ألقى محاضرة بعنوان «صناعة المحبة» في حسينية الكاظمية
الصفار: كل المسلمين سنة وشيعة يحبون أهل البيت... والاختلاف في اتباع نهجهم
ألقى المفكر الاسلامي الشيخ حسن الصفار من المملكة العربية السعودية محاضرة تحت عنوان «صناعة المحبة»، قائلا ان الانسان المؤمن يطلب من الله ان يكون خاليا من الأحقاد والضغائن مسترشدا بقول أمير المؤمنين «من ساء خلقه فقد عذب نفسه» لان البغضاء والكراهية تعقد حياة الانسان مؤكدا ان هذا لا ينطبق على الفرد فقط انما على المجتمع ككل. في الحسينية الكاظمية «البكاي»، في منطقة الشعب مساء امس الاول بحضور الوزير الأسبق عبدالهادي الصالح وجمع غفير من المؤمنين والمؤمنات قال الصفار: ان صناعة المحبة تقع في ثلاثة محاور الأول عطاء المحبة ومسألة الكراهية والثاني استخدام المحبة وآلياتها والثالث واجب نشر محبة أهل البيت.
وقال ان المحور الأول يتكون من ابعاد ثلاثة له جسم يحتاج الى المستلزمات المادية وله عقل يحتاج الى غذاء وله مشاعر وأحاسيس وهذه تحتاج الى اشباع مؤكدا ان غالب الناس تهتم بحاجات أجسامهم وآخر يهتم بالعقل وهو العلم والمعرفة ولكن هناك منطقة ملحة وهي الاهتمام بالمشاعر والعواطف، مبينا انه اذا عاش الانسان مرتاحا في البعد النفسي فان الراحة النفسية تنعكس على جسمه وعلى عقله من ناحية الأداء. وأشار الى انه اذا كان الانسان نفسه يعاني من عقد ومشاكل واضطرابات وهذا يؤثر على صحته الجسمية وهذا يؤثر على عطائه العقلي والفكري فلهذا يجب الاهتمام بالجانب النفسي وهي المشاعر والأحاسيس والعواطف، ويرتبط بهذا الجانب طبيعة الأجواء التي يعيش بها الانسان هل هي أجواء من المحبة في المحيط الذي يعيش فيه أو أجواء من البغض والكراهية، فاذا عاش الانسان في محيط يتبادل فيه المحبة والود هذا ينتج سعادة للانسان، لان الانسان عندما يعيش في أجواء المحبة وفضائها يرتاح نفسيا فانه يؤثر على ابعاد مختلف حياته.
بينما اذا عاش الانسان في أجواء البغض والكراهية يصبح يكره الآخرين والآخرون يكرهونه فهذه الأجواء أجواء ملوثة وضارة ولكن يبقى أثر المحبة من حيث العطاء والراحة النفسية وتتيسر أمور حياته عكس من يحمل أحقادا على الآخرين فهذا انسان منشغل بالهموم ومشغول البال وهو هم كبير، لذلك الانسان المؤمن يطلب من الله ان يكون خاليا من الأحقاد والضغائن مسترشدا بقول أمير المؤمنين «من ساء خلقه فقد عذب نفسه»، فحينما تحقد على الآخرين فهذا غل على النفس وعلى القلب قبل ان تكون على الآخرين، مؤكدا ان المحبة تيسر الأمر وتسهل الأمور وهي تريح نفس الانسان عندما تحب الآخرين تسير الأمور بيسر.
وتساءل الصفار في المحور الثاني المتعلق باستهداف المحبة قائلا: هل الانسان معني بحب الناس، والاجابة نعم لان العقل والدين يدعوان الانسان الى ان يهتم بكسب محبة الآخرين ويجب الاهتمام بهذا نعم بالدرجة الأولى رضا الله ولكن الله يريد منك ان تكسب محبة الناس لان كره الناس لا يرضي الله ورسوله واسترشد بالدعاء الذي يقول «اللهم حببني الى الناس وحبب الناس الي»، وقال ان الله يقدم وعدا وهدية للمؤمنين «ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا»، قال ان الود هو محبة الله تعالى ويعد المؤمنين بان يجعل لهم محبة في القلوب، فعلى الانسان ان يهتم بكسب محبة كل الناس وهذا الأمر مطلوب من الانسان وهذا ينبغي السعي اليه والعمل من اجله والنصوص بهذا الأمر كثيرة «الخلق عباد الله وأحبهم الى الله أكثرهم لعياله».
