تقديم كتاب «أحاديث في الدين والثقافة والاجتماع» - المجلد العاشر
الشيخ حسن الصفار تطابق الشخص والنص
أنا على قناعة قد لا تكون موضوعية بأن سماحة الشيخ حسن الصفار البسيط أو المتبسط أو المتباسط جدًا ولغاية نبيلة هو رجل إشكالي جدًا.. وإشكاليته تشكل جاذبًا لأصدقائه نحو المزيد من الصداقة ولخصومه نحو الأقل من الخصومة.. ولكن ذاتيتي في هذه القناعة مبررة، يبررها وجداني الذي لا يخضع للقواعد الصارمة في النقد والتقييم، ولأن علاقة هذا الوجدان، كأي وجدان فردي لا ينمو في مقابل الجماعة، وإن تمايز عنها أحيانًا لأسباب تتصل بالتكوين الفردي وخلق اللّه الذي يتشابه ولا يتماثل ليرتب على الفرق بين الأشباه، أحكامًا تجعل المساواة بينهم في الحقوق والواجبات، مشروطة بالعدل، حتى لا يتساوى المحسن مع المسيء، ولا تتساوى نسبة الإحسان بين محسن ومحسن فيؤثر ذلك سلبًا على مقتضى العدل والخلق الذي يلزم العقلاء والأوفياء بالتشجيع على الإحسان والمكافأة المعنوية على الزيادة فيه طمعًا في الاستزادة منه.
هذا على أن التصدي للرعاية الاجتماعية والمعرفية كممر إجباري للدين على أهله وطريق للمتدين إلى دينه إلى ما فيه (ذاك التصدي) من تحدي تحقيق وإثبات الفرادة، فيه أيضًا حافز وداعٍ إلى ضرورة الاعتراف بالفضل لأهله.. كيف لا والذين يتصدون لهذا الأمر الجليل في بناء الأجيال وحراسة القيم وتنمية العلائق الاجتماعية وتوسيع المشتركات الإيمانية وتضييق المساحات الخلافية، هم رواد تاريخيون يحفرون فعلهم في صخر التاريخ، وإن كانت ضآلة الإمكانات المدنية والتقنية في الماضي، تؤجل موعد اكتشافها لدى الأجيال المعنية بسلوكهم وتراثهم الإعماري ليعودوا فيلاقوا الإنصاف الذي يستحقونه وإن لم يقصدوه، في أواخر حياتهم أو بعد مماتهم الذي يتحول إلى حضور في الحاضر والمستقبل..
هذا النموذج الفاعل الشيخ حسن الصفار استطاع أن يستخدم وقته وجهده وصداقاته وعلاقاته بالورشة التي يشتغل فيها، في تحويل إسهاماته الجميلة إلى وثائق تسهم في إفشاء السلام بين المؤمنين، وتفتح القنوات بين الجزر المذهبية حتى تتكامل، ولا تكون أسيرة الحصار المعرفي الذي يمنع التبادل والتداول، ويقيم الاختلاف على فرضية الخلاف، ويحول التعدد إلى عائق ونقيصة، بينما هو في علم اللّه وكلامه علامة حيوية وكمال ومنشط للحوار، وزيادة المعرفة بالذات من خلال معرفة الآخر، مشروطًا في كل ذلك ليفعل أن تكون المحبة والميل إلى التفهم والتفاهم واللغة الواضحة والدالة وغير الملتوية وسيلة إلى الوصول وترسيخ الشراكة، وتعلو قيمة هذه الاعتبارات عندما يتوفر عليها رجل كالشيخ حسن الصفار مشغول بإلغاء المسافة بين ظاهره وباطنه، عنايته بتقريب المسافة بين أبناء جماعته وبين مختلف الجماعات في أمته أو وطنه.. عاملًا على التقريب بين المسلمين، إلى حيث يصبح في قناعة الجميع أو أهل الطليعة والريادة منهم أنه إذا كان التقريب هو شأن البعض فإن التقارب هو شأن الجميع، وهم الذين يؤسسونه ويعمقونه من خلال الشراكة في الإيمان والحياة والأفكار والقيم والمصالح، ليأتي دور أهل العلم والمعرفة في إسناده بما يجعله خيارًا واعيًا إذا ما أراد الجميع درء المفاسد عن الجميع، وجلب المصالح للجميع بالجميع.
