قراءة في كتاب «الحوار والانفتاح على الآخر»
اسم الكتاب: الحوار والانفتاح على الآخر
اسم المؤلف: الشيخ حسن موسى الصفار
اسم الناشر: مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي «ضمن سلسلة الدراسات الحضارية»، بيروت لبنان.
الطبعة: الثانية 2012.
الصفحات: 280 صفحة.
عدد الفصول: 22 فصلا، وكلمة المركز، وتقديم لعبدالجبار الرفاعي، ومقدمة الشيخ للكتاب، وقائمة من مراجع ومصادر الكتاب.
ذكر الشيخ حسن موسى الصفار في هذا الفصل: أن الإسلام يدعو إلى الانفتاح، ويرفض الانغلاق الفكري. ولكن الخطوة الأولى هي الانفتاح على الذات، بان يتعرف الإنسان على إمكاناته وثرواته. ثم يتطلع إلى الإمكانات الأخرى، فإذا رأى فيها ما هو أفضل، أو ما يمكن إضافته إلى ما لديه، تقويمه حينئذ يكون أقرب إلى الصواب.
وعلى المستوى الإسلامي، إن ما يخدم حركة العلم والمعرفة الإسلامية، ويساعد على تقدمها وتطورها، هو إقرار حرية الفكر، ورفع الحواجز والعوائق التي تمنع انتشار الرأي. كما إن التعارف والانفتاح المتبادل بين المذاهب والاتجاهات الإسلامية، هو الطريق إلى تحقيق وحدة الأمة، ورص صفوفها أمام الأخطار والتحديات الكبيرة.
وأورد الشيخ حسن في هذا الفصل، إن سلامة منهجية التفكير تعني تحرر العقل في بحثه ونظره من المؤثرات العاطفية، بان يعطي الإنسان لعقله حرية العمل والحركة، ولا يقيده برغباته وانشداداته العاطفية والمصلحية؛ ليقوم العقل بدوره خير قيام، وليؤدي وظيفته على أحسن وجه.
لكن لماذا يتجاوز البعض عقولهم، فيتمسكون بأفكار غير مدروسة، لا تستند إلى دليل وبرهان صحيح؟ ذكر الشيخ الصفار عدة أسباب لذلك:
أولها الجانب المصلحي، لان بعض الأفكار والآراء مصدر لكسب مصلحة مادية، من مال أو جاه أو منصب، فيتشبث بها المنتفع منها، لا لثبوت صحتها وأحقيتها عنده، بل لما تجلبه من مصلحة. ثم من ذات المنطلق يتحمس للدفاع عنها والترويج لها.
ثانيا رغبة التوافق الاجتماعي، وهي من سباب فقدان الموضوعية، في التعامل مع الأفكار. فإذا كانت البيئة الاجتماعية المحيطة بالإنسان، ذات اتجاه معين، فان الفرد يتهيب مخالفة مجتمعه، ويخشى العزلة، مما يخلق عزوفا عند الفرد، من التفكير خارج ما هو سائد ومألوف، استسلاما لحالة العقل الجمعي.
ثالثا: التقديس والانبهار ببعض الشخصيات المتميزة، لمل لها من بموقعية كبيرة في نفسه، فيمنحها الكثير من الثقة والولاء، لما يلحظه من إخلاصها الديني، إو انجازها العلمي، أو دورها الاجتماعي.
لكن ذلك لا يصح أن يتحول إلى تبعية عمياء، وتقديس مطلق، وانبهار يفقد الإنسان ثقته بعقله، ويسلبه القدرة على النظر والتفكير. فان احترام العقل يستوجب عدم التدخل العاطفي في ميدان عمله، وعدم إرباك حركته الفكرية بالميول والانفعالات. وان عليه الحذر واليقظة، حتى لا تتغلب عواطفه على عقله، فتقوده إلى الخطأ والانحراف.
