غزل سني - شيعي في السعودية
في لقاء احتضنتة مدينة القطيف (شرق السعودية) إستطاع سنة السعودية وشيعتها ان يلتقوا تحت سقف واحد لمناقشة قضاياهم المشتركة، وعلى الرغم من ان اللقاء تم في مدينة تعتبر هي المركز الرئيس لشيعة السعودية إلا ان المكان لم يكن عائقا امام الشيخ عوض القرني الذي قام بتلبية دعوة وجهها له الشيخ الشيعي حسن الصفار في مجلسة، ولعل الملفت في الأمر هو تواجد بعض الشخصيات الأكاديمية من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية التي تعتبر المعقل الرئيس للفكر السلفي، والتي تتهم بعمليات التمييز الفكري ضد الشيعة السعوديين ولاتسمح بقبولهم في كلياتها، وإن كان عوض القرني الحاضر في معقل الشيعة ابرز خريجيها.
ورحب الشيخ حسن الصفار بالحضور المتنوع طائفيا وقال أن الوطن يحمل هموما مشتركة لجميع أبنائه دون استثناء. وتطرق الصفار للهم الذي تعانيه الأمة الإسلامية والوطن. وشدد على تأكيد الوحدة الوطنية في هذه المرحلة الخطرة حيث أنها عرضة لتحديات بالغة القسوة، وبيّن ضرورة تماسك الوضع الداخلي في البلاد وأن الوضع السليم يجعل الأمة تقاوم التحدي، والوضع المتفكك في الأمة بين شرائحها يفاقم المشكلة ولو أن الأمة كانت مفككة فإنها حتما ستكون ضعيفة. وأوضح أن البلاد تواجه تحديا جديا هو تحدي التعايش فينبغي على جميع الأخيار في هذا الوطن أن ينتصروا على هذا التحدي ويحققوا التعايش، ذلك لأن التنافر والتباعد هو الذي يضعف الأمة.
وأعرب عن قلقه بسبب تلك الأصوات التي تتعالى في امريكا والغرب و تصف الإسلام بكيل من التهم، فالإسلام في نظرهم متطرف ومتعصب. وطالب في هذا الصدد بنموذج عملي يرد على تلك الأصوات التي تسعى للحط من قيمة الإسلام. وبين أن الإسلام مليء بثقافة التعددية والتعايش حتى مع غير المسلمين وقد استوعبت الثقافة الإسلامية كل التنوعات من مختلف الأديان، ومن هذا المنطلق لا توجد مشكلة في الدين الإسلامي فهو دين الحوار والانفتاح على الآخر.
وأكد على ضرورة قبول التعدد خصوصا أنه طبيعة الإنسان، ثم إنه ليس من المتوقع أن يكون المسلمون ضمن قالبٍ واحد في جميع التفاصيل الفكرية وعددهم يزيد على المليار نسمة.
ومن جهة اخرى قال الشيخ عوض القرني أن مجرد اللقاء هو مكسبٌ ينبغي أن نسعى إليه، و إن الطموحات وإن كانت كبيرة لكن وراءها آثار السنين والدهور، ومهما كانت لا يجوز أن تكون مثبطة بل لابد أن نكون واقعيين في التعامل معها، ولابد أن نؤسس لعلاقات جديدة بين طوائف الأمة المسلمة تُبنى على الحوار الصريح والمعرفة الدقيقة. وأن نواجه المشكلات على حقيقتها، فما كان منها وهمي نُعلن ذلك لأمتنا بوضوح، مؤكداً أن هذه الحقيقة لن تتجلى إلا بالحوار والتفاهم والمعرفة عن قرب.
وأضاف: لا أظن أننا بهذا اللقاء سنذيب جبال الجليد الحقيقية أو الوهمية، لكنني أقول: إنه خطوة يجب أن تجعلنا نتجه في المسار الصحيح.
وأشار إلى ضرورة الحكم على الآخر من خلال الواقع لا الوهم، وقال في ذلك: ينبغي أن نحاكم بعضنا البعض إلى واقعهم كما هو لا كما نتوهمه، أو نفترضه، ولا كما كان حقيقةً أو يقيناً أو ظناً قبل مئات السنين. ثم ننطلق من هذا الواقع ونتعامل معه في حياة الناس كما هو سواءً رضينا به أم لا.
