قراءة في كتاب: الحسين ومسئولية الثورة
• المؤلف: الشيخ حسن موسى الصفار
• الناشر: دار البيان العربي، بيروت - لبنان
• الطبعة: السابعة، سنة 1991
• عدد الصفحات: 132
• صفحة المقاس: 20*14 سم
• المحتويات: كلمة الناشر، ومقدمة الملف، وثمانية فصول.
كلما تقادمت السنين وتطاولت الأعوام، تبقى ثورة الإمام الحسين رائدة عملاقة تشرف على الزمن. ومهما تحدث الخطباء وسطر الكتاب وانشد الشعراء، تظل ثورة الإمام الحسين تختزن الجديد من المعاني والأبعاد.
حينما يتسلل إلى قيادة الأمة طغاة مستبدون، يحكمون باسم الإسلام، وهم بقيمه يفتكون ولمبادئه ينسفون، فرضوا أنفسهم بالإرهاب والقوة، دونما أية مؤهلات أو كفاءات ترشحهم للخلافة والحكم. فما هي مسؤولية الأمة، وما هو دور الشعب وما هو واجب المؤمن؟
صفحة «15» حينما آل الأمر إلى بني أمية بعد أحداث جسام، وأصبح معاوية أميرا للمؤمنين وخليفة للمسلمين، وبدأ في تطبيق برنامجه الجاهلي، وكان من أسوأ بنوده ما يلي:
أولا: تمزيق المجتمع الإسلامي:
بدأ معاوية يخطط لضرب وحدة الأمة، وتمزيق تضامن الشعب بمختلف الأساليب والوسائل، فأذكى روح العصبية العنصرية، حيث رفع مكانة العرب وحقر الموالي وسلب كرامتهم وحقوقهم.
صفحة «18» ثانيا: الإرهاب ومصادرة الحريات:
وهذا ما صنعه الحكم الأموي، فقد ضرب بيد من حديد على كل من يحدثه ضميره بالمعارضة أو يعتنق لرأي ثوري، مهما كانت مكانة ذلك المعارض أو شخصيته. فراح ضحية الإرهاب الجائر خيار أصحاب النبي ، وعظماء الأمة كالإمام الحسن بن علي ، وعمر بن الحمق الخزاعي وحجر بن عدي وأصحابه وأشباههم من الثائرين المناضلين.
صفحة «21» ثالثا: التلاعب باقتصاد الأمة وخيراتها:
إن معاوية كان ينظر إلى ثروات الأمة كملك خاص له، يتصرف فيه كيفما تشاء له أهواؤه، وكان يقول: الأرض لله وأنا خليفة الله، فما آخذ من مال الله فهو لي، وما تركته كان جائز لي. وفوق ذلك صار يتفنن في امتصاص دماء الفقراء والكادحين، وإثقالهم بمختلف الضرائب. فقد فرض على الأهالي أن يقدموا له ضريبة النيروز كهدية، فكان يجمع ذلك أكثر من عشرة ملايين درهم.
صفحة «22» رابعا: احتكار الحكم والسلطة:
أن معاوية لم يكتف باغتصاب قيادة الأمة دون ترشيح الله ولا رضى. لم يكتف بذلك بل أراد أن يحتكر الحكم والسلطة لعقبه من بعده، فيجعل الحكم وراثة يستلمه الابن بعد الأب، ويبقى امتيازا خاصا للأسرة الأموية.
صفحة «28» حينما نلقي نظرة فاحصة على تاريخ تلك الفترة الحرجة الخطيرة من تاريخ الأمة، فإننا سنجد أن ردود الفعل لدى الأمة تتمثل في عدة مواقف:
أولا: الموقف المصلحي:
كان الشاعر واسمه «مسكين الدرامي» أنموذجا يمثل طبقة من الناس، لا يخلو منها مجتمع وزمان. وهي الطبقة التي ترى في الجور والظلم، أفضل فرصة لتحقيق مطامعها ولكسب المصالح والامتيازات. فتلتف حول النظام الحاكم وتدعم وجوده وتصفق لتصرفاته وتلعب دورا رئيسيا، في تمكين سيطرة الحكم على الشعب، وبذلك تنال المناصب العالية والامتيازات الواسعة في الدولة.
