الشيخ حسن الصفار وحماية المجتمع
قال الله تعالى في كتابه الكريم: ﴿وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين﴾.
حينما يواجه المجتمع تحديات ومعوقات ولا يهتم بمواجهتها والتصدي لها، فإنه يحكم على نفسه بالدمار والهلاك، لأن الإغضاء عنها وإهمالها يزيد من انتشارها وتفاقم أخطارها. اللامبالاة بحل المشاكل يعتبر نذير هلاك للمجتمع. والسؤال هنا كيف يواجه المجتمع المشكلات؟
إن أهم ما يواجه به مشكلات المجتمع هو الإنفاق. والإنفاق يعني البذل لحل المشكلات، فمجرد الدعاء والتمني والتذمر لا يحل المشكلة، ﴿وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة﴾ هنا ربط بين الإنفاق وبين إلقاء النفس في الهلاك. والإنفاق لا يعني البذل المالي فحسب، بل يعني كل ما له ربط بحل المشاكل وازدهار المجتمع، من بذل الجاه، والفكر، والوقت والجهد وغير ذلك.
هذه نص من كلمة الشيخ حسن الصفار حفظه الله في خطبة الجمعة الموافق 28/11/ 1431هـ. موضوع مهم وحساس طرحه سماحته ونحن في صراع مع هذا المجتمع والذي يحتاج الى ترميم وتطوير ثقافة الإنفاق وضمان التكافل الاجتماعي بين معظم إفراد المجتمع. التكافل الاجتماعي ارقى صيغة حضارية للعلاقات الإنسانية في المجتمع البشري. وجوهر هذه العلاقة ان الأغنياء يدفعون قسما مما أعطاهم الله بعملهم الى اخوانهم المحتاجين والفقراء.
ان الله خلق الانسان وانعم عليه بنعم كثيرة لا تعد ولا تحصى، مستشهدا بالآية الكريمة في قوله سبحانه وتعالى ﴿وإن تعدوا نعمت الله لا تحصوها﴾ صق الله لعلي العظيم. ومن أعظم نعم الله على عباده نعمة الأمن والمحبة والأخلاق الإنسانية والفكر الراقي؛ إذ في ظل هذه المعطيات يسموا الفرد بذاته ويسعد، وينهض بواجباته ويعمر الارض، ومن ثم يرقى به المجتمع عندما تتوفر لديه قاعدة الإنفاق من اجل تصحيح مسار ذلك الفرد.
لقد تطرق سماحته لهذا الموضوع نظرا لحاجة المجتمع للطاقات الشباب وحمايتهم من الفساد الإنساني والذي تفشى في مجتمعنا وأصبح ظاهرة سيئة تزعزع استقرار البلد وتسئ سمعته. ان جيل اليوم يحتاج منا الى وقفة صريحة ولابد من تكوين مؤسسات خاصة تنفق بسخاء لكل من يجد في نفسه الاستقرار المالي ان يسعى لبناء جمعيات او مؤسسات تقوم على تأهيل الشباب والاستفادة من طاقاتهم ومواهبهم ان توفرت فيهم. أن هذا الجيل يعيش اللامبالاة والتخبط الفكري والثقافي، وتختفي عند البعض منه المصلحة الوطنية، وهو يقفز قفزات مادية غير طبيعية على حساب المعنوية وتكامل شخصيته الثقافية ما اثر على الكثير من الأوضاع الاجتماعية والمواقف السلوكية لشريحة كبيرة من المجتمع، بل زاد من حدة المشاكل الاجتماعية وذلك بسبب الفراغ الثقافي الذي يعيشه معظم هذا الجيل.
ان المشاريع الاجتماعية تعاني من قلة الموارد المالية وتحتاج الى دعم واستقرار مادي كي تستطيع ان تسخر طاقات شبابها الى سواعد قوية تتضافر جهود الجميع لخلق مجتمع تكون بنيته قوية تحميه من متغيرات الزمن ان الإنفاق على الإعمال الخيرية تعود على شبابنا بالخير لان هذا الشاب سوف يكون أسرة والأسرة نواة المجتمع.
