الشيخ الصفار في عمان يقود حراكًا اجتماعيًا رغم حداثة سنه!
"ضفاف الروح .. من وحي مكتبة الرسول الأعظم " بحث أصدره الكاتب الأستاذ عبدالحسين محمد حسن جعفر (أبو سمية) من سلطنة عمان، مؤرخًا فيه لحقبة زمنية شهدت فيها بلدته الطيبة حركة شبابية لصناعة تغيير اجتماعي نحو الوعي والثقافة قادها الشيخ الصفار رغم حداثة سنه، وحداثة عهده بتلك البلدة.
بحث صغير طبع سنة 2013م، ويقع في خمسين صفحة من القطع الصغير، إلا أنه كبير فيما حواه من معلومات تشدك إلى تلك الحقبة الزمنية التي شهدت فيها المنطقة انشدادًا وميلًا نحو التدين الواعي لمصاحبته للفكر والثقافة.
حلّ الشيخ الصفار ابن السبعة عشر عامًا على بلدة عمان خطيبًا لموسم محرم 1394هـ، ذلك السن الذي أربك مستقبليه ومضيفيه، وتقبلوا الأمر على مضض، لأنهم لم يكونوا يتوقعون أن خطيب الموسم حدث السن!
شهدت الليلة الأولى من قراءته حضورًا عاديًا، تضاعف في الليلة التالية حين ذاع صيت الخطبة الأولى وتَمكُن الخطيب، مما اضطرهم بعد ذلك لنقل القراءة إلى مسجد الرسول الأعظم .
"فصرت أتردد على زيارة سلطنة عمان، وخاصة في المواسم الدينية، وأمكث فيها ما يزيد على أربعة أشهر في كل عام، لمدة ثلاثة سنوات: (1394-1397هـ) يقول الشيخ الصفار في تقديمه للكتاب، ويضيف: "كانت إقامتي في مسقط، لكن نشاطي وعملي الاجتماعي والثقافي كان في مطرح، لأني تعرفت فيها على جيل من الشباب المتلهف للمعرفة والنشاط، وهم أبناء الجماعة التي يطلق عليها (اللواتية)".
لم يحصر الشيخ الصفار نشاطه في الخطابة والتوعية الدينية من خلال المنبر فحسب، بل قاد حركة ثقافية في مجتمع تقليدي يدير شؤونه كبار السن والبارزون من رجال الأعمال كما يعبر عنه في تقديمه. بدأ الشيخ الصفار بتحفيز الشباب لتأسيس أنشطة جديدة على مجتمعهم وقد واجهت بعضها بعض التحديات، لكن إصراره مكنّه أن ينجز في عمان خلال فترة وجيزة عملًا جبارًا، ربما يعجز عن إنجازه الكثير من الناس. كما يعبّر المؤلف.
ثلاث هيئات بقيادة شابة:
أسس الشيخ الصفار ثلاث هيئات تدار من قبل الشباب:
الأولى: مكتبة الرسول الأعظم عند قبيلة اللواتية في مطرح.
الثانية: مكتبة الإمام الصادق عند قبيلة العجم في جبرو.
الثالثة: الجمعية الإسلامية عند قبيلة البحارنة في مسقط.
وقد تحدث الكاتب عن بداية تأسيس كل هيئة على حدة وما واجههم من عقبات وكيف تم تخطيها، وصولًا إلى استخراج تصريح رسمي لها.
ليس وحده تأسيس الشيخ ـ رغم حداثة سنه ـ لهذه الهيئات الملفت للانتباه، بل تحفيزه الشباب واعداهم لإدارة هذه الهيئات هو ما يلفت الانتباه أكثر.
حيث عقد الشيخ ورش عمل ودورات تدريبية ربما لم تكن معهودة في تلك الحقبة الزمنية ولعلها الأولى من نوعها. فقد شكل ورشة عمل في فن الخطابة، وإعداد الخطيب الحسيني. وأخرى في فن الكتابة والتأليف.
وقد تخرج على يديه مجموعة من المثقفين والكتاب، وتم إصدار مجلة الوعي التي كانت تطبع بموافقة من وزارة الإعلام.
ثبات المبدأ:
وهنا نقطتان تثيران الانتباه أيضًا، تبينان مبدأ الشيخ منذ بداية عهده بالعمل الديني والفكري والاجتماعي، وهما:
الأولى: الحس الوطني. حيث كان يشجع ويؤكد على ضرورة أخذ الموافقة الرسمية من الدولة كما في مكتبة الرسول الأعظم ومجلة الوعي، إيمانًا منه بأن ذلك يعطي العمل المؤسسي والاجتماعي فرصة أكبر للانتشار والقبول. إضافة إلى نشر مقالاته في الصحف المحلية كجريدة عمان والوطن. مستفيدًا من حسن علاقة المجتمع العماني بحكومتهم، وأجواء التسامح المذهبي كذلك.
الثانية: التعايش والتواصل مع الأطراف الأخرى. لم يكن الشيخ في ذلك المجتمع المتسامح دينيًا منغلقًا على أبناء طائفته، بل انفتح على أعلام المذاهب الأخرى، كما أشار في تقديمه: "كانت لي صداقة طيبة مع كبار علماء الإباضية كالمفتي السابق الشيخ إبراهيم بن سعيد العبري رحمه الله، والعالم الأديب رئيس محكمة مطرح الشيخ سالم السيابي رحمه الله، والمفتي الحالي الشيخ أحمد الخليلي رحمه الله".
في الكتاب معلومات ثرية عن حقبة زمنية لا يزال جيلها يعطي من ثمراتها للأجيال التي تلته. وفيه معلومات تاريخية عن تلك الفترة الزمنية بعضها خاصة بسلطنة عمان، وبعضها تشترك فيها مع بقية دول الخليج العربي. إضافة إلى دور الشيخ الصفار حفظه الله في تلك الفترة، ودور الشباب الرسالي الذي تفاعل معه وأكمل معه المشوار الديني والفكري. وقد كان في طليعتهم الناشط الاجتماعي والمثقف مؤلف الكتاب، وهو باحث ومؤرخ عماني ولد سنة 1954م تخرج في جامعة القاهرة بكالوريوس جيولوجيا. ويزاول التجارة حاليًا في مطرح بسلطنة عمان.
مثل هذه الدراسات وهذه النماذج تزرع في نفوس الشباب الأمل، ومواجهة التحديات لتحقيق الأهداف النبيلة التي تجنح بمجتمعاتهم نحو التغيير للأفضل.