لا اصل لتخصيص ليلة النصف من شعبان بعبادة
أثارت ليلة النصف من شعبان الكثير من الآراء والاختلافات حول هل لهذه الليلة فضل أو ليس لها من فضل، وهو ما انقسمت عليه الآراء مع أقوال أخرى وهل يمكن أن تخصص بعبادة معينة، بحيث لا تمضي علينا كأي ليلة أخرى.. كل هذا الحديث عن هذه الليلة بدأ في الآونة الأخيرة خاصة مع ظهور آراء فقهية أخرى في قضايا أخرى لم تكن لتناقش على الساحة العامة ، أو يمكن أن تتطرق لها وسائل الإعلام. وهنا طرحت آراء حول ذلك و كانت أمس الأول، ولكل رأي حجته ودليله، ولكل رأي اسناداته وأقواله، و انقسام حول صحتها وبدعيتها.
حيث يرى الشيخ الدكتور أحمد المورعي الأستاذ المشارك بكلية الدعوة وأصول الدين بجامعة أم القرى في مكة المكرمة: أن العلماء اختلفوا في القديم والحديث في فضل هذه الليلة، حيث ذهبت طائفة منهم إلى أنه لم يثبت في فضل هذه الليلة حديث ولا أثر يمكن الاعتماد عليه وضعّفوا الأحاديث الواردة فيها وقالوا: إن الأحاديث الواردة فيها دائرة بين الوضع والضعف وعدم الصحة ومن هؤلاء عبد الرحمن بن زيد بن أسلم والقاضي أبو بكر بن العربي وأبو الخطاب بن وجيه والشيخ جمال الدين القاسمي والشيخ علي محفوظ عضو هيئة كبار العلماء بمصر والشيخ ابن باز عليه رحمة الله. وأضاف المورعي أن صوم يوم النصف من شعبان لم يرد فيه شيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه وهو من جملة الأيام البيض التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يحثّ أصحابه على صيامها، فلو صامه على هذا الاعتبار فلا بأس به بل هو مندوب، أما أن يصومه مفردا ويخصّه بالصيام فمكروه.
وبيّن المورعي أن من بين البدع التي أحدثت في هذه الليلة ما يسمّى بالصلاة الألفية، وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (صلاة الرغائب بدعة. باتفاق أئمة الدين لم يسنّها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحد من خلفائه ولا استحبها أحد من أئمة الدين)، كما أن السيوطي رحمه الله قال فيها أيضاً: (والصلاة الألفية التي تصلّى ليلة النصف من شعبان لا أصل لها ولأشباهها فالعجب من حرص الناس على الأمر المبتدع في هاتين الليليتين وتقصيرهم في الأمور المؤكدة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم!!).
موضحاً أن من بين البدع المحدثة في هذه الليلة أيضاً دعاء مخصوص وهو مطبوع في كتيب صغير اسمه (دعاء ليلة النصف من شعبان) وهو دعاء موضوع مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا الدعاء يقرأ بعد صلاة المغرب مع سورة يس ثلاث مرات، الأولى بنية طول العمر والثانية بنية اتساع الرزق، والثالثة بنية الاستغناء عن الناس، كما أنه من البدع الفاشية بين المسلمين في هذه الليلة صناعة الحلوى والطعام وزيارة القبور وإيقاد الشموع ويضعون عليها الأزهار والورود. ويستشهد بنقل للعلامة أبو شامة المقدسي في كتابه الباعث عن الحافظ أبي الخطاب بن وجيه أنه قال في كتابه (ما جاء في شهر شعبان) قال أهل التعديل والتجريح: (ليس في حديث ليلة النصف من شعبان حديث يصح)، كما يضيف رأياً للشيخ ابن باز الذي قال فيه: (والذي عليه جمهور العلماء أن الاحتفال بها بدعة، وأن الأحاديث الواردة في فضلها كلها ضعيفة، وبعضهما موضوع، وقال: وأما ما اختاره الأوزاعي رحمه الله (من استحباب قيامها للأفراد واختيار الحافظ ابن رجب لهذا القول فهو غريب وضعيف).