وليصبح دور الدولة الحاضنة الجامعة أن تحرس بالشرع والقانون والآداب والمؤسسات حركة التقارب بين مواطنيها المتعددي الانتماءات أو الحساسيات في فضاء واسع مشترك من الدين والثقافة والعيش المشترك، ما يحوّل الدولة من سلطة منفصلة إلى مؤسسة متعددة الوظائف، مشغولة بوظيفة أساس، هي تعزيز نصاب الوحدة بين مكونات اجتماعها بتنشيط الحوار فيما بينها، وتنشيط الحوار بينها، وبين الدولة، لتستقرّ الدولة بالإصلاح على حالها والمرجو منها في كونها تقوم مقام الضرورة من الاجتماع الذي إذا انفصلت عنه أو عن بعضه تحولت إلى مصدر إضرار به وإضرار بها، كضرورة لا يستغنى عنها إلا من يريد أن يضحي بدينه من أجل دنياه، أو من يريد أن يحول دنياه إلى جحيم، ومن دون أن يكون إهماله لإدارة الشأن العام في الدنيا أكثر من ذريعة يتوسلها المبطلون للتشكيك في جدوى الدين أو ضرورته، خاصة في الحالات التي تكون فيها الدولة الراعية مسكونة أو معنية بالدين كنظام قيم تقوم حراسته مقام المؤهل الأساسي أو الإضافي للدولة لأداء دورها والقبول به والإصرار عليه..
هذه الأفكار والمعاني تترادف في ذهني عندما أقرأ الشيخ حسن الصفار، معضودة بذاكرة شخصية تكونت له فيها صورة تشبه صورة النحلة التي من أجل العسل لها ولنا تتأبى أو تشيح النظر عن الورد العاقر الذي لا رحيق فيه، أو فيه رحيق مسموم، من دون أن تغريها الألوان الزاهية، أو يغريها قرب الوردة لأنها قريبة، وإن كانت قليلة الرحيق، أو أنها أفسدته بالعزلة عن الحقل الواسع، فتمكن فيه النقص بالتوحّد في مقابل الغنى في الكمال بالوحدة.
وتذهب النحلة.. بعيدًا.. من القطيف والأحساء إلى الرياض وإلى الحرمين الشريفين.. حاملة معه ما ادخرته من تجواله في الأفق العربي والإسلامي.. يذهب الشيخ حسن إلى اكتماله واكتمالنا بالآخر المختلف اختلافًا يؤول إلى ائتلاف إذا ما تبادلنا المعرفة بدل الجهل، وأسسنا عليها التعارف بدل التكارف..
ولا يقبل الشيخ حسن أن يتنصل من مكوناته الخاصة شرطًا لقبول الآخر له. ولا يشترط على الآخر أن يتنصل، لأن الوفاق لا يقوم على النفاق، بل يقوم على معرفة ننتجها معًا بالخاص والعام، فنضبط الخاص بالعام ونثري العام بالخاص، كما يريدنا اللّه تعالى ورسوله والأئمة والصالحون من سلفنا، والآتون يرعف بهم الزمان ويقوى بهم الإيمان من أجيالنا المؤمنة الواعية.. وتثبت قول علمائنا عن رؤية الكثرة في عين الوحدة والوحدة في عين الكثرة، لأن أعمالًا وسيرة وكتبًا وخطبًا من هنا وهناك وهنالك من حسن الصفار إلى كل أبطال الاعتدال في هذا الزمن الذي ينتشر فيه التطرف كالأوبئة المعدية.. لأن هذه الأعمال تولدت ونمت وشبت وبلغت رشدها في رحم النص القرآني التوحيدي، الذي يرقى بالاختلاف إلى مستوى الدلالة على عظمة المدبر وحسن التدبير.. ثم يعود وببلاغة بالغة وحاسمة ليقرر أنه أي التعدد المحكوم بالوحدة تطبيقًا للتوحيد من أهم وأجمل مرادات اللّه في خلقه، ومشيئته التي لفرط وحدتها ونزاهتها وتنزهها حلت على التعدد لترقى به إلى مستوى المناخ الباعث على المزيد من التعبد بقبوله والتدرب والتفرغ لإدارته بالحسنى.. بالحوار، بالحب، بالرحمة، بالوحدة، بالمودة، باللقاء الدائم في المشترك حديقة الروح ومكانها الأمثل ومكانتها العليا.
﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ﴾[سورة هود. الآيتان: 118 ـ 119].
هذا ما أثاره فيَّ هذا الدأب المأنوس جدًّا في حياة الشيخ حسن الصفار حيث وجدت أمامي مجلدات من خطبه وندواته التي حولنا بعضها سابقًا إلى مادة تثقيف بأساليب الحوار، في لبنان وغيره.
وكتبت ما كتبته حتى الآن من دون رجوع لأن طول العشرة وخبرتي بالرجل تجعلني قادرًا على تلخيصه من دون ظلم ومن دون قراءة تفصيلية.. لأني قرأته بعدما أغراني وأغريته بقراءتي، فتقارأنا واختلفنا واتفقنا، وما زلنا نختلف ثم نكتشف أن الخلاف هنا صحيح وجميل وغير مضر، وأنه هناك ليس صحيحًا ولا جميلًا ولا مفيدًا، ونتراجع ونتفاهم، وهذه حاله مع جميع أصدقائه ورفاقه.. ما جعلهم أو جعلني لا أتوقع منه إلا خيرًا من دون أن أتبرع له بالعصمة. ولو كان قد توهم العصمة لما تحرك بهذه السرعة وبهذا الإصرار على الحركة، ولما اكتسب معرفة أو أكسب.
لقد قرأت ثلاثة من مقدمات مجموعات الشيخ حسن الصفار وهي كلها غنية وافية ووفية، إلا أن مقدمة رفيق العمر والحبر السيد محمد حسن الأمين أخذتني إلى ما كنت أعاينه على مدى ثلث قرن من هموم ومواهب في بناء العلاقات وتبادل الأفكار، ومن حكمة ودأب وصبر وشفافية لدى الشيخ حسن الصفار، الذي يجعلك تعرف بسهولة كيف تحبه وترافقه وتشاركه وتختلف معه.. وتعرف أيضًا أن من الصعب مفارقته والتصحر الروحي أو الخلاف معه، لأن الاختلاف معه مولد معرفة، والخلاف بما يعني من قطيعة لا تصل إلى درجة القطيعة بين متباينين مصرين على التباين.. هذا الخلاف يسبب شيئًا من فقرك المعرفي والإنساني والوجداني والروحي، وهو الشيخ حسن لا يسمح لك أن تظن أنه لا يشعر بالفقر المعرفي عندما ينقطع عن المختلف ويؤثر الخلاف.
أما الخصومة مع الشيخ حسن الصفار، وهو يستحيل عليه أن يعادي أو أن يدفع أحدًا إلى العداء معه، الخصومة معه غير متاحة وغير منطقية.. وهو رجل غير (خصِم) لا يحب ولا يتقن الخصومة، لا لأنه مزاجيًا غير خصامي، بل لأنه لا يجد في أي مورد من موارد الاختلاف ما يصلح أن يكون سببًا للخصومة (إلا أثناء النقاش العلمي الذي تصبح الخصومة حتى المتعمدة من أهم دينامياته ).. وإذا ما حصل ما يعكر صفو هذه الملازمة للحوار مسببًا خصومة على أساس أنك على حق مطلق! وخصمك الصفار على باطل مطلق! ثم يحدث أن تكتشف أنه لا يماريك في بطلان الباطل وحقيقة الحق، بشرط النسبية، وخصامه الظاهر يأتي من قلقه على المبطل الذي لا يريد له الإصرار على المعصية، وطالما أنه قادر على التواصل معه لوقايته فإنه يحمل الحق مسؤولية الباطل فيوكل إليه.. إلى الحق، إلى نفسه، أن ينتظر المصرّ ولو طويلًا على باب المراجعة والمصالحة والمشاركة.
