عائلة إبراهيم «عليـه السـلام»
هكذا مرَّت الأيام عليهم قاسية، فمن امتحان إلى آخر، ومن ابتلاء إلى ابتلاء جديد، عائلة كاملة من المعيل إلى الأم ومروراً بالولد الذي كان شريكاً لعائلته في البلاء مذ كان صغيراً لا يقدر على المشي، لكنها عائلة أصرَّت على النجاح فنجحت بالتسليم لأمر الله والثقة به، والانقياد له وطاعته، وهي العناصر التي جعلت تلك العائلة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بعبادة كبيرة وعظمة عند الله «سبحانه وتعالى».
لا يمكن لأي حاج أن يفهم الحج ويدرك معانيه دون النظر إلى الآيات القرآنية المباركة التي تحدّثت عن تلك العائلة، ودون النظر إلى الروايات التي بيّنت إيمانها وتسليمها لله «سبحانه وتعالى».
الحج نسك عظيم، والحديث عن عظمته يقتضي استدعاء أماكنه وذكرياته وأحداثه، والشخصيات التي أراد الله «سبحانه وتعالى» لها أن تكون معلماً واضحاً في العديد من مناسكه وأعماله ومقاطعه.
عائلة نبينا إبراهيم (عليه السلام) هي معلم واضح من معالم الحج ودرس عميق من دروسه التي يستفيد منها كل حاج يقصد البيت العتيق، ففي البيت الحرام وقريباً من الكعبة المشرّفة هناك مقام لأب الأسرة مقام إبراهيم، وهناك حجر لنبيّنا إسماعيل (عليه السلام)، وهناك السعي بين الصفا والمروة، الذي يذكّرنا بهاجر أم إسماعيل، وهناك بئر الخير والبركة زمزم المرتبطة بقدم ذلك الصغير.
وبالبُعد قليلاً عن المسجد الحرام هناك محل الفداء ﴿وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ﴾، وهو الموقف الثاني الذي يُضحّي فيه ذلك الرجل الطاعن في السن بابنه، بعد أن يرمي الشيطان الذي تمثل له في ثلاثة مواقف ليثنيه عن تنفيذ الرؤيا والتضحية بولده.
لقد كان يتحسَّر ويطلب الولد من الله «سبحانه وتعالى»، ولكنه تركه مرة وهو ما زال صغيراً مع أمه في وادٍ غير ذي زرع ﴿رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ﴾، وأراد التضحية به مرة أخرى حين رأى في المنام أنه يذبحه ﴿قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ﴾. تحدثت مع بعض الحجاج القاصدين بيت الله الحرام في هذا العام أن يُكرِّسوا بعض وقتهم لقراءة سيرة النبي إبراهيم «عليه السلام»، والتعرُّف عليها من قرب، والوقوف على المفاصل التي مرَّت بها، والتأملات التي قادتها إلى ذلك النضج الإيماني والتسليم لإرادة الله «سبحانه وتعالى».
من لا يدرس الأحداث التي مرَّت على إبراهيم وأسرته ستضيع منه بعض أسرار الحج، وسيفقد الصلة بين ما يؤديه من أعمال واجبة في الحج وبين المعاني التي توحي بها، ولن يستطيع أن يتصيَّد الدُّرر الثمينة والنفائس الغالية التي أتاحها الله لقاصدي بيته الحرام.
المعرفة بإبراهيم وآل إبراهيم بعُمق ودِراية وتأمل هي التي تمكِّن الحاج من اغتراف المزيد من دروس الحج ومعارفه.
إبراهيم الذي يُذكر بالاسم مباشرة أكثر من 65 مرة في القرآن الكريم، ويُعبِّر عنه القرآن الكريم في بعض الآيات بتعابير تحتاج إلى قلب يعيها، مثل قوله تعالى: ﴿قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ﴾، ﴿إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾، ﴿وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ﴾ ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ ﴾، ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِه عَالِمِينَ ﴾.
من أجل انفسنا ولحُسن إسلامنا ولمعرفتنا بالحج أكثر نحن بحاجة لدراسة إبراهيم وقراءة سيرته وسيرة عائلته قبل وحين وبعد الذهاب للحج.
من لا يدرس الأحداث التي مرّت على إبراهيم وأسرته ستضيع منه بعض أسرار الحج، وسيفقد الصلة بين ما يُؤديه من أعمال واجبة في الحج وبين المعاني التي توحي بها، ولن يستطيع أن يتصيَّد الدُّرر الثمينة والنفائس الغالية التي أتاحها الله لقاصدي بيته الحرام.
المعرفة بإبراهيم وآل إبراهيم بعُمق ودراية وتأمل هي التي تمكّن الحاج من اغتراف المزيد من دروس الحج ومعارفه.