وأوضح الصفار ان الايمان يدفع المؤمن الى كسب مودة الناس وعمل الصالحات في خدمة الناس واحترامهم فمن الطبيعي ان الناس يحبون من يسعى الى عمل الصالحات لان الايمان والعمل الصالح يدفعان الانسان كي يكون قريبا من الناس ومحبا للناس ويكسب محبة الناس. وروى قضية الرجل الشامي الذي دخل المدينة ذات يوم فرأى موكب الامام الحسن مقبلاً تحفّه الهيبة والاجلال، ومن حوله الناس يتبركون بالنظر اليه، فسأل الشامي: لمن هذا الموكب؟ قيل له: للحسن بن علي. قال: يعني ابن أبي تراب؟ قيل: بلى.
فأقبل يشقّ طريقه حتى وصل الى الامام، أمسك بزمام بغلته وقال: أنت الحسن؟ فقال: «بلى». قال: أبوك أبو تراب؟ قال: «نعم». فراح يشتم الحسن ويشتم أباه أمير المؤمنين، فوضع أصحاب الامام أيديهم على قوائم سيوفهم، الا أنّ النفس الكبيرة من الامام حيث تبسم في وجهه ثم التفت اليه قائلاً: «يا هذا أحسبك غريباً، هلمّ معي، ان كنت محتاجاً أغنيناك، أو ضالاً أرشدناك، أو جائعاً أطعمناك». ثم بعد ذلك اصطحبه الامام الى داره وأكرمه وأحسن اليه.
فقال الشامي دخلت المدينة وليس على وجه الأرض أهل بيت أبغض اليَّ منكم، وأنا الآن سأخرج وليس على وجه الأرض أهل بيت أحبّ اليَّ منكم، أشهد أنكم حجج الله على بريته.
وانتقل الشيخ الصفار الى المحور الثالث وهو واجب نشر محبة آل البيت ، قال: ان محبة أهل البيت ومودتهم ومحبتهم واجبة على المسلمين بنص القرآن الكريم ﴿قل لا اسالكم عليه أجرا الا المودة في القربى﴾، وفي كل مصادر المسلمين من السنة والشيعة ان الصحابة سألو الرسول الاكرم - صلى الله عليه وآله وسلم: - يا رسول الله من هم قرابتك أوجبت علينا محبتهم ومودتهم فأجابهم اجابة صريحة علي وفاطمة وابناهما، وهذا ما لا ننكره فالمسلم مدعو الى محبة أهل البيت، عن النبي «أَحِبُّوا اللَّهَ لِمَا يَغْذُوكُمْ بِهِ مِنْ نِعْمَةٍ، وَأَحِبُّونِي لِحُبِّ اللَّهِ، وَأَحِبُّوا أَهْلَ بَيْتِي لِحُبِّي»، وفي حديث روته مختلف المصادر وأورده الألباني في سلسلته الصحيحة عن الرسول الأكرم انه «والذي نفسي بيده لا يبغضنا أهل البيت احد الا ادخله الله النار»، وبالتالي محبة أهل البيت واجبة على كل المسلمين، ولكن توجد درجات في هذه المحبة فشيعة أهل البيت يعتقدون ان مودتهم ومحبتهم تقتضي طاعتهم وأخذ معالم الدين منهم والخضوع لأوامرهم، وكثبر من المسلمين لا يعرفون هذا المقام لأهل البيت فحبهم لأهل البيت وفضلهم ومكانتهم في نفوس المسلمين، لكن لا يرون أنفسهم ملزمين باتباع نهج أهل البيت أو بعبارة أخرى أنهم لا يرون أهل البيت المرجعية الوحيدة في فهم الدين وفي أخذ تشريعات الدين ولا يرون لهم مقام الامام بعد الرسول الأكرم - صلى الله عليه واله وسلم - ومكان القيادة وهذا الفرق.