وفي هذا الفصل يذكر الشيخ الصفار، أن الحوار يساهم في تنشيط حركة المعرفة والثقافة في المجتمع، ويدفع الناس للتفكير والبحث والمقارنة. كما ويؤدي وظيفة مهمة على صعيد تحقيق الاستقرار والسلم الاجتماعي، وذلك لان قسما كبيرا من المشاكل والأزمات في العلاقات الاجتماعية، تنشأ من جهل الناس بعضهم بعضا.
وذكر المؤلف تحت هذا الفصل، أنه من الطبيعي أن يحفل تراثنا الإسلامي بالكثير من المفاهيم والتعاليم، المرتبطة بأساليب الحوار وطرقه الصحيحة، ذلك أن الإسلام إنما شق طريقه إلى الناس عبر الحوار، حيث لم يكن رسول الله يمتلك في مكة عند بداية الدعوة، قوة ولا ثروة ولا منصب. لكنه استطاع بقوة منطقه وثبات حجته، أن يقنع الآخرين ويستقطبهم إلى جانب الدين الجديد.
وجاء تحت هذا العنوان أن سلامة المقصد والأستهدافات، من عملية الحوار ركن أساس لتحقيق نجاحه، وفي ما يلي عرض لأهم الأركان الأخرى في أخلاقيات الحوار:
أولا: موضوعية البحث ومنهجيته: فعلى المحاور أن يكون موضوعيا، فلا يرد دليلا صحيحا مكابرة وعنادا، ولا يستخدم المغالطة والمناورة بطرح ما ليس له حجية ودليلية كبرهان ودليل.
ثانيا: الاحترام المتبادل: ويعني إبداء الترحيب بالطرف الآخر، ومخاطبته باحترام، والإصغاء لكلامه، وعدم مقاطعته، وعدم تجريح شخصيته، وأهانته، أو اهانة رموزه ومقدساته.
ثالثا: نقاط الالتقاء: أن يبحث الطرفان عن نقاط الالتقاء بينهما، وموارد الاتفاق، ويبدآن بالتأكيد عليها، والانطلاق منها لمناقشة قضايا الاختلاف.
رابعا: التعددية والرأي الآخر: حتما لن يصل الطرفان المتحاوران إلى رأي واحد، وقد يعجز كل منهما عن إقناع الآخر بوجهة نظره، وقد يفشلان في الالتقاء عند منتصف الطريق. وهنا لا بد من قبول التعددية، والاعتراف بوجود الرأي الآخر، لان الدنيا تتسع للجميع، وحرية العمل والحركة متاحة لكافة لبني البشر.
قال الشيخ حسن موسى الصفار، لقد فرق العلماء المسلمون القدامى بين نوعين من التعصب، تبعا للنصوص الدينية. المذموم منها وهو الانحياز لشيء، والدفاع عنه دون مبرر معقول. والمحمود فهو الانحياز لشيء والدفاع عنه، انطلاقا من معطيات موضوعية واقعية.
ذكر الشيخ حسن، لمواجهة هذه الظاهرة لا بد من تظافر الجهود الواعية، واستنفار القوى المخلصة، لمواجهة هذه الظاهرة الخطيرة، التي تهدد مستقبل الإسلام والأمة، بما تسببه من انقسام وتمزق داخلي، وتأجيج لصراع الحضارات بين الإسلام وسائر الأمم.
وفي هذا الفصل يواصل الشيخ حسن موسى كلامه، أن الحياة ميدان سباق يتفوق فيه رواد التطوير والتجديد. فالمجتمع الأكثر تجديدا وإسراعا وتطورا، يحرز التقدم ويفرض نفوذه وهيمنته. بينما المجتمع الراكد البطيء الحركة، تتأسن أوضاعه ويصيبه الهرم، ويصبح متخلفا يخضع لهيمنة المتقدمين.
وفي مسيرة الحياة تواجه المجتمعات مشاكل وتحديات، قد تتطلب موجهتها نوعا من التجديد في الأفكار وتطوير في المناهج، وتحديث في الوسائل والأساليب. فإذا تلكأت المجتمعات في حركة التغيير، وتشبثت بما اعتادت عليه والفته، فستهزمها التحديات، وتعرقل مسيرتها المشاكل والأزمات.
