السلفيون والشيعة
مرجعية الحوار وإمكانات التقريب
القرني والصفار يدعوان للتعايش السلمي والقدسي يستفهم عن المرجعية
مؤتمرات تقريب بين المذاهب الإسلامية المختلفة، مناظرات فضائية بين مشايخ ودعاة من هذا الفريق وذاك، حِدةٌ في الخطابات المتبادلة، ونزاع على الحقيقة التي يدعي كل فريق امتلاكها، وكذلك تصريحات بضرورة عدم التشنج في التخاطب، وضرورة الحوار والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة. كل هذه المعطيات والحقائق، لم تسعف بين دعاة "التقريب"، ولو على طاولة الحوار بين الإخوة المختلفين، "السلفيين" و"الشيعة".
هذا الجدل حاولت "الوطن" رصده، واستطلاع آراء عدد من المعنيين، بين من طالب به بعيدا عن دعاوى السياسيين كالدكتور سعيد حارب، وبين من اعتبره متعسرا إلا إذا حددت له مرجعية واضحة ومتينة كالشيخ مراد القدسي، فيما البعض الآخر رأوا ضرورة قيامه ومواصلته كالشيخ عوض القرني، خصوصا في ظل ما تعيشه الأمة الإسلامية من ظروف سياسية صعبة، وآخرون وجدوا فيه مخرجا للمسلمين من حال التشرذم والتمزق، وهو ما ذهب إليه الشيخان حسن الشهال، وحسن الصفار.
آخـــر تلـك المبـادرات – ولن تكون الأخيرة - الدعوة التي أطلقها الرجل الثاني، نائب الأمين العام لحزب الله اللبناني، الشيخ نعيم قاسم، في حواره مع "الوطن" في 31 مارس الماضي، وتأكيده على فتح "نافذة حوار" مع التيار السلفي، وقوله "جاهزون لتفاهم تكون قاعدته الوحدة الإسلامية، ونبذ التكفير". إلا أن قاسم أعطى مؤشرا على إمكانية فتح الحوار مع السلفيين حينما قال إن "التيار السلفي ليس تيارا واحدا، هناك السلفية الفكرية، وهنالك السلفية الجهادية، وهنالك المنفتحون، وهنالك التكفيريون، ولذا من الخطأ الحديث عن التيار السلفي الذي يشمل كل هذه الأقسام، ولذا نحن نقول، إن التيار السلفي المستعد للانفتاح والنقاش، يسير في الطريق الصحيح ونحن حاضرون للتعاون معه والانفتاح عليه". واستشهد قاسم في حواره بتجربة "لم يكتب لها النجاح"، مع سلفيي شمال لبنان، تقوم على دعامة الوحدة الإسلامية السنية الشيعية، وإيقاف المغالين من الطرفين، ووقف التكفير من الجهتين، لكن حصلت ضغوطات على الطرف السلفي، فاضطر إلى أن ينسحب منها، كما أبان قاسم في حواره.
التجربة اللبنانية في التقريب بين السلفيين والشيعة، والتي تحدث عنها قاسم، أكدها في حديث هاتفي مع "الوطن"، الشيخ حسن الشهال، وهو الذي وقع الوثيقة مع "حزب الله" ممثلا التيار السلفي، مشيراً إلى أن"الحوار كان سيكتب له النجاح، لولا تدخل الأجندة السياسية". متهماً أطرافا في "الوسط السياسي السني" بذلك، إبان فترة "التصارع السياسي بين تيار المستقبل وحزب الله". الشهال الذي يبدي امتعاضا شديدا ممن وقفوا ضد الوثيقة، أبان أن ضغوطا شديدة مورست عليهم، قائلا "هيجوا علينا العامة والغوغاء، والسلفيين المتشددين، واستطاعوا إجهاض التجربة"، معتبرا أن ذلك حصل بالرغم من "رسائل التأييد التي أتتنا من جميع أنحاء العالم من شخصيات متعددة"، وهي شخصيات من الوسط الإسلامي السني.
الشهال يعتبر أن الوثيقة كانت بالإمكان أن تؤسس لتفاهم إسلامي عريض، سبق المصالحات والتفاهمات السياسية التي تمت بين الفرقاء اللبنانيين لاحقا، مردفا "إنهم عارضونا في ذلك الوقت، ثم تمت المصالحة بينهم، ولم يعتذروا إلينا، رغم إحساسنا بالخطر على السلم الأهلي اللبناني قبلهم، ولكن التقاطعات السياسية، وليست القناعات هي السائدة للأسف الشديد". مضيفاً "إن الله تعالى حث في كتابه الكريم على محاورة أهل الكتاب (اليهود والنصارى)، وبما أن الله حث على ذلك، فالشيعة أولى من هؤلاء بالحوار معهم" محذراً من "فتنة يخطط لها الأعداء، في إشعال الاقتتال الطائفي بين السنة والشيعة، في المنطقة العربية"، بحسب وجهة نظره.
