قصيدة العزاء والقضايا الاجتماعية
لاشك أن المناسبات الدينية تهيئ أرضية خصبة لتلقي الوعظ والإرشاد والتوجيه، فالناس بطبعهم وعاداتهم وموروثهم الديني العميق ينتظرون المناسبة بنفوس صافية، وتطلع داخلي لتغيير مرتقب منها، سواء على الصعيد الروحي الداخلي، أم على الصعيد الاجتماعي الخارجي.
هذا التهيؤ يستشعره أبناء المجتمع جميعاً، ورواديد مواكب العزاء الذين يلحظون تفاعل الناس واندماجهم في المناسبات لاشك أنهم الأقدر على إدراك هذا الاستعداد وتلمسه في العدد الهائل من الشرائح الاجتماعية المشاركة في مواكب العزاء.
يدرك الكثير من الرواديد المحترمين أن هناك الكثير من القضايا تحتاج إلى علاج، وتحتاج إلى التذكير بها، وتحتاج إلى تكاتف الجهود لحلها، ولعل بعض القضايا تبدو ضاغطة وملحة، خصوصاً حين يرتفع منسوب الغيرة على الدين والمجتمع لدى الإنسان.
من هنا يندفع الكثير من الرواديد للحديث عنها في قصائدهم التي يهيئونها لهذه المناسبة الدينية أو تلك، وأغلب القضايا التي تعرض في مواكب العزاء يكون شعور المشاركين في المواكب بها مشتركاً، بل قد لا يختلفون فيها كقضايا يجب السعي لطرحها وحلها.
ويعد هذا استثماراً حسناً للمناسبات الدينية وللحالة العاطفية الحميدة التي تصنعها أجواء المناسبة الدينية، وفي اعتقادي أن الأولى باستثماره لقضايا الدين والمجتمع هم الذين يهتمون بهذه المناسبات ويهيئون الأجواء لتفاعل الناس معها، بيد أن القضايا الدينية والاجتماعية يمكن تقسيمها إلى ثلاثة أنواع:
1- قضايا دينية ذات صبغة دينية، كقضية الحجاب والورع عن المحارم، والالتزام بأحكام الله، والإصلاح، والدفع نحو الاهتمام بالصلاة، والقرآن الكريم، والتذكير بمآل الإنسان وضرورة تنبهه لما يقعد به عن نيل الدرجات الروحية الرفيعة، والتذكير بثواب الأعمال الصالحة، وعقاب التصرفات السيئة وأتصور أن مثل هذه الأمور هي من صلب روح المناسبة، بل إن من تقام لهم المناسبة لم يضحّوا بأنفسهم وعيالهم وراحتهم إلا لأجل مثل هذه الأمور.
2- قضايا ذات صبغة اجتماعية قريبة من المناسبة، كطهارة اللسان والعفة، والبعد عن أجواء اللهو، ورد الأمانة، والتفقه في الدين، وتحمل المسئولية تجاه المجتمع، والتنبيه لرعاية الأولاد وتربيتهم، والتعاون، وإفشاء روح المحبة والألفة.
وهنا ملاحظتان على الفقرتين السابقتين:
الأولى: من الضروري أن تكون القصيدة قادرة على استلال تلك القضايا من حياة المعصوم، ومن تاريخ المناسبة وأحداثها، كي لا تبدو شيئاً خارجاً عن إطار المناسبة، ولكي يشعر المشاركون بالربط بين احترام صاحب المناسبة وبين تلك القضايا المستوحاة من حياته وأحداثها، أو من توجيهاته ونصائحه لأتباعه والمحيطين به.
الثانية: مهما تعددت القضايا ضمن الفقرتين السابقتين، ومهما اختلفت عناوينها، علينا أن نركز على القضايا التي حلولها بيد الإنسان كفرد أو المجتمع الصغير الذي يحي المناسبة، وعلينا أن نلاحظ مناسبة الحلول والعلاجات لإمكانياته وقدراته، وسيتضح المقصود في النقطة اللاحقة.
3- قضايا ذات صبغة اجتماعية بعيدة عن المناسبة، ومثل هذه القضايا مازال انتشارها محدوداً في مواكب العزاء، فترى الرادود يتحدث عن أشياء ليست في سياق المناسبة، ولا تناسب بين الحديث عنها وبين اللطم أو الحزن والبكاء.
وقع في يدي شريط تعمد أحد الأصدقاء إيصاله لي قبل سنتين إبان تعب الناس جراء هبوط المساهمات البنكية، فكانت قصيدة كاملة يهزها اللطم الشديد على موضوع الأسهم، وضرورة وقوف الدولة مع الناس للتقليل من خسائرهم، صحيح أنه همٌ أثر في الناس، وتأذى به الكثير من أبناء المجتمع، لكن الأمر ليس مناسباً في هذا الموقع.
ويصلح ذات المثال كتوضيح لما أشرت له سابقاً بقولي يجب أن تكون القضايا ما يستطيع المجتمع علاجها، فهنا قضية أثارها الرادود، لكن هل يمكن لمجتمع المعزين تعديل سقوط السوق والمساهمات البنكية؟ أم المطلوب منهم أن يبكوا ويتحسروا على ما خسروا وكفى؟