في معنى تثقيف الجمهور سياسيا
يرى كثير من الجمهور الشيعي أن منبرهم أصبح مادة متقدمة في الخطاب الحسيني، بحيث تجاوز العديد من الخطباء الحالة التقليدية، ليقدموا محاضرات علمية وثقافية وفكرية تواكب العصر وتطوراته. لذلك كان المنبر الحسيني في القطيف «وما واكبه من فعاليات» هذا العام استمرار لحالة الحراك الخطابي المتنوع كما ونوعا.
رجل الدين البارز الشيخ حسن الصفار وحده غرد هذا العام «وبشكل واضح» خارج السرب الحسيني الكلاسيكي الحزين، متوجها نحو الخطاب السياسي الواضح، سياسي ولكن ليس بمعناه التعبوي للجمهور، بل من خلال طرح مواضيع أطلق عليها «بث الوعي السياسي» حيث يرى الرجل الذي يعتبر أول رجل دين شيعي ينغمس بهذا الشكل في المجال السياسي، أن ما ينقص الشيعة هو الإهتمام بالسياسة، السياسة هذه هي التي خرج من أجلها الحسين لطلب الإصلاح في أمة جده لا من اجل الحكم.
ولا ريب بان قضية غياب الوعي السياسي لدى اغلب الناس تقع بالدرجة الاولى على الحكومات العربية العربية التي كرست مبدا تجهيل الناس الناس كخطوة أولى في سبيل انكفاء الشعوب نحو الهموم الخاصة وترك الشؤون السياسية «لولاة الامر» لأن أنظمة الإستبداد كما يقول الصفار «تدرك أن انتشار الوعي السياسي يدفع الشعوب نحو اتخاذ مواقف مخالفة للظلم والفساد».
الخطاب العاشورائي لم يغب عنه الهم السني الشيعي والفتنة ثالثهما، لاسيما وهو الضليع في هذا الشان الذي كتب وألف فيه العديد من الكتب من بينها كتاب «السلفيون والشيعة نحو علاقة أفضل» هذه العلاقة هي ما يحذر منه الصفار في أهمية امتلاك وعي سياسي لا يسمح للسنة والشيعة بأن يتم استغفالهم بالتفسيرات الغيبية والعقدية للأحداث. وهذا ما يؤكد على اهمية النأي عن النزعة الطائفية في تحليل الأحداث سيما التي تضرب مناطق وفئات دينية ومذهبية معينة. الصفار يعتقد أن هناك توظيفا سيئا للنزعات المذهبية في التعبئة ضد الخصوم «لكن الدافع الأساس في ذلك ليس الدافع المذهبي وإنما الدافع السياسي».
ويبقى الحدث الأبرز في السنتين الأخيرتين عربيا هو «الربيع العربي» والذي حاز على نصيب كبير من خطب الشيخ الصفار خلال فترة هذا الربيع، من هنا يشير الصفار إلى أن ثورات الشعوب العربية اختارت «كتابة تاريخ جديد» متهماً الأنظمة المستبدة بالترويج لنظرية المؤامرة لاحتواء هذه الثورات. مرجعا جانبا من أسباب اندلاع الثورات العربية إلى «الإستبداد السياسي وغياب الحريات والمشاركة السياسية وانتهاك حقوق الانسان». والشعوب العربية بحسب الصفار الذي صدر له مؤخراً كتاب «الحسين منهج الإصلاح والتغيير» باتت ترزح تحت الأزمات المعيشية والبطالة والفقر بشكل بلغ حد الموت في قوارب الهجرة غير المشروعة للبلاد الأخرى. فماذا نتوقع "من الشعوب العربية التي تعيش تحت ضغط هذه المشاكل غير الثورة والغضب! “.