وإذا كان الخطأ مسببًا عن قصور لا تقصير ولا عمد آثر الشيخ أن يشارك خصمه الآتي من علمه ومشاعره ووجعه حتى ينتهي معه إلى حال. لقد شعرت بالغيرة بعد الغبطة، مما قرأته من مقدمة السيد الأمين، فقد اهتدى إلى مفاتيح الشخص والنص فوجد المفتاح واحدًا، وهذا اكتشاف يسجل له، وقلت: استخدم هذا المفتاح لأكتب نابشًا أو مرتبًا أثاثات هذا البيت الثقافي الثري. فوجدت السيد الأمين وقد فعلها قبلي ولم يترك لي أن أكتب حاشية على مقالته تطرزها من أذيالها بكلماتي، وتكون صالحة لتكون وشيًا على عباءة الشيخ حسن، وزينة على مسوحه الدينية التي إذا ما حاكت ما فيها، أي انسجمت وتكامل شكلها مع محتواها أصبح الملبوس جزءًا من اللابس، ما عبّر عنه السيد الأمين في مقدمته للجزء الرابع من «أحاديث الشيخ حسن الصفار». وأنا أوقع عليه وأعتبره علامة اكتشفها السيد في الشيخ الذي لابس بين الشخص والنص، حتى صار الشخص نصًا والنص شخصًا، تمامًا كما تمتلئ بشعر شاعر ثم إذا ذهبت معه إلى وراء القصيدة وجدت قصيدة أخرى تعيدك إلى الأولى. ولا يهتدي إلى هذه الملابسة التي هي من المواهب وإن احتاجت إلى وعي صاحبها وقصده، إلا الشخص الذي بلغ بشخصه مرتبة الفرادة، وبلغ بنصه آخر احتمال بالإبداع والتماسك، أعني السيد محمد حسن الأمين الذي أقرأ وجهي في وجهه ونصي في نصه، وأعني الشيخ حسن الصفار الذي تختلف مفردات جملته وتركيبها وحساسيتها الفنية، عن جملة السيد الأمين وحساسيته وعني، من دون تناقض، وأعني الشيخ حسن الصفار الذي تعود علاقتي به ومع رفاق دربه إلى ثلث قرن لم تتعطل فيها مراجعاتهم ونقدهم لتجربتهم إلى أن انتهت إلى أمثولة في تحقيق الاندماج، على صعوبته بسبب المتراكم الفصالي التاريخي، في أوطانهم وأقوامهم، من دون أن يبتزوا أحدًا، أو يكونوا موضع ابتزاز من أحد.
هذه العلاقة، به وبرعيله ورهطه، لم تتخللّها إلا قطيعات قصيرة، سببها أني حريص جدًا على توتر لا أخفيه حتى يقع صادمًا على هدوء الشيخ حسن، فأقطع يومًا، يومين أو شهرين، لأكتشف أن فضائي يشكو من فراغ في حين يكون الشيخ قد اغتنم فرصة القطيعة لتنمية الشوق والمحبة التي تعود لتجمعنا على الطريق معًا، في سعينا إلى تعزيز الوحدة في المتعدد، وتوظيف التعدد في الوحدة، من أجل مزيد من الوحدة، من دون إلغاء من طرف للآخر لأنه أقوى ، أو تبادل الإلغاء بين أطراف متفاوتة القوة أو متكافئة.. لأن حفظ ما في المجموع أو آحاد الأطراف من قوة لا تحمى ولا تنمو إلا بالجميع وإن اختلفوا..