ويعد الشهال من الشخصيات السلفية اللبنانية البارزة، ونائب أمير أول جماعة سلفية، ويدير حالياً "جمعية الدعوة والإيمان والعدل والإحسان"، المرخصة من قبل وزارة الداخلية اللبنانية.
رئيس جمعية "الحكمة اليمانية الخيرية" بصنعاء، وأحد القيادات السلفية الشيخ مراد القدسي، أوضح أن "الحوار مطلوب عموماً"، ولكنه تساءل "على أية أرضية نتحاور، وما هي المرجعية التي نرجع إليها عند الاختلاف"، واضعاً اشتراطات قبل بدء أي حوار سلفي- شيعي، قائلاً في حديثه مع "الوطن"، إنه يتوجب"على الشيعة أن يوقفوا صراعاتهم مع الطرف الآخر وتهجمهم عليه، حتى يكون الحوار بناء. وأما إذا ما استمر الحال على ما هو عليه من العداء، فإن الحوار لن يكون مجدياً"، مذكراً (الشيخ القدسي) بدعوات الحوار القديمة التي تبناها الأزهر الشريف كمؤسسة لها وزنهـا في العالم الإسلامي، إلا أنهـا وبحسب رأيه لم تصل إلى نتيجة، مؤكداً على أن "القنوات السنية مستعدة للحوار، ولكنهم لا يريدون تضييع أوقاتهم مع من يحاورونهم"، مشيراً إلى "الشيعة رفضوا دعوات سابقة للحوار، وأدبياتهم وكتبهم ومصادرهم وعقائدهم شاهدة على مخالفتهم لدعوات الحوار التي يتبنونها".
دعوة نائب أمين عام حزب الله الشيخ نعيم قاسم، للحوار مع السلفيين، أثارت جدلاً في الوسط السلفي، خاصة أن الدعوة أتت في ظل العلاقة التجادلية، والاتهامات السياسية المتبادلة، حيث يعتقد عدد من علماء الدين السلفيين بأن الحزب "يدور في فلك الجمهورية الإسلامية الإيرانية"، معتبرين أنها تقود حربا سياسية بأبعاد عقدية، لتقليص نفوذ المجتمعات "السنية" وإضعاف قواها في عدة مناطق ساخنة من الشرق الأوسط، والدول المحيطة بها مثل أفغانستان، والعراق، ولبنان، وفي هذا الصدد يعلق على دعوى الحوار في ظل التعقيدات الحالية، رئيس "مركز الجزيرة العربية للدراسات والبحوث" أنور بن قاسم الخضري، في حديث مع "الوطن"، قائلاً إن "الحوار مطلوب بحد ذاته لكن حينما ينطلق من ثوابت الأمة الشرعية، والقضية الكبرى للأمة الإسلامية" ويضيف الخضري أن "جوهر الحوار ينطلق من العقيدة، وهي جوهر التوجه السني، خصوصا فيما يتعلق بالخلاف مع الشيعة في بعض أصول الاعتقاد، فالحوار إذاً ليس سياسياً بحد ذاته". الخضري يعتبر نفسه معنيا بالموضوع، وقد ألف كتاب "حزب الله من النصر إلى القصر" الصادر عام 2007، وهو قراءة فكرية وسياسية في استراتيجية "حزب الله"، عرض فيه وجهة نظره التي يزعم أنها تستند إلى وقائع وحقائق تاريخية ومعاصرة، رابطا بين "حزب الله" وبعده "العقدي والسياسي".
الخضري في هذا الموقف من الحوار، جاءت أفكاره متجانسة مع ما طرح في كتابه، إذ اعتبر أن دعوة الشيخ قاسم بحصر اللقاء بالتيار السلفي، تمثل "تحييدا للوسط السني واختراقا واضحا له، خاصة أن مثل هذه الدعوة ربما توحي أن الخلاف محصور فقط مع التيار السلفي، ومفردة السلفية، مفردة فضفاضة، وكأن هناك فرقا في المجتمع السني، تلغي القضايا العقدية تماماً من حوارها مع الشيعة، وهذا ليس موجود إطلاقاً".
يتفق الشيخ حسن الشهال في جزئية مع الخضري، من أن "الحوار مع الشيعة يجب أن يكون في أمور العقيدة". إلا أنه يختلف معه في جزئية أخرى، وهي أنه "إذا فشل الحوار العقائدي، لا يجب أن تتوقف الحوارات في المجالات الأخرى، سواء في السياسة أو غيرها، بهدف عدم حصول ما لا يحمد عقباه، من الاقتتال الطائفي".
من جهته، يرى الدكتور توفيق السيف، وهو من الشخصيات الشيعية البارزة في السعودية، يرى"أن الحوار بين السلفيين والشيعة خاصة في المملكة، مصاب بعلة شديدة، والتي يدور رحاها حول توحيد العقيدة. فالفرض في الحوار بأمور عقائدية لا يوصلنا إلى نقاط التقاء خاصة في الأفكار، ولو امتدت لـ 200 سنة قادمة". متسائلاً عن "الهدف من هذا الحوار، هل هو للتعايش، أم الانقلاب العقدي". معتبرا أنه "إذا كان الحوار للانقلاب العقدي، فهذه لا تفككها الحوارات بين المختلفين، ولكن تفككها الحوارات الداخلية الخاصة بكلا الجانبين الشيعة والسنة".