لقد شهد الظرف الاجتماعي الراهن فجوة كبيرة بين جيل الشباب والبعض من الطباقات الثقافية السائدة في المجتمع. فكان الرفض والابتعاد السلبي عند معظم الشباب للأفكار السائدة باستثناء العبادة التقليدية وممارسة الشعائر للدين من دون توجيه وترشيد ووعي. وقد ولد هذا الابتعاد فجوة كبيرة وإحباطا بين الأجيال السابقة وهذا الجيل الذي لا يقرأ معظمه ولا يهتم بما يجري في العالم من ثورة علمية ومعرفية باستثناء القليل منه.
ان سماحة الشيخ حسن يدرك مثل هذه المشاكل التي تعترض شباب المجتمع فهو حلقة وصل بين معظم شرائح المجتمع ويعرف ويقدر حاجة البلد لمثل هذه المشاريع التنومية التي تعود على شبابنا بالخير وتقوض من انتشار الفساد وتفشي الجريمة واللامبالاة من بعض الشباب.
فالإنسان في التصور الإسلامي، لا يعيش مستقلا بنفسه، منعزلا عن غيره، وإنما يتبادل مع أفراد المجتمع الآخرين الولاية، بما تعنيه من الإشراف والتساند والتكافل في أمور الحياة، وفي شؤون المجتمع، والتكافل في الاستلام يعني التزام القادر على العطاء من افراد المجتمع تجاه افراده المحتاجين ودعم المشاريع التنموية في المجتمع حتى نبني مجتمع صالح قادر على تكوين أسرة قوية اجتماعيا وفكريا وعلميا حتى يسود المجتمع المحبة.
ان الإنفاق والدعم للمؤسسات الخيرية وكذلك الفعاليات والاانشطة المتنوعة والتي تنتشر في إرجاء القطيف يخلق لنا جيلا إبداعيا مميزا عندما تقام مثل هذه الأنشطة والفعاليات، أن العمل الخيري يعتبر من أهم وسائل النهوض بمكانة المجتمعات في العصر الحالي، وتتزايد أهمية العمل الخيري يوما بعد يوم بناء على ما وصل إليه المجتمع المدني من أهمية، إذ يشير إلى الدور الكبير الذي يناط به المواطنون أنفسهم من أجل تحقيق تقدم ورقى مجتمعهم.
لهذا يجب ان نقف على عدة نقاط من اجل رسم مستقبل لمجتمعنا حول الإنفاق وكيفية استغلال الأموال وتسخيرها للأعمال والأنشطة الشبابية التالية.
1 - تفعيل العمل الخيري ودعم الأنشطة الاجتماعية الخيرية وزيادة الوعي وتفريغ إداريين وإداريات للجان التطوعية الخيرية من اجل رفع المستوى الفكري والثقافي لهؤلاء المتطوعين وكذلك دعم المشاريع التنموية والنشاطات الأهلية المختلفة التي تقام في المنطقة.
2 - المساهمة في إلغاء الفوارق الدخلية بين الطبقات وإزالة الأحقاد والآثار السلبية، عبر تقديم صيغ تضامنية لإقامة علاقة إنسانية عادلة بين إفراد المجتمع وشرائحه المختلفة.
3 - وأخيرا، يبقى الهدف الأسمى للعمل الخيري تجسيد روح المواطنة الفاعلة والوحدة الوطنية والإنسانية الحقة، وتحقيق الترابط الاجتماعي بالعمل الطوعي وفق مبدأ الجسد الواحد من أجل الجميع.
إرسال وفود أكاديمية وغير أكاديمية ممن تتوفر فيهم روح العمل الجماعي للزيارة المؤسسات الخيرية في الدول الأخرى من اجل ترسيخ ثقافة العمل الخيري والتطوعي لديهم للاستفادة منهم من اجل نشر الفكر الثقافي في أوساط المجتمع وكسب الخبرة في إدارة المؤسسات الخيرية.
حتى نرتقي بمجتمعنا إلى ارقي المستويات ونلغي من قاموس هواجسنا تلك الطبقية وتلك الفوارق الإنسانية ونسموا بالخلق الجميل فيما بيننا ونضع موازنة للتصرفتنا بين أبناء مجتمعنا.