وأضاف: أرى أننا في داخل كل طائفةٍ من طوائفنا في حاجةٍ ملحة، لا تحتمل التأجيل، إلى ضرورة مراجعة تراثنا، كل فئة على حدة. وأن تنزع عن غير الوحي المعصوم الذي جاء من الله سبحانه هالات العصمة التي تجعله غير قابلٍ على الإطلاق للنقاش، وربما لو ناقشناه بشئٍ من الهدوء لاكتشفنا أننا توارثناه جيلاً بعد جيل في حين أنه قد يُصادم قطعيات القرآن. وأكد أن من أسباب هذه المشكلة التي تعيشها الأمة الإغراق في التقليد وإحسان الظن بأهل الفضل والسابقة وعدم افتراض أنهم يُخطئون، وما يُنسج حولهم في الوجدان والذاكرة عبر السنين، مؤكداً أنه كلما ابتعدت الأمة عن عصر الوحي ومعطياته زاد هذا الأمر تراكماً، ومستثنياً طليعة الأمة من العلماء والمثقفين إذ يفترض أن يكونوا شيئاً آخر.
ينبغي لنا بشكلٍ صريح وواضح عندما أهل السنة يُطالبون بإنصاف أقليات أهل السنة في مجتمعات يكون الشيعة أكثريتها ينبغي أن يُقدموا نموذجاً حياً في إنصاف أقليات إخواننا أهل الشيعة في مجتمعاتٍ أكثريتها من السنة، وكذلك ينبغي إذا طالب إخواننا من الشيعة يكونون فيها اقليات بإنصافهم في مجتمعاتٍ أكثريتها أهل السنة، أن يجعلوا هذه المطالبة أيضاً حقاً لإخوانهم من أهل السنة التي هم فيها أقليات والأكثرية فيها شيعة. حتى تكون المطالبة من كلا الطرفين لها مصداقية واحدة لدى الجميع.
وأضاف: إننا إذا عجزنا من أن نتمثل أحكام الإسلام في التعامل فيما بيننا كمسلمين من حيث التعايش وأداء الحقوق والحوار للبحث عن الحق في ظل الفهم والتفاهم، فالأحكام التي جعلها الإسلام لأهل الذمة على المسلمين جميعاً كفيلة بأن تحفظ لأي طائفةٍ بشرية في الأرض كرامتها في أي مجتمع، وإن كنا -مع الأسف- لا نُطبق ذلك فيما بيننا.
وأبدى ارتياحه ممن عبّر عنهم برسل الرحمة في جميع الطوائف الذين يُريدون أن تتراحم الأمة وأن تعود لتكون أمةً واحدة إذا اشتكى منها عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، مؤكداً إدراكه للتحديات التي تعيشها الأمة والتي لم تعد تفرّق بين طوائفها ولا بين أنظمتها السياسية وشعوبها بل تستهدفها في كل شيء. مشيراً إلى أنه لو لم يكن من الضروريات إلا أن تعيش الأمة محافظة على خصوصياتها لكفى. وضرب مثلاً بأوروبا التي مع التباين الهائل بين المذاهب والقوميات والمصالح والحروب الطاحنة فيها عبر السنين لكنهم يتكتلون ويتجاوزون ذلك كله.
وأعرب عن إعجابه بأطروحات الشيخ الصفار التي قدّمها خلال الحوار الوطني عند الحديث حول القضايا الإسلامية وأبرزها فلسطين، وقال: كانت كلماته سرتني كثيراً وجعلتني أدرك أن العادة عندما توجد طائفة تشكل أقلية في مجتمع أن هوجسها الخاصة تسيطر عليها، لكنني رأيت طرحاً رائعاً متميزاً يعيش هم الأمة ويُفكر في قضاياها ويتغلغل بثاقب فكرٍ في آلامها بحثاً عن سبل علاجها ومواجهة تحدياتها، سرني هذا كثيراً وجعلني أشعر أن الأمة –بإذن الله- قادرة على تجاوز مشكلاتها الداخلية.
وأشار إلى وجود مشكلاتٍ حقيقية وقد تكون عميقة، ولكنها ليست مستعصية على الحل، والمطلوب مواجهتها بتجرد وبعلم وباحترام للعقل.
وأعرب عن أمنياته لأن يُبادر كلا الطرفين من الشيعة والسنة لبيان وتوضيح ما يُتوهم عنهم من مشكلات، حتى يقتنع الطرف الآخر بذلك، مؤكداً أن المبادرة إذا كانت من الطرف المقابل قد تُفسّر على أنها من أصحاب التسامح أو التميع أو الذين لا يعنيهم كثيراً الحفاظ على الحق.
وأكد أنه سبيقى هناك من لا يقبل الالتقاء من كلا الطرفين، إما تقليداً ومتابعةً، أو غلواً وتطرفاً، أو مصلحةً وهوى، أو.. ولكنهم سيشكلون أقلية. وجماهير الأمة ستقبل -بإذن الله- الحق.
