اليسر في القوانين والعادات والسلوك
التيسير والتعسير سلوكان متمايزان متضادان، فالتيسير يعني جريان الأمور بسهولة دون تكلف، فيما التعسير يعني الشدة والتعقيد في الأمور، وقد شددت تعاليم الإسلام على ترسيخ ثقافة اليسر والتيسير، والنهي عن العسر والتعسير، يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر. هناك ثلاثة جوانب يمكن من خلالها تسليط الضوء على مسلكي اليسر والعسر في حياة الأفراد والمجتمعات:
من السهل على أي منا ملاحظة مدى الشعور باليسر والسهولة التي يلاقيها أثناء تعامله مع نوعية معينة من الناس في حياته العامة، فيما ينتابه على النقيض من ذلك تمامًا شعور مختلف عند تعامله مع صنف آخر من الناس. فالصنف الأول لا تكاد ترى منهم أي تعقيد وصعوبة في تعاملاتهم مع الآخرين، بينما تجد لدى الصنف الآخر نزعة دائمة لتعكير صفو الآخرين. ويمكنك ملاحظة ذلك عند التوسط لفك النزاعات بين الأشخاص، فإذا ما صادفت شخصًا سهلًا تشعر بارتياح بالتوسط بين المختلفين، أما إذا ابتليت بطرف متشدد، تشعر بالعسر وصعوبة الأمر. كما يمكن ملاحظة هذا السلوك عند بعض الموظفين في الإدارات العامة، فهناك موظف لديه نزعة مزاجية لتعقيد المراجعين فلا تمشي عنده المعاملات بيسر، ويهون الخطب إذا كانت المسألة خاضعة لتطبيق الأنظمة، غير أن الأمر كثيرًا ما يحكمه الهوى والمزاج الشخصي.
إن تيسير الأمور يشمل أبسط الأشياء حتى في قضايا البيع والشراء، فقد ورد: (أدخل الله رجلا الجنة كان سهلًا، مشتريا وبائعا، وقاضيا ومقتضيا). ويحضرني في هذا السياق، ما لمسته ذات مرة وأنا في محل تجاري من ضيق وانقباض على وجه البائع تجاه أحد الزبائن، فسألته عن سبب ضيقه من ذاك الزبون تحديدًا، فاشتكى لي صاحب المحل بأن ذلك الزبون لا يشتري شيئًا بيسر أبدًا، وأتمنى معها لو أن ذلك الغرض غير موجود عندي حتى لا يأتي لمحلي بتاتا.
وتمتاز بعض البلاد بقوانين سلسة ويسيرة تساهم في تسهيل حياة الناس، فيما تتسم بلاد أخرى بقوانين معقدة تعرقل حياة الناس على شتى المستويات. في بعض البلاد يمكن ملاحظة مدى سهولة الحصول على تراخيص الأنشطة التجارية بيسر، فيما تنزع بلاد أخرى نحو وضع شتى أنواع القيود أمام تأسيس المشروعات التي يفترض أن تصب في مصلحة البلد. فيحتاج صاحب المشروع الجديد في البلاد ذات القوانين المتخلفة لمشوار طويل من الإجراءات البيروقراطية والتوسل بالوساطات، الأمر الذي يقوده للإحجام عن مشروعه في أحيان كثيرة.
يشار في هذا المجال إلى التجربة الرائدة لإمارة دبي ونجاحها في استقطاب رؤوس الأموال والأنشطة التجارية والمشروعات الضخمة. ما الذي يميز (دبي) عن غيرها من البلدان المجاورة؟ ولماذا نجد رؤوس الأموال الضخمة لتجار الخليج تصب هناك؟ الأمر يكمن في حجم التسهيلات المقدمة، وسهولة القوانين، ويسر الإجراءات.
إن لكل مجتمع عاداته وتقاليده الاجتماعية، وما يميز بعض المجتمعات بعدها عن التكلف والتعقيد في عاداتها وتقاليدها، في مقابل مجتمعات أخرى ساهمت عاداتها في إضفاء المزيد من الأعباء والتكاليف على عاتق أفرادها. ولو أخذنا تقاليد المجتمعات في موضوع الزواج مثلا فسنجد أن هناك مجتمعات تكتفي بالحد الأدنى من التقاليد لإتمام حفل الزفاف بما يوفر الاحتفاء البهيج دون كلفة باهظة، لكن بعض المجتمعات تفرض تقاليدها أن ينفق الزوج على حفلة الزفاف أضعاف تكاليف الزواج الحقيقي، وبشكل يفوق ما ينفقه المتزوج على تقديم المهر وترتيب منزل الزوجية. إضافة إلى بذل جهود كبيرة مضنية، تحصل بسببها مشاكل وحساسيات، هنا يمكننا القول بأن مجتمعنا مع الأسف من المجتمعات المعقدة في هذا المجال، فالناس عندنا مازالوا يتفننون في ابتداع عادات وتقاليد جديدة ترهق كاهلهم، حتى أن تكاليف حفلات الزواج لدى السعوديين بلغت في عام واحد أكثر من 1.1 تريليون ريال.