وهنا قال الشيخ، أن روح التجديد والتطور، تعني امتلاك صفات وسمات، تملأ حياة الإنسان بالحيوية والنشاط، وتدفعه للإبداع والانجاز، وتجعله يتخطى العقبات والحواجز. ومن تلك السمات: التطلع والطموح، الثقة بالنفس، انطلاق العقل، الشجاعة والجرأة.
وهنا قال المؤلف، التفوق لا يأتي إلا ببذل الجهد وتحمل العناء، لذلك يكون المتفوقون قلة. وهنا يأتي دور التشجيع والتقدير في رفع معنويات رواد الإبداع والتفوق، وامتصاص آثار التعب والعناء الذي يواجهونه في طريقهم، مما يجعلهم أكثر عزما وتصميما على الانجاز والتقدم. وان تكريم المبدعين يرفع درجة الطموح والتطلع نحو التقدم والإبداع، لدى أبناء المجتمع.
كما جاء في هذا الفصل، أن هناك تلازم بين العقل والدين، وإذا رأينا انفكاكا وانفصالا بينهما، فيجب أن ندقق النظر، لنكتشف نقطة الغموض والاشتباه، في ما اعتبرناه دينا وعقلا. فالدين الصحيح لا يصادم العقل السليم، والعلاقة بينهما علاقة تكامل ودعم متبادل. حيث يرشد العقل إلى الدين، ويوجه الدين إلى العقل.
أورد الشيخ حسن الصفار، أن هناك لون خطير من ألوان الغرور، قل أن تسلط عليه الأضواء، وهو الغرور الديني. ونعني به اعتقاد الإنسان بامتلاكه للحقيقة الدينية المطلقة، وانه أفضل ذاتا من الآخرين، وان مجرد انتمائه وانتسابه لهذا الدين أو هذا المذهب، وقيامه بهذه الممارسة الدينية، يعني الفوز والنجاح في الدنيا والآخرة. وهذا النوع من الغرور يشل فكر صاحبه ويجمد عقله، وينحرف به عن الطريق القويم، ويوفر له الأعذار والتبريرات لكل تقصير أو خطأ يصدر منه، كما يدفعه إلى التعالي والاستهانة بحقوق الآخرين.
أورد الشيخ حسن، أن الكنيسة المسيحية وعبر تاريخها الطويل، كانت ابرز مثل لاستغلال الدين، وممارسة الظلم باسمه وتحت شعاراته. فبدل من أن تنشر المحبة والعدل، وتدافع عن المظلومين والمستضعفين، وتكافح الجور والظلم، كما هو جوهر الأديان السماوية، إذا بها تصبح على العكس من ذلك تماما.
قال الشيخ الصفار، حصل اللقاء في العاصمة الرياض ولمدة أربعة أيام، ومن تاريخ 15/4/1424. وضم نخبة من العلماء والمفكرين، والمهتمين بالشأن العام، يزيدون على ثلاثين شخصية، من مختلف مناطق المملكة، يمثلون مختلف التوجهات المذهبية والفكرية الإسلامية، من السنة والشيعة.
ذكر الشيخ، أن من اجل تعزيز الوحدة الإسلامية والوطنية، ولتكريس منهج الحوار على مستوى الأمة، لا بد أن ننفض عن نفوس المواطنين وعقولهم غبار ثقافة التطرف والتشدد، ببعث حركة ثقافية وحدوية تنطلق من محورية حقوق الإنسان، وتركز على حرمة المسلم، تؤكد الوحدة الوطنية، وتساوي المواطنين في الحقوق والواجبات.
هنا قال الشيخ المؤلف، يمكن رصد مجموعة من المؤشرات الايجابية في مؤتمر التقريب بين المذاهب الذي أقيم في البحرين، لصالح حركة التقريب ووحدة الأمة الإسلامية:
أولا: انه أول مؤتمر يعقد في الخليج والجزيرة العربية، لمعالجة قضية العلاقة بين المذاهب.
