رسالتان من الثورة التونسية
كم في التاريخ البشري ماضيه وحاضره من عبر، ولكن ما أقلّ من يعتبر! يحدثنا التاريخ أن أولئك الظالمين المستبدين الذين قهروا شعوبهم وصادروا حرياتهم وتلاعبوا بثرواتهم، كان مآلهم السقوط، فأين من يعتبر؟
في هذه الأيام يشيع الأمل في النفوس وتتوجه الأنظار إلى ثورة وانتفاضة شعب تونس، هذا الشعب الذي فاجأ العالم بثورته، فما كان الناس يتوقعون أن تنطلق هذه الثورة المجيدة في تونس وأن يتمكن الناس من إسقاط ذلك الطاغوت الذي كان جاثمًا على صدورهم. لم تسلط الأضواء على ما كان يجري في تونس من جرائم هذا الطاغوت كما يتم الحديث عنها حاليًا وكما يقال في المثل الشعبي (إذا طاح الجمل كثرت سكاكينه) ما ينقل عن جرائمه في الأخبار الآن ليس جديدًا على التونسيين بل كانوا يئنون من جمره ولظاه، ولكن لم يكن أحد ينقل مدى معاناتهم للعالم! والدول الغربية والتي تدّعي احترام حقوق الإنسان، كانت ترى في حكمه أنموذجًا يسوّقونه على أنه حكم تقدمي، ويغضون الطرف عن جرائمه، والحكّام يعاضد بعضهم بعضًا. حتى الحراك الشعبي داخل تونس لم تكن أخباره وحركاته واضحة للناس. لذلك كله ما كان الناس يتوقعون أن تنطلق الثورة من تونس وأن تسقط دكتاتورًا حكمها ربع قرن من الزمن.
على الحكام المستبدين أن ينتبهوا ويتأملوا في واقعهم، كفى استبدادًا، وكفى تلاعبًا بثروات الشعوب. هل يظنون أنهم في مأمن وهم يلاحظون ما حصل في بلاد كثيرة، أفلا يرون كيف سقط عرش الطاغوت جراء استبداده وبطشه بشعبه؟ عروش الظالمين لن تبقى، وهذا ما وعده الله ورسوله. جاء عن رسول الله: «إن الله عز وجل يمهل الظالم حتى يقول قد أهملني ثم يأخذه أخذة رابية». يتصور أنه بمنجى من العقوبة كلما رأى نفسه يتمادى ولا ينزل عليه عذاب، ولكن الله يمهل ولا يهمل.
على الحكام المستبدين أن يعتبروا مما حصل لحاكم تونس، حيث أصبح يبحث عن ملجأ يأوي إليه ولا يجد من يرحب به، لم تنفعه قصوره ولا أمواله، ولا جيشه ورجاله، حتى الدول التي كان ينفذ أوامرها خذلته. ثرواته أصبحت مجمدة في مجملها، كما قامت بذلك سويسرا، ويفكر في ذات الأمر الاتحاد الأوروبي.
هذه عبرة للحكام، فماذا يريدون من الناس؟ إنهم لا يكتفون بالتسلط بل ينافسون الناس حتى في لقمة عيشهم، ويذيقونهم الفقر والجوع، ماذا يصنع الحكام بهذه الثروات الطائلة؟ وإلى من يورثونها؟ فلا عجب أن تتضاعف نقمة الناس وسخطهم عليهم، وأن يكون المآل مثل مآل رئيس تونس المخلوع. ولكن التجارب تشير إلى أن حب الدنيا يعمي ويصم، فلا يلتفت العتاة إلى هذه الدروس والعبر، وربما اكتفوا ببعض الحركات الالتفافية بإعطاء بعض التسهيلات وبعض المكافآت المالية، لكن هذا لا يفيد، فالناس يطالبون بالعيش كسائر البشر في ظل حكم عادل وقوانين تحمي المال العام.
على الشعوب أن تراهن على إرادتها، فاتحادها قوة لا تقهر. قبل نصف قرن جرب الناس الانقلابات العسكرية وقد كانت النتيجة أنها أشد عليهم مما كانوا عليه في السابق.
والبعض راهن على التدخل الخارجي، وجربوا ذلك، ورأينا أن له أجندته ومصالحه كما في أفغانستان والعراق. وهناك من راهن على الحركات النخبوية، المتمثلة في الأحزاب والتنظيمات، لكن هذه الحركات النخبوية تقع في حالات نزاع، ومعرضة لأن تخدع وتستدرج، ولربما وقعت فيما وقع فيه النظام السابق، وهي في غالب الأحيان مكبلة ودورها محدود.
فالخيار الأفضل والأمثل هو التحرك الجماهيري السلمي، وهذا ما حصل في تونس وفي إيران من قبل. الثورة في إيران كانت سلمية، ولا تزال تونس في سياق ثورتها السلمية ونأمل أن تستمر كذلك، فاستخدام العنف يعطي فرصة للأعداء، ويحرف الثورة عن وجهتها الصحيحة ويدخلها في نفق من العنف والعنف المضاد. نأمل أن يستمر شعب تونس في نضالهم وأن يحافظوا على ثورتهم، ويحققوا آمالهم، فهناك من يريد اختطاف وسرقة هذه الثورة المجيدة.