من دروس عاشوراء
نحن نَعُدُّ إقامة ذكرى عاشوراء ليس مجرّد إثارة للعواطف والمشاعر، أو اجترار للكآبة والحزن، وإنما نحيي هذه الذكرى لنستلهم منها القيم، ولذلك أؤكد على ثلاثة دروس يمكن استفادتها من عاشوراء:
فالإمام الحسين وأصحابه إنما جاهدوا من أجل بقاء الدين وقيم الإسلام، وليس من أجل أطماع وأغراض دنيوية، يقول الإمام الحسين في سبب خروجه وحركته: «إني لم أخرج أشرًا ولا بطرًا ولا مفسدًا ولا ظالمًا، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي ، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر».
وفي يوم عاشوراء يقول البطل الهاشمي العباس بن علي بن أبي طالب :
والله إن قطعتمو | يمينيإني أحامي أبدًا عن ديني |
ولذلك علينا أن نخرج من أجواء عاشوراء بهذه الروحية، وبعزم وتصميم على الالتزام بتعاليم الدين، والاجتناب عن المعاصي، والتوبة إلى الله تعالى والمواظبة على أداء الصلوات وجميع الواجبات الأخرى.
كان بإمكان الإمام الحسين أن يبقى في داره، وفي مسجد جدّه كما أشار عليه كثيرون، وكما فعل آخرون لكنّه أبى إلاَّ أن يتحمّل مسؤوليته الشرعية والاجتماعية، يقول : «وأنا أحق من غيّر».
لذا فإن علينا أن نتحمّل المسؤولية تجاه وطننا ومجتمعنا، فكل واحد منّا مطالب بدور، وهذا أمر يمارسه الأفراد في جميع دول العالم تجاه مجتمعاتهم، فينخرطون في المؤسسات التطوّعية لتقديم الخدمات للمستفيدين من هذه المؤسسات.
جاء في تقرير عن الأعمال التطوّعية في الولايات المتّحدة الأميركية، أن خمسين بالمائة من الراشدين الأميركيين يشاركون في الأعمال التطوّعية، وفي فرنسا يشارك ثلث الشعب الفرنسي في الجمعيات التطوّعية، ولكنّ مجتمعاتنا لا يزال الاهتمام بالعمل التطوّعي فيها محدودًا.
إن الجمعيات الخيرية والمؤسسات الاجتماعية والأندية الرياضية واللجان الخدماتية المختلفة تشكو من نقصٍ في الكوادر والدعم، وهذه المؤسسات تقدم خدماتها للجميع، وهي بحاجة ماسّة للدعم والتنمية والتطوير في مختلف المجالات.
ومادمنا في أيام عاشوراء لا بدَّ أن نشير إلى أهمية التفاعل مع مشروع التبرّع بالدم، فهذه حالة إنسانية وفيها الأجر والثواب، وبخاصّة حينما ينوي الإنسان أن يهدي ثواب التبرّع بالدم إلى أبي عبد الله الحسين .
في ليلة العاشر من المحرّم أمر الإمام الحسين مناديًا ينادي بين أصحابه: «لا يقتل معنا رجل وعليه دين»، فقام إليه رجل من أصحابه فقال له: «إن عَلَيَّ دينًا وقد ضمنته زوجتي»، فقال: «وما ضمان امرأة؟»، بمعنى انه ليست لها إمكانات مادية عادة.
وروي عن موسى بن عمير عن أبيه قال: أمرني الحسين بن علي قال: «نادِ أن لا يقتل معي رجل عليه دين، فإني سمعت رسول الله يقول: «من مات وعليه دين أخذ من حسناته يوم القيامة».
لقد أراد الإمام أن يكون المستشهد بين يديه متحرجًا في دينه، خالي الذمة من حقوق الناس وأموالهم، ولا يريد أن يكون سببًا في ضياع أي حق من حقوق الآخرين. إن الإمام الحسين يقدّم أداء الدين على شرف الجهاد والنصرة له، مع حاجته إلى النصرة، وهذا غاية سمو الأخلاق والنبل، وأنموذج مثالي من الدروس الأخلاقية العظيمة لكل الأجيال في كل زمان، ويجب أن نأخذ من ذلك درسًا، وبخاصّة مع ما نراه من تساهل عند كثيرين في أداء حقوق الناس، فالبعض لا يؤدّي الدين الذي عليه، ويسوّف في هذا الأمر، وبعض أصحاب المؤسسات لا يعطون عمّالهم أجورهم، وبخاصّة الأجانب منهم، وهذا لا يجوز شرعًا، فقد ورد عن رسول الله قوله: «أعطوا الأجير أجره قبل أن يجفّ عرقه».
إننا يجب أن نكون حسّاسين تجاه حقوق الناس، فإنه لا يفيد الإنسان أعمال العبادة والخير إذا كان في ذمّته شيء من حقوق الناس.
وفي يوم القيامة أول ما يحاسب عنه الإنسان حقوق الناس قبل الصلاة والصوم والحج، ولذلك علينا أن نكون مهتمّين ومراعين لهذه الحقوق.