صفحة «31» ثانيا: موقف الاستسلام والخنوع:
وطبقة لا يسمح لها وجدانها الإنساني بالتعاون مع الظالمين، ولا يقبل ضميرها بالجور والعدوان. ولكنها تكتفي بالموقف السلبي تجاه ما يحدث، فهي لا تؤيد الظلم ولا تكلف نفسها مشقة مكافحته وجهاده، بل ترضى لنفسها الخنوع والسكوت والاستسلام للأمر الواقع، مع تكرار وترديد: إنا لله وإنا إليه راجعون. وتختلف المنطلقات والأسباب التي يبرر بها أبناء هذه الطبقة خنوعها واستسلامها، ولكن أبرزها ثلاثة عوامل
1 - التضليل الديني:
ولقد أبدع الحكم الأموي في اختراع العديد من الأساليب الملتوية في هذا المجال، فاستقطب معاوية مجموعة من الصحابة ورجال الدين، وأغواهم بالمال والمناصب، وطلب إليهم القيام بهذه المهمة الخبيثة. فصار أولئك العملاء يتبارون في اختلاق الأحاديث الكاذبة على رسول الله ، التي تحذر الناس من التمرد على أوامر السلطة، مهما كان اتجاهها، لأن ذلك يعني انشقاق الأمة وتفرق المسلمين.
صفحة «35» - 2 - الفهم الخاطئ للدين:
فالدين في فهم الانهزاميين هو أن تصلي وتصوم وتواظب على صلاة الجماعة، وتتردد على الحج كل سنة وتتقلب بين روائع الأدعية اليومية والساعاتية، ولا عليك من فساد الحكم وانتشار الظلم وانحراف العلاقات العامة، أو ليس الله تعالى يقول: «عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم».
صفحة «38» - 3 - الخوف والجبن:
الخوف ذلك الشبح الرهيب الذي يخيم على النفوس الضعيفة الجبانة، فيجعلها تلتمس المبررات للتقاعس والانهزام، ويضطرها للركوع أمام الطغاة الظالمين، لتأمن بطشهم وسطوتهم، فتراها خاضعة خانعة تستجدي الحياة والبقاء من ظالم مستبد، وتنشد إلى الأرض احتفاظا بالمال والراحة.
صفحة «40» ثالثا: موقف الإيمان والثورة:
إن الإيمان الصحيح يرفض الخضوع للظلم، والاستسلام للباطل والسكوت على الجور والانحراف. ومن أولى من الإمام الحسين ، بالتزام موقف الإيمان والجهاد، ويشق طريق التضحية والنضال، يقول وأنا أحق من غيري.
صفحة «49» المنطلقات التي انطلق منها الإمام الحسين وأصحابه في ثورتهم الرائدة، والتي يجب أن ينطلق منها كل مؤمن في حياته وتحركه:
أولا: الضمير والوجدان الإنساني:
وجدان الإنسان يغضب حين يشاهد مظاهر الظلم والحرمان، وضميره يثور حين يرى حياة الجور والاضطهاد. وكل إنسان يحس بوخز الضمير وغضب الوجدان، إذا ما رأى مظلوما أو مستضعفا. وإذا لم تقف الأنانية والمصلحية حاجزا بينه وبين ضميره، فإنه سيثور طبيعيا وسيجد نفسه مضطرا للوقوف إلى جانب المظلوم المضطهد ضد الظالم المعتدي.
صفحة «52» ثانيا: المسؤولية الدينية:
فالدين يوجب رفض الظلم ومكافحة الجور وعدم الاستسلام للاضطهاد، وكلما كان الإنسان أكثر وعيا بالدين وفهما لأهدافه، كان أكثر اندفاعا وأشد ثورية من أجل الدين، وأقوى غيره على قيمه ومبادئه. وهذا هو بالضبط ما جعل الحسين ، يتحرك ويفجر ثورته بكل عنف وإصرار، منطلقا من وعيه للمسؤولية الدينية، ومن تفهمه لروح الإسلام وأهدافه.
صفحة «54» ثالثا: العزة والكرامة:
أثمن ما يملك الإنسان في هذه الحياة هي كرامته وحريته، فهي الفارق المميز بين الإنسان وبين الحيوان، فالإنسان خلقه الله حرا كما يقول الأمام علي «ولا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حرا».
صفحة «60» وقد خطط الحسين لهدفه أن يتم عبر النقاط التالية:
1 - تحطيم السلطة الجائرة:
أن منبع الآم الأمة وشقائها هو السلطة الظالمة، وكل إصلاح جزئي في ظلها محدود التأثير ولا غي المفعول، وأهم عمل تغييري هو كسر هذا الطوق من أعناق الشعب. هذا ما يراه الإمام الحسين ، فقد كتب إلى معاوية ذات مرة «وإني لا أعلم فتنة أعظم على هذه الأمة من ولايتك عليها».
صفحة «62» - 2 - إصلاح الأمة:
وثار الحسين على كل التحول الرجعي الذي حدث في حياة الأمة، وأراد إصلاحها بإيقاظ روح التضحية والنضال في أعماقها، وبإعادة الثقة بنفسها وبتذكيرها بالمبادئ الرسالية والأهداف المقدسة، التي كانت تسود حياتها.
