مجلة الفيصل تكتب عن مكتبة سماحة الشيخ حسن الصفار
تحت عنوان إطلالة على المكتبات الخاصة في القطيف كتب الباحث عبدالرحمن بن محمد العقيل في الفيصل[1] عند زيارته لعدة مكتبات في المحافظة منها مكتبة سماحة الشيخ حسن الصفار وقد جاء في مقدمة التحقيق (قد ألمحت في استطلاع سابق إلى كثيرة المكتبات الخاصة في القطيف، ثم لقيتُ أجمل ترحيب من أصحاب خمس من المكتبات القطيفية الخاصة، الذين فتحوا لي قلوبهم قبل مكتباتهم، وتخلّصت من دعواتهم الكريمة للضيافة التي ستستهلك وقت عملي بالاحتجاج كذباً أحياناً بوجود مواعيد، ولا مواعيد وقتها، فكانوا في غاية اللطف في قبول الاعتذار، وأذكر على رأس هؤلاء فضيلة الشيخ حسن الصفّار، الذي أكرمني مراراً بإهدائي كتباً هي من أعزّ عليّ من ألف وليمة، ولا ألتقيه إلا ويذكر فطوراً أو غداءً أو عشاءً، وتلك طبيعة متأصّلة فيه مع كل زائر، واتصل بي ـ جزاه الله خيراً ـ على كثرة التزاماته (في آخر يوم لي في القطيف من تلك الزيارة الرمضانية)، وعتب عليّ بما يشبه القول: (يعني ستذهب دون أن نقوم بواجبك) فله أجزل الشكر، فقد أخذت واجبي وزيادة.
وفيما يلي نص ما نشر عن مكتبة سماحة الشيخ حسن الصفّار:
في محافظة القطيف (في مدينة القطيف نفسها) مكتبتان إن وصلت إليهما كفتاك عن مكتبات القطيف، أولاهما المكتبة القطيفية لصاحبها السيد عبّاس الشبركة، وهي مكتبة متخصصة في الكتاب القطيفي تأليفاً وتحقيقاً، وترجمة، وتضم أكثر من ثلاثة آلاف عنوان على ذلك التخصيص، وقد تحدثت عن هذه المكتبة في المقال السابق.
ولا حاجة إلى إعادة الكلام.
وأخراهما: مكتبة الشيخ حسن بن موسى الصفار، وهي ليست من أهم مكتبات محافظة القطيف الخاصة، بل أهمها قاطبة وأولى مكتباتها؛ لعدة مزايا منها: أن منشئها الشيخ الصفار أتاحها للباحثين يرتادونها من دون الحاجة إلى تنسيق سابق على امتداد العام من الثامنة صباحاً إلى الواحدة ظهراً، ثم من السابعة إلى العاشرة مساء،وفيها موظفون يقومون على خدمة الباحث، اضافة إلى توفير اجهزة الكمبيوتر للباحثين،وخدمة الانترنت وآلات التصوير، والكتب الإلكترونية اضافة إلى ضيافة الباحث بالشاي القطيفي البارع الذي يعد باستخدام السماور العراقي. والمكتبة أيضاً في نمو مستمر، إذ تتزوّد بالكتب من دون توقف، ثم المكتبة منتقاة بعناية من حيث أجود الطبعات، والشمول الموضوعي لمحتوياتها، فصاحب المكتبة طالب علم على ثقافة عالية، ودراية واسعة، ومتابعة مستمرة لأهم الكتب التي يختارها بنفسه، ويندب من يحصّلها من المكتبات داخل المملكة وخارجها. والمكتبة أيضاً مرتّبة موضوعيًا ومفهرسة آلياً
في مساحة كبيرة بطول الدور الثاني من مجلسه العلمي رُتّبت دواليب الكتب التي ترتفع إلى السقف، وبلغ عدد الكتب يوم زيارتي إليها قرابة , 10 آلاف عنوان، موزعة في 12658 مجلداً في جميع المجالات الدينية والثقافية والعلمية، وقد وقفت فيها على ما يقرب من53 تفسيرًا للقرآن الكريم من تفاسير الشيعة وأهل السنة. . وبعض تفاسير الزيدية والإباضية، وأكثر من 56 مصدرًا من مصادر الحديث الشريف، اضافة إلى عدد كبير من الدراسات الفقهية، والفقه المقارن، ومصادر الفقه لجميع المذاهب الاسلامية، وكتب العقائد، والسيرة، والتاريخ، والتراجم، والأدب، والعلوم الاجتماعية، والثقافة العامة، اضافة إلى الموسوعات العامة والمتخصصة، والدوريات التي تصدر داخل المملكة وخارجها، وتصل أعدادها إلى المكتبة بشكل دوري. ويسعى الشيخ حسن إلى تجهيز مكتبة متخصصة للأطفال.
