قراءة في كتاب «كيف نقهر الخوف» للشيخ حسن الصفار
الخوف صفة فطرية أودعها الله سبحانه وتعالى في جميع عباده من دون استثناء، لذلك نرى أنّ الإنسان يخشى الأخطار ويجاهد في أن ينأى بنفسه عنها. لكن بسبب طغيان هذه الصفة بصورتها السلبية على بعض الأشخاص ربما تغير مفهوم البعض عنها وظنوا أنها صفة مزمنة قد حُتم على شخصها أن يعيش بها طيلة حياته. وقد عالج سماحة الشيخ حسن الصفار هذا المفهوم من جهات عدة من وجهة نظر إسلامية بأسلوب جميل وسَلِس في كتابه «كيف نقهر الخوف» ولما يحتويه هذا الكتاب من مفاهيم وأدلة ينبغي الالتفات إليها فقد وقع اختياري عليه لقراءته وتلخيصه ومن ثم عرضه أمام الزملاء كأحد متطلبات مادة اللغة العربية بالجامعة، وقد أبدى دكتور المادة شكره بعد تقديم الكتاب، ونوّه على أهمية الالتفات لمثل هذه الصفات التي لم يهبها الله لنا ليس عبثاً أو ضرراً بنا.
ويجدر بنا أن نذكّر بأن تلخيص الكتاب الوارد في السطور التالية لا يغني عن الرجوع إلى الكتاب نفسه، حيث تعرض سماحة الشيخ الصفار لبعض جوانب الكتاب بتفصيل أكثر ودلّل على بعض الجوانب بآيات قرآنية وأحاديثَ شريفة أكثر مما ذُكر في التلخيص.
واقعية الخوف:
الخوف هو شيء فطري وطبيعي في كل إنسان، فمن الطبيعي أن يخاف الإنسان من الأخطار، إضافة إلى ذلك بل إن الخوف يعتبر محموداً إذا ما تم استعماله لوقاية النفس من الأخطار الحقيقية والجسيمة فقد اعترف القرآن بخوف الإنسان. لكن في المقابل فإنه يجب توجيه صفة الخوف لدى كل إنسان لكي لا تطغى عليه فتصبح شيئاً سلبياً يسهم في تراجع الإنسان وتقف حاجزاً أمام تقدمه وحريته وكرامته.
الخوف من الله:
الخوف من الله هو الخوف المحمود، بل أنه الخوف الواجب على العباد. ذلك لأن قوة الله قوة حقيقية لا تضاهيها قوة أخرى لا في هذه الدنيا الفانية ولا في الآخرة. آما في الدنيا فالله هو خالقنا وبارينا وهو الذي يرزقنا كل ما لدينا من نعم وأرزاق منتشرة في أنحاء الكون، فإن لم نخف من الله وسقط علينا سخطه لاختفينا من هذا الوجود وأصبحنا لا شيء. أما في الآخرة فإن مصيرنا الدائم كله بمشيئة الله وحده، ولا أحد سواه. وقد أمرنا الله في كتابه بأن نخافه وحده في قوله تعالى: ﴿فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ﴾ لكن ماذا يعني الخوف من الله؟
الجواب بالطبع ليس كما يظنه بعض الذين يحاربون الدين ويدّعون مناصرتهم للحرية بأن الخوف من الله ليس سوى اشغال النفس وتخويفها بأن تعيش حالة من الهلع والخوف. الخوف من الله يعني أولاً الالتزام بحدود الله وقوانينه، والابتعاد عن المعاصي والذنوب. الخوف من الله أيضا يعني اندفاع المؤمن إلى الأعمال الصالحة وكل ما يرضى الله ويسعد المؤمن في آخرته ودنياها. كذلك فإن احتضان القيم الالهية وتطبيقها والعمل على نشرها يُعتبر أحد معاني الخوف من الله.
الخوف امتحان:
قد يتساءل البعض عن السبب الذي من أجله أودع الله سبحانه وتعالى صفة الخوف في البشر. جواب هذا التساؤل يكمن في حقيقة أن الخوف هو امتحان للبشر. فالخوف هو احدى الطرق التي يبتلي بهال الله عبادة ليختبر مدى تحملهم وقوتهم. فإذا واجه الإنسان خطراً فإنه يستطيع أن ينتصر على الخوف وتجاوز هذا الخطر إذا أدرك أنه في الوقت ذاته يواجه امتحاناً من الله. فالذي تكون لديه الشجاعة وقوة الصبر والتحمل فيتغلب على الخوف فإنه قد تجاوز هذا المتحان. قال تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾.
مهاجمة الخوف:
كيف يتصرف الإنسان مع القوى المعادية التي توجه إليه الخطر؟ إن وقوف الإنسان وانتظاره لما يخاف منه يعتبر شيئاً خطيراً جداً، حيث أن هذا الانسان أثناء انتظاره للخطر يقضي وقته في حالة من الهلع والخوف وتوقع آثار هذا الخطر عليه، فلا يهنأ بلحظةٍ واحدة في هذه الأثناء. في المقابل، فإن التصرف المناسب لمواجهة ما يخاف منه الإنسان هو التخطيط لمحاربة هذا الخطر ومهاجمته لتلافي الوقوع فيه. هذا التصرف هو أحد أهم المفاتيح الرئيسية التي يستخدمها الأطباء النفسيين لعلاج مرضاهم الذين يخافون من بعض الأشياء، فعندما يأتيهم مريض يخاف من الضوء، فإنهم يدفعون بالمريض ليواجه الضوء ليتغلب على هذا الخوف، وعندما نعود إلى تراثنا الإسلامي فإنه أيضاً يوجهنا لهذا التصرف، فيقول الإمام علي: »إذا هبت أمراً فقع فيه فإن شدة توقيه أعظم مما تخاف منه«.