هذا الشيخ النص أو النص الشخص في الشيخ حسن الصفار، له مثيل فيه أيضًا هو ذلك السر العلني والعلن السري، ولي على ذلك شواهد كثيرة، أهمها أن اهتمامه بالتقريب من خلال الحوار الدائم لا يحمل أي شائبة، وهو من الجد فيه كما لو أنه مشروع عمره لدنياه وآخرته.. وأنا أحببته فيه وأحببته عليه لأنه مشروع عمري.. بل هو مشروع عمرنا جميعًا، إن أردنا لهذا العمر أن يكون عمارًا وعامرًا بالفضيلة والسلامة والتوحيد الذي إن لم يهد إلى الوحدة تعرض للنقص أو الخلل.
في ختام كلامي عن هذا العمل الواسع بما تضمنه من دأب وتنظيم لافت، لهذا العالم الناحل، الذي تقرأه وتسمعه أكثر مما تراه، فتراه بأذنيك وتقرأه بأصغريك، أشكر اللّه، باسم أهل الاعتدال الصابرين على ثقة باللّه والغد، على الخرق الذي حققه الشيخ حسن الصفار بسلاسة في جدار القطيعة، نحو أرض الحوار الخصبة، وأرض التقارب العطشى، وأشكر رفاق دربه الذين عرفتهم وأحببتهم في اللّه وللّه، وأشكر من فتحوا أمامه عقولهم وقلوبهم من علماء بلده، وانتظروه وراء الجدار المفتعل، أو على الضفة الأخرى، من نهر نجد والحجاز والرياض وجدة والقطيف والإحساء، وصولًا إلى النبع الأصفى في مكة، وإلى الرافد الأعلى في المدينة، وإلى أطراف الجزيرة من شرقها إلى غربها وشمالها إلى جنوبها، حيث يفيض النهر على الجوار ومختلف الأصقاع والأمصار، حاملًا الزلال والطمي الحلال من مملكة العرب ومثابة الإسلام والتوحيد الجامع، الذي يزداد جمعه جمعًا عندما نقرر أن نجتمع فيه وبه، ويبقى على سعته ولكن يضيق صدره بنا، عندما نكف عن الاجتماع في حضرته، أو نتوارى في كهوفنا وأقبيتنا التي نسميها باسم مذاهبنا، وما هي إلا اختزالات ظالمة لتنوعنا وتنوعها العلمي المحض.
شكرًا للشيخ حسن الصفار وللذين حاوروه، وحاورهم على بساط أحمدي، في منتديات المملكة وخارجها، وفي الملتقيات الأهلية الرائدة، أو المؤتمرات الرسمية المرعية، وأختم باستعراض لبعض أدلتي من كلام شيخنا الصفار على صحة ما استنبطه من وجوب أو استحباب في الإصلاح والتنوير، وإيثار الوحدة على التجزئة، واحتياطات التوحيد والوحدة. إنها أدلة على اعتدال الشيخ حسن الصفار في كل شيء.
من الطبيعي أن تكون هناك إفرازات لا تجاه التشدد المذهبي، تتمثل في فتاوى التكفير.. والدعوة إلى الانفتاح والتقريب إنما جاءت لإنقاذ الأمة من هذا الواقع السيئ. ص 157.
للالتفاف على مطلب الوحدة، يطرح بعض المتشددين شرطًا تعجيزيًا لتحقيق الوحدة وهو إلغاء الطرف الآخر. ص 151.
إن الإفراط في الوعظ الديني في جانب العذاب والموت هو أمر خاطئ، كما أن تجاهل ذلك أمر خاطئ. ص 193.
ولا ينسى لبنان.. وإن كانت مقاربته لأوضاعه أحيانًا مأخوذة بخطاب أكثر من خطاب آخر.. يقول بوجود «تيارين متنازعين.. وكل تيار يضم مختلف التوجهات من الشارع اللبناني.. والتياران يمثلان السلطة من جهة والمقاومة من جهة أخرى». ص 190.