ثانيا: كانت هناك مشاركة طيبة لمجموعة من الشخصيات المنتمية للاتجاه السلفي، قدمت خلالها البحوث والقيت المداخلات وعقدت اللقاءات.
ثالثا: جاءت مشاركة علماء وشخصيات من العراق من الشيعة والسنة في المؤتمر، لتؤكد إرادة الشعب العراقي في الوحدة وتفويت الفرصة على الأعداء والمغرضين.
رابعا: تميز المؤتمر بمشاركة شخصيات نسائية، من الرائدات في العمل الإسلامي والاجتماعي، حيث قدمن بحوثا طيبة، وشاركن في الجلسات وإلقاء المداخلات.
ومن ابرز العوائق التي واجهها المؤتمر، هو رفض بعض الفئات الإسلامية قبول التعددية في الرأي، وإصرارها على محاكمة الرأي الآخر، وفق مسلماتها وعلى ضوء مرجعياتها. مبررة ذلك بان الخلاف في القضايا العقدية غير مقبول، وهو يعني التفرق المذموم في الدين.
ويذكر الشيخ في كتابه، إن اعتقاد الإنسان بصواب رأيه وإخلاصه له، ورغبته في إتباع الآخرين له، كل ذلك مشروع، لكن ليس عبر الفرض والوصاية، وإنما عن طريق الإقناع.
وجاء في كتاب الشيخ، أن الطريق المشروع والنهج الصحيح لنشر أي فكرة ومبدأ، هو عرضها بأحسن بيان والدعوة إليها بالمنطق والبرهان، والجدال عنها بأفضل أساليب التخاطب مع العقول والنفوس، وذلك هو النهج الإلهي الذي قرره القرآن الكريم، بقوله تعالى «ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجدالهم بالتي هي أحسن».
وفي هذا الفصل قال المؤلف الصفار، إن من أسوأ أمراض الساحة الدينية في مجتمعاتنا، ما يسود معظم أجوائها من حالات الصراع والخصام الداخلي، وسعي بعض الجهات لممارسة دور الوصاية على أفكار الآخرين. فما تراه هي هو الحق المطلق، الذي لا يجوز لأحد الخروج عليه، وإلا استحق النبذ والطرد والمحاصرة والإلغاء، وأصبح مستهدفا في وجوده المادي والمعنوي.
أورد الشيخ الصفار في هذا الفصل، أن مجال البحوث العقدية وميدان علم الكلام، هو ما تشكو فيه حركة التواصل المعرفي بين مذاهب الأمة وتياراتها من الخمول والركود. حيث لا يزال هذا الميدان ساحة للصراع ومعتركا للنزاع، تسود أجواءه حالة التوتر وتسيطر على حركته حالة التشنج. واكبر شاهد على ذلك كتابات التهريج ضد هذا ألمذهب أو ذاك، وفتاوى التكفير ضد هذه الطائفة أو تلك. والمنظرات غير العلمية التي تبثها بعض الفضائيات، والمشتملة على كثير من والمهاترات، التي تؤجج نار العداوة والبغضاء بين المسلمين.
وفي هذا الفصل قال الشيخ حسن، لا يمكن ادعاء العصمة والكمال لأي جهد بشري، باستثناء ما صدر عن وحي الهي وتسديد خاص. لذلك من الطبيعي أن يحتوي التراث على نقاط الضعف والقوة والغث والسمين والخطأ والصواب. كما أن تناقل التراث عبر مسيرة زمنية، تجعله معرضا للشوائب والتحريفات.
وفي هذا الفصل الأخير قال الشيخ، إن من الطبيعي أن تكون للمجتمعات معارضات وتحفظات، من الأفكار الجديدة، وتنطلق معرضتها وتحفظها غالبا من الأسباب التالية: اللامبالاة، الاسترسال، عدم الثقة بالنفس، الخوف من الاعتراض.