المكتبة مكتبة خاصة أصلاً، لكن صاحبها ـ كما قال ـ لا يؤمن باحتكار العلم، لذلك هي مفتوحة لأي شخص من المنطقة أو خارجها يريد أن يستفيد منها طوال أيام السنة، باستثناء أيام الجمع. وقد صرف صاحب المكتبة اهتمامه في انشائها لأجل المعرفة، لذلك لم يهتم بالمخطوطات والنوادر كما يقول، وإنما بقي لديه عدد قليل جدًّا من الكتب النادرة التي تملّكها في طفولته منها كتاب (البلوى في بنات حواء) الذي تملكه في 4/6/1388هـ وهو في الحاية عشر من عمره، وكتاب (روح الدين الإسلامي) لعفيف عبدالفتاح طبّارة، الذي تملكه في 9/3/1388هـ . ولا تخلو المكتبة من كتب عليها إهداءات مؤلفيها من علماء شيعة وسنة.
تجوّل بنا الشيخ حسن الصفار في مكتبته، وحدّثنا عنها وعن رحلته مع الكتاب حديثاً شائقاً، نقتطف منه قوله: (قصتي مع الكتاب والمكتبة قصة قديمة، بدأت وأنا في العاشرة من عمري سنة 1387هـ حين أخذت في اقتناء الكتب، وتكوين مكتبة خاصة شراءً وإهداءً. ومع مرور الوقت تجمع عندي مئات من الكتب إلى سنة 1400هـ، ثم غادرت البلاد، وبقيت هذه المكتبة في القطيف، فلم أجد من المناسب تجميد هذه الكتب في مكانها فشجعت الاخوة أن يأخذوا منها ما يفيدهم ويتملّكوه، وهكذا توزّع أغلب تلك الكتب، وحينما رجعت إلى البلاد سنة 1415هـ وجدتُ عشرات من تلك المئات من الكتب، فبدأت من ذلك العام بتكوين هذه المكتبة التي تراها. وبين سنتي 1395 و 1398هـ كنت أتردد على مسقط عاصمة سلطنة عمان، وأبقى فيها ثلاثة أشهر ونحوها من كل عام للخطابة والتبليغ الديني، فكوّنت لي مكتبة هناك أيضاً، وعندما تركت مسقط في آخر رحلة لي إليها في العام المذكور (1398هـ) تركت تلك المكتبة أيضاً للشباب هناك حتى يستفيدوا منها. فكانت هي المكتبة الثانية، وتوزعت بين شباب مسقط، وحينما ذهبت إلى إيران سنة 1400هـ بدأت أيضاً بتكوين مكتبة جديدة ثالثة وبقيت هناك إلى سنة 1408هـ، ثم انتقلت منها إلى سورية، وتركت مكتبتي في إيران ليستفيد منها المشايخ هناك، وفي سورية أسّست مكتبة كبيرة أيضاً، إذ أقمت في ريف دمشق بين سنتي 1408 و 1415هـ في منطقة السيدة زينب، فكانت مكتبة كبيرة فيها آلاف من الكتب مفتوحة للمطالعة ويرتادها الناس، ولما عُدتُ إلى القطيف وزعت تلك المكتبة الدمشقية على المكتبات هناك، فكانت المكتبة الرابعة فهذه المكتبة التي نحن فيها الآن هي المكتبة الخامسة التي بدأت بتاسيسها سنة 1415هـ وهي كبرى المكتبات التي أسّستها في سني عمري).
مكتبة جامعة
ليس في مكتبة الصفار تمييز بين الكتب، فتجد كتب الشيعة إلى جانب كتب أهل السنة، والأباضية والزيدية؛ فليس هنا كتاب محظور أو محدود الإطلاع، ويعود ذلك بالدرجة الأولى إلى أنها في الأساس مكتبة خاصة، وليس عندي كتاب يتناول محظورا بغرض نشر المحظور، وإنما ما نشر بغرض الاطلاع والدراسة. ومن حق الباحثين والعلماء، ومن الواجب عليهم أيضاً، أن يطّلعوا على مختلف الآراء حتى يستطيعوا مناقشتها والرد عليها . أما إذا لم نطّلع على ما في كتب اليهود والنصارى والشيوعيين والفِرَق المختلف فكيف نستطيع أن نناقشها؟!
وأذكر هنا أن الشيخ الصفار عالم في طليعة علماء القطيف المعاصرين، بدأ بممارسة الخطابة سنة 1388هـ وهو في الحادية عشر من عمره، وألبس العمامة سنة 1391هـ وهو في الرابعة عشر من عمره بتوجيه من الشيخ فرج العمران، وصدر له من المؤلفات حتى اليوم 113 عنواناً، وله نشاط إصلاحي مشهود بإشاعة روح التسامح والتعايش والتنوع الثقافي.