التداول السلمي للسلطة
لاشك أن السلطة هي أهم موقع يطمح إليه الإنسان في المجتمع البشري. ولذلك فإن التنافس على السلطة عادة ما يكون ساحة للحرب والنزاع، وقد شهد التاريخ حروبًا كثيرة من أجل السلطة والحكم عانت منها البشرية معاناة قاسية. كما عانت المجتمعات من المتسلطين المستبدين الذين حينما يصلون إلى مواقع الحكم يسيمون الناس خسفًا وذلاً، ويصادرون حقوقهم وكرامتهم. لكننا في هذا العصر نعيش تطورًا في واقع المجتمعات البشرية نتيجة تراكم الخبرة والتجربة واستخدام الإنسان لعقله وفكره، فأصبحت هناك حلول وخيارات تقي المجتمعات شر النزاع على الحكم والسلطة، عن طريق التداول السلمي للسلطة.
من حق كل فرد يرى في نفسه الكفاءة والقدرة على إدارة مجتمعه أن يرشح نفسه لهذا المنصب، في العالم المتحضر الذي يعترف بنظام التداول السلمي للسلطة، من يرى في نفسه الكفاءة يعلن عن برنامجه ويخوض غمار الانتخابات، فإذا اختاره الشعب يمارس السلطة ضمن صلاحيات محددة ولمدة محددة، وبعد انتهاء المدة تجرى انتخابات جديدة. هذا هو الأسلوب العصري الراقي، ومع الأسف الشديد هذا الأسلوب استوردناه في بعض مجتمعاتنا الشرقية ولكننا شوهناه، يُدّعى أن هناك انتخاباً وترشيحاً، ولكن النتائج تكون مقررة سلفًا! وكما يقولون هناك أربع تسعات تكون في النتائج 99.99 في المئة!
هذا الحل الذي وصلت إليه النظم المتقدمة من التداول السلمي للسلطة اعتمادًا على أن السلطة حق للناس ومصدر السيادة هو الإرادة الشعبية، فالناس هم يختارون من يريدونه حاكمًا عليهم، وهناك فصل بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، وضمان لحق المعارضة وللحريات وحقوق الإنسان، وبهذا النهج يتوافر الاستقرار للمجتمعات وتأمن النزاعات والانقلابات والاضطرابات.
نحن في ديننا الإسلامي نجد الكثير مما يؤسس لمثل هذا النهج، صحيح أننا قد لا نجد طريقة واضحة المعالم والتفاصيل عن النظام السياسي تشبه الأنظمة الديمقراطية لكننا نجد التوجيهات والنصوص التي يمكننا من خلالها أن نستنتج وأن نستوحي نظامًا للسلطة والحكم يضاهي هذه الأنظمة المتقدمة في المجتمعات الأخرى، لكن أكثر بلادنا الإسلامية مع الأسف الشديد تعيش وضعًا غير سوي وخاصة البلدان التي وصل الى الحكم فيها انقلابيون عسكريون رفعوا شعارات تدغدغ عواطف الناس وتطلعاتهم، ولكن ماذا نال الناس تحت حكمهم وسيطرتهم؟
لماذا يتشبث الحاكم بالحكم إذا كان الشعب يرفضه؟ أمير المؤمنين يتحدث حديث الصادق الملتزم حيث صدقته سيرته الطيبة، فلم يكن يتعامل مع السلطة كمطمح شخصي، بل يراها مجرد وسيلة للعدل بين الناس وباختيار الناس، ولذلك ورد عنه عليه السلام: «عهد إلي رسول الله فقال: يا بن أبي طالب لك ولاء أمتي فإن ولوك في عافية وأجمعوا عليك بالرضا فقم بأمرهم، وإن اختلفوا عليك فدعهم وما هم فيه».
إننا نتألم لما يحصل في مصر، هذا البلد العريق في حضارته وتاريخه والذي يمثل أهم دولة من الدول العربية، الشعب في هذا البلد يرفض الحاكم الذي يحكمهم منذ ثلاثين عاماً، ولكنه بدل أن يخضع لإرادة شعبه نراه متمسكًا بالسلطة! كل العالم اليوم يتابع ما يجري في ساحة مصر من إقبال الناس في الميادين العامة على رفع صوت رفضهم لحاكمهم، وهذا تحول عظيم لم يكن مسبوقًا في هذه المنطقة وبشكل علني سلمي، ليس بقيادة حزب معين ولا لتطبيق أيديولوجية معينة، وإنما لأن الناس يريدون أن يحققوا إرادتهم ويستعيدوا حريتهم وكرامتهم، إن هذا التشبث بالحكم والسلطة وما قد يفضي إليه من سفك الدماء وانتهاك الحرمات هو جرم عظيم، ماذا يفيد هذا الرجل أن يتشبث بالسلطة وقد بلغ من الكبر عتيا؟ وأخذ بحظ كبير من السلطة، وشعبه يدعوه للتنحي، لماذا لا يستجيب لدعوات شعبه حتى يجنب شعبه وبلده والمنطقة الأخطار والمشاكل؟ إن التشبث بالسلطة خلافًا لإرادة الناس ورغبتهم يدل على أنانية مفرطة، وبالتالي لا يوصل إلا لشقاء الدنيا والآخرة.