صفحة «63» - 3 - الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
كرس الحسين ثورته من أجل هذا الهدف المقدس، من أجل أن يأمر الناس بالمطالبة بحقوقهم وكرامتهم، ومن أجل أن ينهاهم عن الخنوع والانهزام والاستسلام، يقول وهو يحدد أهداف ثورته: أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر.
صفحة «68» كانت الحاجة ماسة لقيام طليعة مؤمنة، توعي الأمة بمسؤوليتها الرسالية، ولا بد أن يكون ذلك من خلال الممارسة النضالية وعبر التحمل الفعلي لمسؤولية الثورة. وهذا ما حققته ثورة الحسين ، حيث التفت حولها طليعة الأمة الواعية رغم قلتها، وضربت أروع مثل في الثبات والصمود وتحمل المسؤولية.
صفحة «69» ولنستعرض الآن بإيجاز خاطف بعض النماذج الثورية من مختلف الطبقات:
1 - المرأة الواعية:
المرأة في الإسلام تقف إلى جنب الرجل، في تحمل مسؤولية الإصلاح، وفي مكافحة الظلم والانحراف. وهذا ما جسدته المرأة الواعية، على أرض الثورة الإسلامية - كربلاء - فإن التاريخ يسجل لها بإكبار مواقف الصمود والكفاح والتضحية.
صفحة «73» - 2 - العبيد المتحررون:
ها نحن أمام أحدهم وأسمه جون مولى أبي ذر الغفاري، وقد وقف بين يدي الحسين ، يستأذنه النزول إلى المعركة. فأجابه الإمام برقة وعطف: يا جون أنت في إذن مني فانصرف، فإنما تبعتنا للعافية فلا تبتل بطريقتنا. فلما سمع كلام الحسين تحركت الحرية في أعماق قلبه، ورفض أن تستعبده الحياة أو حب الراحة، وأجاب الحسين مستعينا بدموعه التي تحادرت على أطراف لحيته قائلا: يا ابن رسول الله ، أنا في الرخاء الحس قصاعكم وفي الشدة أخذلكم. والله إن ريحي لنتن، وإن حسبي للئيم وإن لوني لأسود! فتنفس علي بالشهادة ليطيب ريحي ويشرف حسبي ويبيض وجهي!
صفحة «75» - 3 - الشباب الرسالي:
الشباب الرسالي هو من يتخطى الإغراءات، ويتنبه لخطة الاستعمار الماكرة، ويتجه بربيع عمره وطاقاته اتجاها جديا، فيهتم بدراسة واقعه ويتعرف على أوضاع مجتمعه ومشاكل أمته، ويشارك في تقدم وطنه وإسعاده. حتى ولو كلفه ذلك معانقة الموت.
صفحة «78» - 4 - البراعم الثائرة:
الطفل مستعد لأن يضطلع بأعباء المسؤولية، ويتحمل الآم الأمة وآمالها ويشارك في صنع مصير المجتمع، رغم حداثة سنه. كل ذلك إذا عاش أجواء الثورة، وتربى في أسرة النضال، ونشأ في عائلة الإيمان. ولقد رسم أطفال كربلاء بدمائهم البريئة، صورا وضاءة للبراعم الثائرة.
صفحة «89» قيمة التضحية والجهاد:
ومن الشعائر والعبادات التي تستهدف تنمية روح الرفض والمقاومة للباطل والضحية من أجل الله والحق والحرية، الشعائر التي تقام أيام المحرم، حيث يلتقي حشود الموالين لآل البيت ، تحت لواء الثورة الحسينية الخالدة، وينهلون منها القيم الإلهية التي دعا لها الإمام الحسين وآل بيته الطاهرون ، إذا تعتبر تلك المراسم امتدادا طبيعيا لثورة الإمام الحسين. فما كان لثورة الإمام الحسين أن تنتقل عبر الأجيال إلى أن تصل إلينا، إلا عبر هذه الشعائر والتقاليد العظيمة، وهي ذاتها التي حفرت في نفوس الشيعة روح المقاومة للظلم، وميزتهم عن سائر الفرق والمذاهب الأخرى.
صفحة «93» معطيات الشعائر الحسينية:
الواقع إن الشعائر الحسينية مصدر قوة في كيان شيعة آل البيت ، ورابط قوي يربطهم بأصالتهم وجذورهم التاريخية. وهي لذلك تحتاج إلى بحث عميق لاستخراج كنوزها وتطويرها والاستفادة منها، بقدر ما أراده الأئمة من تشريعها، وتتجلى بعض فوائدها في النقاط التالية:
1 - بروز قوة الجماهير الموالية لآل البيت .