وبشّر بأن الأجواء العامة الآن التي تنادي بالحوار والتواصل على مستوى الوطن أو الأمة، ستحقق إنجازات تنعكس خيراتها على مستوى الأمة.
وأشار إلى الحاجة إلى تفعيل حوارات النخب بعيداً عن ضجيج الجماهير وتعصب الغلاة وجمود المقلدين وتشكيكات أصحاب الأهواء والمصالح الشخصية. معتقداً أن الحوار بين النخب في الظل والهدوء، إذا كان راشداً مستبصراً بالكتاب والسنة وكان محتكماً إلى العقل والدليل والبرهان ستعود آثاره الخيرة إلى جميع مكونات الأمة.
وعوض القرني من أبرز الشخصيات الصحوية التي وقفت بصلابة ضد الحداثة ونظمها في السعودية، واعتبرها مؤامرةً ضد الإسلام ومحاولة لتهشيم الفكر السلفي، وحمل عليها بعنف في كتاب سماه «الحداثة في ميزان الإسلام» واعتبر الإسلامويين السعوديين هذا الكتاب بمثابة حجتهم في المعركة ضد رموز الحداثة السعوديين اثناء فترات السجال المشتعل بين الفكر الحداثي والفكر السلفي. وله أيضاً مجموعة من المؤلفات،، حتى لا تكون كلاّ، الصحوة الإسلامية وكيف نحافظ عليها، المختصر في مقاصد التشريع، فقه الخلاف، معالم الدعوة الراشدة • قام بتحقيق جملةً من الكتب، منها: الإجتهاد والتقليد، كاشف الرموز، التبشير شرح التحرير.
وسبق أن رد الشيخ حسن الصفار على تقرير الخارجية الأمريكية حول الحريات الدينية، وقال كيف يحق للأمريكيين أن يتحدثوا عن انتهاك الحريات الدينية وحقوق الانسان في هذا البلد أو ذاك، وهم يرعون ويدعمون ابشع ممارسات القتل والتدمير التي تقوم بها سلطات الاحتلال الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني المتمسك بحقه المشروع في الحرية والاستقلال؟
وأضاف: «إنه لا يمر يوم إلا تزهق فيه أرواح بريئة من الفلسطينين من الرجال والنساء والاطفال الذين لا ذنب لهم إلا الدفاع عن ارضهم وانفسهم وحقوقهم المشروعة» وقال ان كل ذلك بمرأى ومسمع وتشجيع ودعم من الإدارة الامريكية المنحازة للظلم والاجرام الصهيوني.
وقال انه في أمريكا نفسها يعاني العرب والمسلمون حالات سيئة من التمييز العرقي والديني تحدث عنها تقرير جديد من منظمة العفو الدولية اتهم السلطات الامريكية بالمبالغة في ممارسة حالات التمييز العرقي منذ هجمات 11 سبتمبر 2001م مشيراً إلى أن واحداً من كل تسعة امريكيين تعرض لهذه الممارسة بصورة أو أخرى خلال السنوات الثلاث الماضية.
وتساءل الصفار: مع كل هذه السياسات والممارسات الامريكية هل تتوقع وزارة الخارجية الامريكية ان ينظر الناس إلى تقريرها حول الحريات الدينية بصدقية واهتمام؟
وقال: ويهمني أن أؤكد هنا أن المواطنين الشيعة في المملكة العربية السعودية يرفضون التدخلات الاجنبية في شؤون بلدهم، وهم جزء لا يتجزأ من وطنهم، ويرفضون استخدام اسمهم للضغط والابتزاز من قبل أي جهة أخرى، وإذا كانت لديهم مشكلات فانهم كبقية مواطنيهم يتواصلون مع حكومتهم لمعالجة هذه المشكلات.
وأكد على ضرورة تفويت الفرصة على الاعداء والطامعين وطالب بترسيخ الوحدة الوطنية ومعالجة الثغرات ونقاط الضعف، وأن يأخذ الحوار الوطني مساره الحقيقي في تفعيل الاقرار بالتعددية المذهبية التي اقرتها توصياته، وعدم اتاحة المجال لأي ممارسات و أثارات طائفية لا يستفيد منها إلا الأعداء.
وشهد مؤتمر الحوار الوطني السعودي أبرز اللقاءات السنية الشيعية وتكللت تلك الحميمة بوصول الشيخ حسن الصفار والشيخ سلمان العودة الى مقر المؤتمر بسيارة واحدة، في خطوة اعتبرها المراقبون انها بداية تحول جديد بين الاعبين البارزين على الساحة السعودية.