ويرفض الشيخ الصفار الركون إلى «نظرية المؤامرة» في تفسير الثورات العربية «فالأنظمة المستبدة هي من تقوم بالترويج لهذه المزاعم». وهذا ما دأب عليه الحكام في إلقاء المسئولية على أطراف خارجية لغرض التضليل وتبرئة أنفسهم من المسئولية والتغطية على الأسباب الحقيقية لحركات الشعوب. إشارات الصفار السياسية من خلال الربيع العربي كان لها انعكاس واضح من خلال الحديث بطريقة واضحة عن أن «الشعب مصدر السلطات.. والشرعية لا تأتي إلا من الشعب لا من أي شيء آخر». وان المنهج الصحيح هو «أن يختار الناس حكوماتهم وأن تأتي شرعية السلطة عبر الإختيار المباشر للناس». هذا الكلام يشير بشكل او بالآخر لأهمية ما برز يطرح بشكل واضح خصوصا على المستوى الخليجي «بالملكية الدستورية»، الملكية الدستورية هذه يشرحها صاحب كتاب «المشكل الطائفي والمسؤولية الوطنية» بأن المنهج الصحيح هو «أن يختار الناس حكوماتهم وأن تأتي شرعية السلطة عبر الإختيار المباشر للناس».
مرورا الواقع الذي يعيشه المسلمون اليوم من الخضوع للأنظمة العسكرية وحكومات الغلبة والقوة إنما هو من «بقايا عصور الاستبداد وما ولدت من نظريات تبريرية خدمة للمستبدين». وهذا ما اكده الشيخ الصفار بشكل صريح إلى أن "مجمل الآراء الفقهية التي تشرعن الإستيلاء على الحكم بالقوة إنما جاءت ثمرة للحقبة الأموية التي أسست لنهج الهيمنة على الحكم عن طريق الغلبة.
الشيخ الصفار الذي الف سابقا كتاب «الوطن والمواطنة - الحقوق والواجبات» يقول أن من وظائف الدولة هو حفظ الأمن والدفاع عن البلاد وتحقيق العدل بين رعاياها. معرجا من خلال محاضراته العاشورائية لمسألة الدستور «كنقطة بداية لحياة سياسية مستقرة»، وأن مزاعم الإكتفاء بالكتاب والسنة «غطاء للإستبداد والإستئثار». ولم ينسى أن يخاطب الحكام بالقول «لماذا تنتظرون اللحظة التي تثور فيها شعوبكم». الصفار أشاد ببروز دعوات حثيثة من فقهاء ومفكرين لوضع دساتير تعاقدية مكتوبة تقيد السلطات وتضمن حقوق المواطنين. ومنهم جمال الدين الأفغاني والمرجعيات الدينية التي دعمت قيام دستور في البلاد الاسلامية بدءا من الشيخ النأئيني أوائل القرن الماضي مروراً بالإمام الخميني في إيران وانتهاء بالسيد السيستاني في العراق راهناً.
وافرد الصفار محاضرة كاملة للحديث عن اهمية الديمقراطية، معتبرا الديمقراطية أقرب النظم لقيم وروح الإسلام قائلا بأن تحالف الإستبداد السياسي مع التزمت الديني جعل من العالم العربي «قلعة الممانعة للديمقراطية». وهذا انعكس أيضاً على «تغول الدولة» في كل مفاصل الحياة «وحجم القيود والهيمنة الرسمية على سائر الأنشطة الأهلية في مختلف المجالات التجارية والأدبية والدينية في دول المنطقة». مرجعا السبب إلى «ريبة وتوجس الأنظمة السياسية» في النشاط الأهلي التطوعي سيّما إذا لامس الجانب السياسي والحقوقي «وكأنه ينازع الدولة سلطانها».
لكن اللافت في خطاب الصفار هي قوة نبرته في تسمية الأمور بمسمياتها، من المطالبة «ولو على مضض» بالملكية الدستورية وانتخاب مجلس نواب «شورى» من قبل الشعب مباشرة، بعيدا عما هو حاصل الان من تعيين المجلس من قبل الملك، لكن الأهم في خطاب الصفار هي القيمة المدنية التي أفاضها على خطابه في عاشوراء، مستشهدا بالكثير من القوانين والأفكار والأسبقية «الغربية» في مفاهيم الدول والمجتمعات الحديثة، وهذا ما يؤكد عليه من أن هذه المفاهيم والقيم هي في الأصل يتبناها الإسلام وأن كانت بمصطلحات وتعاريف مختلفة. في النتيجة حاول رجل الدين الشيعي الأكثر بروزا والأكثر «إثارة» داخل مجتمعه من تسيير «المنبر الحسيني» مجددا لصالحه، فالعارفون بالشيخ الصفار يعرفون كيف بستطيع الرجل ان يسوق مشروعه من خلال الربط المثير بين القضايا المعاصرة والمنبر الحسيني، ومن ثم ترك التحليل للآخرين.