كيـــف ننـــظر إلى أنفســــنا ؟
هناك لون خطير من ألوان الغرور قلَّ أن تسلّط عليه الأضواء وهو الغرور الديني، ونعني به أن يعتقد الإنسان امتلاكه للحقيقة الدينية المطلقة، دون استعداد للبحث والنقاش، وأنه أفضل ذاتاً من الآخرين، وأن مجرد انتمائه وانتسابه لهذا الدين أو المذهب، وقيامه بهذه الممارسة الدينية، يعني الفوز والنجاح في الدنيا والآخرة. هذا النوع من الغرور يشلُّ فكر صاحبه، ويجمّدَّ عقله، وينحرف به عن الطريق القويم، ويوفر له الأعذار والتبريرات لكل تقصير أو خطأ يصدر منه. كما يدفعه إلى التعالي على الآخرين والاستهانة بحقوقهم.
والأسوأ من ذلك أنه يقدم نموذجاً مشوهاً للدين أو المذهب الذي ينتمي إليه.
لكن الدين الحقيقي لا يوجد الغرور في نفس الإنسان، وإنما هي حالة دخيلة، ناشئة عن سوء فهم للدين، أو تحريف لتعاليمه، وبالتالي فهي نوع من الافتراء والكذب على الله، يقول تعالى: (وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ) (سورة آل عمران آية 24) فمنشأ الغرور ما افتروه على الدين، وليس من ذات الدين.
وقد تحصل الإضافة والافتراء على الدين من قبل شخص أو جماعة، لكنها تؤسس لنهج خاطئ يسير عليه التابعون. وهنا تأتي ضرورة الوعي والبصيرة في الدين،حتى لا يجد الإنسان نفسه مخدوعاً في دينه .إن هناك عدة مظاهر لهذا المرض الخطير على الإنسان أن يتأمل نفسه، ويتفحص سلوكه، ليتأكد من سلامته من هذه الأعراض، ومن الطبيعي أن يعتقد كل إنسان بصحة ما يعتنقه من دين أو مذهب، لكن ذلك يجب أن يتأسس على الدراسة والبحث الموضوعي، فقد وهب الله تعالى للإنسان عقلاً يدرك به الحقائق، ويهتدي به إلى الصواب، والعقيدة لا ينبغي أن يأخذها الإنسان كموروث عائلي، أو كاستجابة لأعراف البيئة الاجتماعية. وإنما عليه أن يستخدم عقله بالشكل الصحيح، بعيداً عن تأثيرات الأهواء والمصالح. وأن يعتمد على لغة الدليل والبرهان. يقول تعالى (قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ) (سورة البقرة آية111).
ومع مرجعية العقل، واعتماد حجيّة البرهان، لا يخشى الإنسان المتدين من الانفتاح على مختلف الآراء، بل يدرسها ويمحصّها ليكتشف الأحسن و الأقرب إلى الحقيقة والصواب.(الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمْ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ) (سورة الزمر آية 18).
هذا هو مقتضى التدين الواعي، أما المصاب بمرض الغرور الديني، فعادة ما يرفض أي بحث أو نقاش، ويكتفي بادعاء الأحقية المطلقة، فهو وحده على الحق، والآخرون كفار مبتدعون وفي ضلال مبين!! وبذلك يخدع نفسه قبل أن يخدع الآخرين، سواء كان في أصل الدين أوفي قضية من قضاياه، واعتقاد الإنسان بأحقية دينه ومذهبه، لا يعني الاعتقاد بعلو الذات على الآخرين، ولا يسوّغ ممارسة التعالي على الغير، بالاستهانة بهم، وانتهاك حقوقهم، والإساءة إليهم.
فينبغي التمييز بين الاعتقاد بعلو المبادئ والقيم، وبين الاعتقاد بعلو الذات. لأن سمو الذات يرتبط بمدى التزامها بالقيم والمبادئ، وهي لا تشرِّع للظلم، ولا تقبل انتهاك حقوق الغير.
لذلك نجد التعاليم الدينية الحقة، تؤكد على احترام الآخرين والإحسان إليهم. إن الله تعالى يصف المتقين بأنهم الذين: ( لاَ يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلاَ فَسَادًا) (سورة القصص آية 83) ويأمر المؤمنين باستخدام الخطاب الأحسن مع الناس: ( وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (سورة الإسراء آية 53) ولو تأملنا النصوص الدينية الواردة في احترام حقوق أبناء الديانات الأخرى (أهل الكتاب)، لرأينا مدى اهتمام الإسلام بتربية أبنائه على رعاية حقوق الآخرين، فقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "ألا من ظلم معاهداً، أو انتقصه، أو كلفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفس، فأنا حجيجه يوم القيامة"