المفكر الإسلامي والقانوني الإماراتي الدكتور سعيد عبد الله حارب، أخذ بعداً مختلفاً عن موقف ووجهة نظر الخضري، وقال في حديثه لـ"الوطن" إن "هناك إشكالية سياسية كبرى في المنطقة العربية عامة، والخليج خاصة مع حزب الله، لكن الحوار لو أطلق من جهات ثقافية شيعية غير سياسية لكان الحوار أفضل، خروجاً عن التحسسات السياسية المشتعلة في المنطقة، خاصة في ارتباط الأخير بإيران".
رئيس كتلة الوفاق الإسلامية في مجلس النواب البحريني، وهي أكبر كتلة تمثل المسلمين الشيعة في المجلس، الشيخ علي سلمان، أيد في تعليق خاص مع "الوطن" من العاصمة المنامة الدعوة للحوار مع السلفيين إلا أنه اختلف مع الشيخ نعيم قاسم في طرحه، قائلاً "لا يمكن استثناء أحد من الحوار في الوسط السني، أو حتى ما يطلق عليهم السلفيين الجهاديين، أو التكفيريين"، مطالبا بإشراك الفئات السنية الأخرى كـ"الإخوان" و"الصوفية"، بل "مشاركة جميع الطوائف"، بهدف "عدم إرباك بلداننا". ويختلف السلمان مع الدكتور حارب في حذره من كون هذه الدعوة صادرة من جهة "سياسية"، قائلاً "لا يهمنا إن كان مصدر هذه الدعوة جهات سياسية أو ثقافية، لكن الأهم هو الجدية في الحوار".
أستاذ أصول الفقه بمركز الدعوة العلمي، عبد الوهاب الحميقاني، يتفق مع ما ذهب إليه أنور الخضري، في كون "السلفيين ينظرون إلى الشيعـة نظـرة عقديـة وليست شخصية أو سياسية"، مشيراً في تعليقه لـ"الوطن"، إلى أن "الحوار لأجـل الوصول إلى الحق لا يوجد مانع معه، أما الحوار لأجل التقارب فلا. لأن ذلك يصبح من باب ذر الرماد في العيون".
ولبدء أي حوار، يشترط الحميقاني أن تكون مرجعية الحوار "القرآن الكريم والسنة النبوية".
الشيخ حسن الصفار، الشخصية السعودية الشيعية البارزة، وفي حديثه لـ "الوطن"، اعتبر أنه "ربما يستبعد كثيرون إمكانية تحسن العلاقة بين السلفيين والشيعة، لما بين الطرفين من اختلاف وتضاد، في مسائل عقدية حساسة، ولوجود تاريخ مثقل بالمشاحنات بينهما، ولأن من طبيعة المدرسة السلفية التشدد والصرامة، فيما تراه خلافاً عقدياً، ليس تجاه الشيعة فقط، بل حتى داخل الدائرة السنية". وأشار الصفار إلى وجود تطور فكري ملحوظ عند عدد من الدعاة والمثقفين السلفيين، معللاً ذلك "بضخامة التحديات التي تواجه الأمة الإسلامية، والتي من المفترض أن تدفع الواعين من الطرفين لتجميد خلافاتهم، إن لم يكن تجاوزها".
وذكر الصفار عددا من الضوابط لنجاح الحوار بين السلفيين والشيعة، مع تسليمه بعدم تنازل كل طرف عن ثوابته، والضوابط التي أشار إليها الصفار، هي "الإقرار بجامعية الإسلام للطرفين، والاحترام المتبادل، واعتماد نهج الحوار في قضايا الخلاف، وتفعيل التعاون في خدمة المصلحة العامة للإسلام والمسلمين". واعتبر الصفار "البؤر الساخنة" على خط الخلاف السني الشيعي، بأنها وراء مسيرة عدم التقارب بين السلفيين والشيعة.
التعايش السلمي، وضرورة تنظيمه ومراعاته بين المذاهب الإسلامية، لمواجهة الأخطار الداخلية والخارجية، هو ما شدد عليه الداعية الإسلامي الشيـخ عوض القرني، قائلا إن "التعايش السلمي بين الطوائف ضرورة ملحة، والمرجعية الإسلامية في البلد المسلم هـي ما سيحدد طريقة التعامل بين أبناء الوطن الواحد، وأسلوب العيش بين الجميع". القرني وفي حديثه لـ"الوطن"، أيد الدعوة التي أطلقها بعض الدعاة ومنهم الشيخ عايض القرني لـ"تجاوز الخلافات بين المسلمين، وإطلاق وثيقة تعايش واحترام مشتركة، تشدد على الثوابت وتنبذ الاختلافات، وتؤسس لاحترام متبادل، لا يعتدي فيه أحد على الآخر". مضيفا أن "الحوار مطلوب مع الجميع، ومع حتى غير المسلمين فما بالك بين أبناء الملة الواحدة، والوطن الواحد".