2 - تأكيد الولاء لآل البيت .
3 - إحياء مبادئ وقيم أهل البيت .
ومن أجل استفادة أكبر من هذه الشعائر الحسينية لا بد من التأكيد على الأمور:
صفحة «99» - 1 - الخطباء الرساليون:
كما يهتم المؤمنون ببناء الحسينيات الضخمة ويخصصون قسطا من ممتلكاتهم وقفا على هذه الحسينيات، ويبذلون الكثير من أموالهم لتكاليف الشعائر الحسينية. فيجب التفكير في إعداد من يدير هذه الحسينيات، ويحقق الهدف المنشود من ورائها، وهم الخطباء الرساليون الواعون. لذا يجب تشجيع أكبر عدد ممكن من أبناء المجتمع، للتوجه للدراسة الدينية وتعلم الخطابة، وتوفير مستلزمات هذا الأمر.
صفحة «100» - 2 - توسيع القاعدة الجماهير:
ينبغي دعوة سائر المسلمين وتشجيعهم لحضور المجالس الحسينية، وإقامة مثيل لها في تجمعاته، بما يتناسب مع أوضاعهم وتطوير برامج الشعائر الحسينية، بشكل يمكنه استقطاب أبناء المذاهب الأخرى.
صفحة «101» - 3 - معالجة قضايا المجتمع:
ففي الوقت الذي يحاول الخطيب أن يربط الجماهير، ويستثير عواطفهم للإمام الحسين ، ويذكرهم بمصيبته وما حل بأهله ويستدر دموعهم وأحزانهم، في الوقت ذاته عليه أن يقدم الرؤى السليمة النابعة من روافد ملحمة كربلاء، ويعرض قيم ومبادئ آل البيت ، لينهل منها كل محب لهم ويحل مشاكل المجتمع، الذي لاذ بالحسين ومجالسه طلبا للشفاء وعلاجا لمشاكله وقضاياه، فهل يحد الدواء!!
صفحة «107» في عصور السلطات المنحرفة كالأموية والعباسية والعثمانية وأمثالهم، فقد استغلت منابر التوجيه الديني، لخدمة مصالح السلطة وتكريس وجودها، وكانت تقوم بمهمتين خطيرتين:
الأولى: تزييف وتشويه الفكر والثقافة الإسلامية الأصيلة، والإعراض عن المسائل الجوهرية في الإسلام، وعزل الدين عن السياسة والحياة.
ثانيا: التضليل الإعلامي والسياسي، فالسلطة التي لا تعبر عن طموحات المجتمع وقيمه، لابد لها أن تبرر مواقفها وسياستها، وأفضل وسيلة كانت لديهم هي استغلال المنابر الدينية.
صفحة «111» ويمكننا تحديد أهم المواصفات التي يجب أن تتوفر في الخطيب ليكون رساليا، ومستحقا لرضا الله سبحانه ونافعا للمجتمع:
أولا: الالتزام والتقوى.
ثانيا: الشعور بالمسؤولية.
ثالثا: الدور الاجتماعي.
رابعا: معالجة مشاكل المجتمع.
صفحة «122» ويمكننا الإشارة إلى بعض المواضيع التي يحتاج إلى معالجتها عبر المنبر الحسيني - على سبيل المثال لا الحصر:
1 - تعميق روح التدين والتقوى في نفوس الناس.
2 - الوعي التربوي والأخلاق الاجتماعية.
3 - الثقافة الرسالية.
4 - التشجيع على أعمال الخير.
5 - التوعية السياسية ومقاومة الظالمين.
6 - الأصالة والتحديث.
صفحة «129» وفي الختام بعض المقترحات:
أرجو أن تسترعي انتباه القيادات الدينية والجهات المسؤولة الفاعلة في الساحة:
1 - مناقشة قضية الخطابة والخطباء عبر ندوات ومؤتمرات متخصصة.
2 - أن تحتوي الحوزات العلمية والمدارس على برامج ومناهج، لتربية الخطباء وتطوير مستوياتهم.
3 - لقاءات الخطباء في كل منطقة أو مدينة مع بعضهم البعض.
4 - أن يسعى كل خطيب ناجح إلى تربيه جيل من الخطباء الناشئين.
وفي الختام قال الشيخ:
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفق العاملين المخلصين لإنقاذ الأمة من حضيض التخلف، ولإعلاء كلمة الله في الأرض، وأن يجعلنا من خدام الإمام الحسين، الذين يسعدون بشفاعته يوم القيامة. إنه ولي التوفيق.