الصفار مواطناً
أجزم أن العمل الصحفي الذي أنجزه مؤخراً الأستاذ عبدالعزيز قاسم في ملحق الرسالة بصحيفة المدينة، عمل متميز بكل المقاييس والاعتبارات، سواء من جانب التوقيت واختيار الشخصية واختيار المحاور والتسلح بخلفية كبيرة من المعلومات، وكذلك التمكن من أساليب الحوار وبراعة الطرح. لقد كانت حلقات مكاشفات مع الشيخ حسن الصفار على قدر كبير من الأهمية يعود إلى كونه - أي الشيخ حسن - شخصية بارزة لا يمكن إغفالها أو تجاوزها حين يأتي ذكر الشيعة والمجتمع الشيعي في المملكة، إضافة إلى ما يتوفر فيه من فكر عميق وثقافة عالية، كما أن التوقيت الذي جاءت فيه المكاشفات كان توقيتاً هاماً وحساساً، فعلى الصعيد الداخلي هناك حراك على مستويات وأصعدة عديدة، رسمية وغير رسمية، لترسيخ الوحدة الوطنية وإذابة السجالات والاتهامات والاحتقانات المزمنة التي تكرس العزلة والفرقة، وعلى الصعيد الخارجي قد تأكد لنا بجلاء التربص اللئيم الذي تمارسه قوى إدارة اللعبة العالمية الجديدة حين بدأت تعزف على أوتار الطائفية والمذهبية والأقلية وما شابهها من مصطلحات، إضافة إلى الأوتار التي سبق أن عزفت عليها ببراعة بعد أن هيأناها لهم حين لم نقدر جيداً خطورة بعض الأمور.
لقد سنحت لي فرصة التعرف على الشيخ الصفار خلال اللقاء الفكري الثاني للحوار الوطني بمكة المكرمة العام الماضي، وتلك المعرفة، سواء بما كان يطرحه في جلسات الحوار أو خارجها، هي التي جعلتني أقول ما سبق عن فكره وثقافته، وكذلك حسه الوطني، وهي العناصر التي دفعتني للكتابة عن مكاشفاته، أما التفاصيل الدقيقة - المتعلقة بالشأن المذهبي، والاختلافات المثارة مع السنة وغيرها من الأمور في هذا الجانب فإنها ليست من شأني لأنني لست متخصصاً فيها ولا متعمقاً في فهمها، ويحسن بمن هو مثلي أن يدعها لأهلها.
لقد أثيرت أمور في غاية الأهمية خلال حلقات المكاشفات لا نستطيع طرحها هنا أو الإشارة إليها بإيجاز لكثرتها. وأنا سوف أتجاوز كل ما قرأته لأقف عند مقطع واحد قاله الشيخ الصفار في آخر مكاشفة يوم الجمعة الماضي (15 رمضان)، يقول:
"الاندماج الوطني قضية ملحة، يجب أن يبذل كل الداعين أقصى جهودهم من أجل خدمتها وتحقيقها، فهذا الوطن الواسع الكبير الذي تحققت وحدته وقام كيانه على يد المؤسس الملك عبدالعزيز رحمه الله، يضم مناطق عديدة، ومجتمعات مختلفة في بعض خصائصها الجانبية، وإن كانت تنتمي لأصول عربية واحدة ولدين واحد، هو الإسلام والحمد لله. لكن الحرص الطبيعي والمشروع لكل مجتمع على خصوصياته يقتضي احترام هذه الخصوصيات واتساع بوتقة الوطن للجميع بالتأكيد على القاسم المشترك والهوية الوطنية الواحدة، وحين تضعف هذه الحالة لصالح خصوصية معينة يزداد تمسك الآخرين بخصوصياتهم فيصبح الوطن ساحة صراع بين الخصوصيات أو الهويات الفرعية على حساب الهوية الوطنية".
كمواطن حريص على وحدة وتماسك وطنه فإن ما سبق قد يكون الأهم بالنسبة لي في كل المكاشفات، لأننا بالفعل نبحث عن هوية وطنية واحدة صلبة لا تجيَّر لصالح هويات أخرى مهما كانت، غير قابلة للمقايضة أو المصادرة أو الإلغاء لأي سبب لا علاقة له بالوطن. وما قاله الشيخ حسن الصفار هو ما يجب أن يقال منذ زمن بعيد، وما يجب أن يستوعبه كل عاقل محب لوطنه.
وإذا كنا نريد الخير لوطننا يجب أن تتوقف القنوات التي تثير الشحناء دون وجود أسباب مفهومة، ويجب أن نقطع أنابيب الوقود التي تغذيها، ويجب ألا نتساهل مع المقامرين بالوطن من أجل قناعاتهم الخاصة.
ألسنا ندعو إلى التسامح والحوار وعدم الإقصاء والتسفيه وتصنيف المواطنة؟، أليس ذلك ما ندعو إليه أم نحن نقول مالا نفعل؟..