جذور الخوف وأسبابه:
اتفق علماء النفس على بعض أسباب الخوف واخلتفوا في بعضها ل بحسب مدرسته، لكن هناك بعض الأسباب للخوف والتي تتوافق مع وجهة النظر الأسلامية. ومن تلك الأسباب:
1. الوراثة:
الخوف كغيره من الصفات صفة يمكن توارثها بين البشر، فيمكن لنا أن نرى ابناً لديه صفة الخوف المفرط من الفشل أو من المستقبل ويكون هذا الشخص قد ورث هذه الصفة من أبيه أو أمه، ومن النصوص الإسلامية التي تؤكد إمكانية توارث الصفات قوله: »انظر في أي نصاب تضع ولدك، فإن العرق دساس«
2. مصاعب الحمل والولادة:
إن الحالة النفسية للأم أثناء فترة حملها تؤثر تأثيراً كبيراً على نفسية الجنين، فعندما تكون الأم خائفة، فتأثير ذلك الخوف عليها قد لا يتجاوز اصفرار الوجه، لكن بالنسبة إلى الجنين فإن ذلك يؤدي إلى أن تكون شخصيته مهزوزة، ويقول بعض العلماء: إن الاضطرابات التي تواجهها الأم أثناء فترة الحمل توجه ضربات قاسية لمواهب الجنين. ولعله أن من الأحاديث التي تؤيد هذه الفكرة هو قوله الرسول: »الشقي من شقي في بطن أمه والسعيد من سعد في بطن أمه«.
3. التربية السيئة:
تربية الأبناء هي التي تشكل نفسية الابن بنسبة كبيرة. للأسف الشديد فإن كثير من الآباء والأمهات يسهمون في تكوين شخصيات أبناءهم بشدة الحذر والخوف والدلال المفرط عليهم ظانين أنهم بذلك يحافظون على أبناءهم، لكنهم يزيدونهم عقداً وتعقيداً.
مناطق الخوف في حياة الإنسان:
أكثر مواطن الخوف المنتشرة في مجتمعاتنا والذي ساهم في تخلف الكثير هو الخوف من الفشل، فنرى أن البعض لديه الرغبة والفكرة في تحقيق انجاز ما كأن يكون طبيباً لكنه لا يستطيع، ليس بسبب فقدانه للقدرات والمؤهلات لهذا الانجاز وانما بسبب وهم وشعور دخلي يدفعه للوراء ويخيفه من الخطوات الموصلة لهذا الانجاز. ذلك فعلى الإنسان أن لا يتهيب الفشل وإن واجه بعض الفشل في بداية مشواره فأنه ينبغي عليه أن يستمر في طريقه ويأخذ بالجانب الإيجابي لفشله بأن يعتبره خطأً ليتعلم منه وأنه بذلك عرف مواطن ضعفه ليتغلب عليها. فإذا ابتدأ الإنسان طريقه بالخوف من الفشل او مما سيواجه من مشاكل فإن ذلك هو الخطر الكبير الذي يؤدي إلى الفشل، كما يقول الإمام علي »قُرنت الهيبة بالخيبة«.
الخوف من المشاكل:
كثير من الناس يرغب ويتمنى أن يعيش حياة هادئة ومريحة بعيدة كل البعد عن ما قد يعكر صفو مزاجه، فتجده يحاول أن يبتعد عن الناس بحجة أنه يرغب في الابتعاد عن المشاكل، لكن الحقيقة هي عكس ذلك فإن من سنة الحياة التي خلق لها الانسان هي أن يعمل ويكافح في حياته. فقد قال تعالى:﴿يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ﴾ وقال كذلك: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ فِي كَبَدٍ﴾، أي في معاناة.
الخوف من الموت:
الموت من الأشياء التي تمثل رعباً للكثير بمجرد ذكره، وذلك لعدة أسباب، منها:
1. إنهاء وجود الإنسان في هذه الحياة.
2. العجز عن المواجهة.
3. المصير المجهول.
4. المفاجأة.
و من وسائل التعامل مع الموت هي طاعة الله وعمل كل ما يرضيه ويذهب سخطه، والإيمان بأن الله غفورٌ رحيم بحيث لا يؤدي هذا الإيمان إلى طول الأمل فيرتكب المعاصي بهذه الحجة.
كذلك فإن مهاجمة الموت وعدم انتظاره وسيلة للتخلص من الخوف منه. يقوم الأنسان بمهاجمة الموت عندما يدفع حياته ثمناً لرفع لواء مقدس ونصرة الحق وجهاد في سبيل الله، فبذلك يكون هذا الإنسان هو الذي أقدم على الموت وليس العكس. وفي الحقيقة فإن ما أقدم عليه هذا الإنسان ليس موتاً بل هو الحياة السرمدية. قال تعالى: ﴿وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾.
كيف ننتصر على الخوف؟
1. الإرادة والتصميم.
2. الإيحاء الذاتي.
3. قراءة سِيَر الأبطال.
4. الزهد في الدنيا، فمن زهد في الدنيا هانت عليه مصيباتها.
5. الاقتحام.