وأكد ان الذين يبغضون أهل البيت في التاريخ هم شرذمة عرفهم المسلمون بمصطلح «النواصب» وهذا المصطلح موجود عند كل المسلمين س نة وشيعة وهو ليس مصطلحا شيعيا وانما هو مصطلح اسلامي، وهذا لا يعني ان المخالفين في المذهب نواصب بل النواصب هم من يكرهون أهل البيت وان المسلمين لا يبغضون أهل البيت، صحيح لا يرون أنفسهم كما نرى نحن ملزمين باتباع أهل البيت ولهذا نختلف عنهم، اما في أصل محبة أهل البيت لايوجد في هذه العقود من يكره أهل البيت.
وبيّن الشيخ الصفار ان التاريخ شهد أشخاصا شاذين ونفوسهم مريضة كانوا يبغضون أهل البيت ومنهم حريص بن الحمصي الذي تذكر الروايات انه كان يلعن أمير المؤمنين كل صباح ومساء 70 مرة مبينا ان هذه النفوس مريضة وشقية، ولكن المسلمين بشكل عام يحبون أهل البيت فكل المسلمين يقولون في التشهد وفي كل صلاة وهو جزء عند جمهور أهل السنة ان الصلاة تبطل دون القول اللهم صلى على محمد وآل محمد كما صليت على ابراهيم وآل ابراهيم انك حميد مجيد».
وأضاف ان المذاهب الأربعة نقلت عنهم في مقام أهل البيت قائلا انظر الى المذهب المالكي كيف يتحدث عن الامام جعفر الصادق وقال عنه الامام مالك (ما رأت عين ولا سمعت أذن ولا خطر على قلب بشر أفضل من جعفر الصادق فضلا وعلما وعبادة وورعاً)، هذا في مصادرهم وأبو حنيفة كلامه مشروع لولا السنتان لهلك النعمان وهم السنتان التي تتلمذ على يد الامام الصادق وهو صاحب القصة المشهورة حينما استدعاه المنصور ليمتحن الامام ذكر أبو القاسم البغاء في مسند أبي حنيفة : قال الحسن بن زياد: سمعت أبا حنيفة وقد سئل: من أفقه من رأيت؟ قال: جعفر بن محمد، فهيئ لي من مسائلك الشداد، فهيأت له أربعين مسألة، ثم بعث اليّ أبو جعفر وهو بالحيرة فأتيته، فدخلت عليه، وجعفر جالس عن يمينه، فلما بصرت به، دخلني من الهيبة لجعفر ما لم يدخلني لأبي جعفر، فسلمت عليه، فأومأ اليّ فجلست، ثم التفت اليه فقال: يا أبا عبدالله هذا أبو حنيفة. قال: نعم أعرفه، ثم التفت اليّ فقال: يا أبا حنيفة ألق على أبي عبدالله من مسائلك، فجعلت ألقي عليه فيجيبني فيقول: أنتم تقولون كذا، وأهل المدينة يقولون كذا، ونحن نقول كذا، فربما تابعنا وربما تابعهم، وربما خالفنا جميعا حتى أتيت على الأربعين مسألة، فما أخل منها بشيء. ثم قال أبو حنيفة : أليس ان أعلم الناس أعلمهم باختلاف الناس.
وقال ان القول للامام الشافعي - رحمه الله - يمدح أهل بيت النبوة ونصهما كما يلي:
يا آل بيت رسـول الله حبكـم يكفيكم من عظيم الفخر أنكـم |
فرض من الله في القرآن أنزله من لا يصلي عليكم لا صلاة له |
وقال الامام ابن حنبل عن أفضل الخلفاء قال: ان عليا من بيت لا يقاس به احد قائلا انه أصل محبة أهل البيت واصل الاعتراف بفضل أهل البيت لا ينكره الا كافر صحيح لا يعترفون كما يعترف الشيعة في امامتهم وخلافتهم وواليتهم ولكن أصل المحبة بشكل عام موجودة.
وطالب بنشر محبة أهل البيت في أوساط المسلمين وفي أوساط الناس لان النصوص كثيرة تحملنا المسؤولية عن الامام الصادق يقول «حببونا الى الناس وحبب الناس إلينا».