أما الآن فإن ما يصفه باتجاه السلطة أصبح في ما يصفه باتجاه المقاومة، وفي رأينا أن للقسمة نصابًا آخر غير مناقض لهذا النصاب، ولكنه غير مطابق له تمامًا، وليس ساكنًا بل متحرك ومتغير ومركب وعلى أساس أن المقاومة لا تختزل بالسلاح والمسلح، وأن الشراكة فيها ليست حصرية بفئة دون أخرى، وإن كانت نسبة المشاركة متفاوتة حتى لا نظلم المقاومين المباشرين. إلى ذلك فهناك من يرى أنه لا بد من التفريق المنهجي المدقق بين المقاومة المسلحة وبين سلاحها في لحظة سياسية للحفاظ على كل المعاني والأدوار.
هناك قسم من الناس يبقون منشغلين بالجدل والخلاف الديني بين أتباع الأديان والمذاهب، كل ينادي بأحقية دينه ومذهبه ومعتقده، وهو جدال عقيم، يلهينا بأمور تفصيلية صغيرة عن القضايا والأمور الكبرى التي تجعل لنا دورًا في الحضارة الإنسانية المعاصرة. ص 378.
ولعله من حق سماحة الشيخ علي وحقي عليه أن أدعوه إلى التدقيق في بعض الأفكار التي سجلها عن توجهات الإمام موسى الصدر.
قوله: «كان العمل على تأسيس مجلس يقود الطائفة ويجمع كل الكفاءات العلمية والسياسية ويكون المظلة التي تتحرك من خلالها الطائفة بحقوقها »، هذا صحيح بشرط إعادة وضعه في سياقه الوطني؛ لأن الصدر لم يرد أن يميز الطائفة لا في حراكها ولا في مطالبها، بل هو هدف إلى مزيد من دمج الشيعة في قومهم ووطنهم ودولته من خلال العدالة للجميع.
قوله: «عندما قرأ الإمام الصدر الوضع في لبنان ووجده متجهًا لتكوين التكتلات العسكرية قرر أن ينشئ حركة أمل لتحمي هذا «الكيان الفتي»، وفي رأيي وفي المعلومات المعروفة أن الإمام الصدر لم يرد ولا مرة أن يتشابه مع الوضع العسكري الميليشياوي في لبنان. وإنما أسس حركة أمل كفرع من فروع الحركة (الأم) وهي حركة المحرومين، أما حركة أمل فكان هدفها الجهاد لحماية الجنوب من العدوان الإسرائيلي ودعم الصادقين من المقاومين لتحرير فلسطين.. وقد دفع الإمام الصدر ثمن معاندته للحرب وصراع الميليشيات العسكرية الذي ترك أثرًا سلبيًا على المقاومة وعلى حركة المطالبة. كان الإمام الصدر من خلال حركة المحرومين يريد إنصاف الشيعة بتحقيق حضور لهم في بنية الدولة والسلطة تعادل أو تقل ولكن قليلًا عن حجمهم وحضورهم في عمران لبنان وازدهاره.. ولكن بشرط أن يكون المدخل سلميًا..
وبعد إخفاء الإمام الصدر غابت حركة المحرومين، وحضرت حركة أمل كفريق عسكري لبناني، وتحققت بعض مطالب الشيعة فعلًا في الدولة ولكن عن طريق العسكر، ما كان داعيًا إلى الرضا لولا أن المعايير المهنية والمسلكية لم تراعَ تمامًا.
وختامًا سواء اتفقنا مع سماحة الشيخ الصديق، الجاد، والدؤوب والمخلص، أو اختلفنا معه في تحليل بعض الأحداث والوقائع، فإننا متفقون معه على منهجه التقريبي وحرصه على أن تكون الوحدة تجليًّا لتوحيدنا.
ولعل من أهم ما يجعلنا نراهن على مسلكه التوحيدي والحواري والإصلاحي، موقعه المحترم في أوساط العلماء المسلمين في المملكة وخارجها، الذين يثبتون اعتدالهم بانفتاحهم على المعتدلين من أمثال سماحة الشيخ حسن الصفار.
السيد هاني فحص ـ لبنان
30/6/2011م