي أهم مرتكزاته هو العقل حيث لا اجتهاد من دون عقل يفكر ويستنبط وما إلى ذلك، الاجتهاد في تلك المرحلة وما بعدها تراجع بشكل ملحوظ في الحالة الدينية، مما سبب ظهور حالة من الانغلاق والتشدد حيث جعل الكثير من المسلمين يميلون إلى المسلك الأسطوري والخرافي هذه حالة، أما الحالة الأشد فهم الذين سلكوا المسلك المتطرف واستخدام العنف اتجاه من يختلف معهم سواء دينيا أو مذهبيا أو فكريا، نعم غياب الاجتهاد يعني سيطرة الفكر المنغلق الذي لا يراعي المتغيرات ولا الظرف الذي يعيش فيه العالم الإسلامي، هو محكوم برؤية السلف وما ذهبوا إليه، حيث سبب هذا الاتجاه في تأخر المسلمين وتخلفهم عن الأمم الأخرى.
إعادة الاعتبار للعقل في الحالة الدينية هو السبيل للعالم الإسلامي حتى يتمكن من التخلص من الفكر الانغلاقي وينفتح على العالم من جديد ويسهم في انتاج الحضارة، ويتجنب فصولا من تاريخه المتشظي الذي جعله أسير التخلف الحضاري، لا شيء قادر على تغيير واقعنا هذا إلا احترام العقل وإعادة مكانته ودوره في الحالة الدينية والمجتمع، سبات العقل يعني سبات كل شيء تقريبا، هل العالم الإسلامي قادر على تحمل فاتورة سبات العقل مجددا؟ اعتقد لا، لما نراه من أصوات بدأت تكثر يوما بعد يوم في المطالبة باحترام العقل وإعادة مكانته واحترامه، حتى نتمكن من ركوب سلم الحضارة مجددا.
وعلى ذلك يقول الدكتور عبدالإله بلقزيز في ذات الكتاب: ”ومرة أخرى، سيكون من سوء الظن، أو الجهل، وربما من قصور وعي بعض من المسلمين، أن ينظر إلى الإسلام - وإلى الفكر الإسلامي - بفرضية أنه يلازم معنى المحافظة، والتحجر، والانغلاق، وأنه يجافي منطق التجديد، والتطور“.
في الختام نسأل الله أن يوفق سماحة الشيخ حسن الصفار لما فيه خير وصلاح لهذه الأمة، ويجعله الله مناراة في نشر الوعي والعقلانية والتسامح وكل ما هو نافع يجنب هذه الأمة الأزمات والشرور.