ويرى المورعي أن عمدة الذين أنكروا فضيلة هذه الليلة، أنه لم يثبت في فضلها حديث صحيح يعتمد عليه، لكن هذا الكلام غير مسلّم به فقد صح الحديث في ليلة النصف من شعبان والى هذا ذهب كثير من العلماء المحققين من المتقدمين والمتأخرين منهم خالد بن معدان ومكحول الشامي ولقمان بن عامر والأوزاعي وإسحاق بن راهويه وأحمد وشيخ الإسلام ابن تيمية وابن رجب وابن الصلاح والسيوطي والمبارك فوري والساعاتي والألباني وغيرهم. حيث طعن في الأحاديث الواردة فيها كحديث "إن الله يغفر فيها لأكثر من عدد شعر غنم كلب"، وقال: لا فرق بينها وبين غيرها، لكن الذي عليه كثير من أهل العلم أو أكثرهم من أصحابنا وغيرهم على تفضيلها وعليه يدل نص أحمد لتعدد الأحاديث الواردة فيها وما يصدق ذلك من الآثار السلفية". كما يبين أيضاً رأي ابن رجب الذي قال أيضاً: (وفي فضل ليلة نصف شعبان أحاديث أخر متعددة، وقد اختلف فيها فضعفّها الأكثرون وصحّح ابن حبان بعضها وخرجه في صحيحه، ثم ذكر حديث عائشة وحديث أبي موسى وحديث عبد الله بن عمرو وحديث علي بن أبي العاصي ثم قال: وفي الباب أحاديث أخر فيها ضعف.. وليلة النصف من شعبان كان التابعون من أهل الشام كخالد بن معدان ومكحول ولقمان بن عامر وغيرهم يعظمونها ويجتهدون فيها في العبادة وعنهم أخذ الناس فضلها وتعظيمها، وقد قيل: إنه بلغهم في ذلك آثار إسرائيلية فلما اشتهر ذلك عنهم في البلدان اختلف الناس في ذلك فمنهم من قبله منهم ووافقهم على تعظيمها: منهم طائفة من عباد أهل البصرة وغيرهم، وأنكر ذلك أكثر علماء الحجاز منهم عطاء وابن ابي مليكة، ونقله عبد الرحمن بن زيد بن اسلم عن فقهاء أهل المدينة، وهو قول أصحاب مالك وغيرهم وقالوا: ذلك كله بدعة.
وكان قد ردّ حسن الصفّار، على القائلين ببدعية الاحتفاء بليلة النصف من شعبان ـ والتي يحتفي بها معظم المسلمين خلال هذه الأيام، وقال بأن هناك اتفاقا على أهمية هذه الليلة ومكانتها الخاصة عند الله تعالى، مشيرًا إلى أن السلف من المسلمين كانوا يحيونها. وحول اتهام البعض لمن يحييها بالبدعة والفسق، قال مؤكدًا: "أن يكون للإنسان رأي آخر يخالف غيره فذاك حق مشروع ولا مانع منه، ولكنه لا يصح أن يكون بالتراشق بالتّهم كالتبديع والتفسيق ما دام الأمر دائراً في مجال الاجتهاد، ويستشهد الصفار في ذلك بما ورد عن ابن فضال الذي قال: سألت علي بن موسى الرضا عن ليلة النصف من شعبان؟ فقال:« هي ليلة يعتق الله فيها الرقاب من النار، ويغفر فيها الذنوب الكبار» قلت فهل فيها صلاة زيادة على صلاة سائر الليالي؟ فقال:« ليس فيها شيء موظّف، ولكن إن أحببت أن تتطوع فيها بشيء فعليك بصلاة جعفر بن أبي طالب، وأكثر فيها من ذكر الله والاستغفار والدعاء، فإن أبي كان يقول: الدعاء فيها مستجاب». ويشير الصفار إلى أننا في كل عام وأمام هذه المناسبة العظيمة، نسمع أصواتًا تفتي ببدعية الاحتفاء بهذه الليلة وأن ذلك مخالف للشرع!، والصحيح أنه إن كان للإنسان رأي آخر يخالف غيره فذاك حق مشروع ولا مانع منه، ولكنه لا يصح أن يكون بالتراشق بالتهم كالتبديع والتفسيق ما دام الأمر دائراً في مجال الاجتهاد، فلكل فقيه الحق في الاجتهاد وتبيان رأيه حول المسألة. ليس هناك طائفة من طوائف المسلمين تقبل بالبدعة، فكلهم يروون روايات حولها وبألفاظ متقاربة.