قراءة في إصدارين يعالجان المسألة
أوقاف أهل البيت (ع) في القطيف والأحساء وتحدياتها المعاصرة
الإسلام دين الفطرة.. ذلك أن الدين الإسلامي نظام شامل يُعنى بشؤون الإنسان والحياة ومبدئهما ومنتهاهما بما ينسجم ونداءات الفطرة الإنسانية السليمة القائمة على حب الخير والتراحم الإنساني الجماعي والاجتماعي.
ومما تنادي به هذه الفطرة الإنسانية المحبّة للآخرين والإحسان إليهم والمداومة على فعل الخير والإحسان بما يشمل العديد من صورهما التي يكون على رأسها الوقف، حيث تمثّل هذه الظاهرة إحدى أهم الظواهر الاجتماعية الخيرة التي عرفتها المجتمعات البشرية منذ القدم.
ولذلك عندما صدع رسول الله بالإسلام كانت ظاهرة الوقف مما ركّزته المواقف النبوية في المجتمع الإسلامي الأوّل، وقد أخذت هذه الظاهرة بالنمو في المجتمعات الإسلامية إلى وقتنا الراهن، فلا يخلو مجتمع إسلامي من الأوقاف التي غالبًا ما تكون موجّهة للشؤون الدينية أو الخيرية أو الاجتماعية أو غير ذلك.
وهذه الظاهرة ـ كما هي ظاهرة إسلامية خاصّة ـ تشاركنا فيها بقية المجتمعات البشرية الأخرى، بل يتفوّق علينا بعضها في تنميتها وتنويعها بما يتناسب والتحديات المعاصرة، لاسيما المجتمعات المتقدّمة منها.
وبسبب انفتاح المجتمعات الإسلامية على الغرب وحضارته المعاصرة بتنوعاتها المختلفة، ظهر هناك ما يشبه الموازنة والمفاضلة بين الحالة الوقفية عند المسلمين ومثيلاتها عند هذه المجتمعات، الأمر الذي دفع البعض إلى المطالبة بتطوير هذه الظاهرة وتنميتها في مجتمعاتنا لتضاهي نظيراتها في بقية المجتمعات، وقد ظهر ذلك في العديد من الدراسات التي أربت على 150 دراسة أحصى الأستاذ يوسف أحمد الحسن ما أمكن معرفته منها، وذلك في مسرد بهذه الدراسات نشره في مجلّة الواحة العدد 28 (الربع الأول من العام 2003م).
وستكون وقفتنا هذه مع دراستين عقدتا للحديث عن أوقاف أهل البيت في واحتي القطيف والأحساء وما تواجهانه من تحديات معاصرة، أولاهما لسماحة الشيخ حسن الصفّار بعنوان: «الأوقاف وتطوير الاستفادة منها»، والأخرى لمجموعة من المؤلّفين، أعدها: الأستاذ عيسى عبد الله المرهون، وهي بعنوان: «الوقف وإنماء المجتمع في الفكر الشيعي».
وسأحاول التعريف ـ أولاً ـ بأبرز عناوين هاتين الدراستين، متبعًا ذلك بذكر بعض التعليقات والملحوظات التي وجدتها أثناء مطالعتي لهما، عسى أن أكون قد وفقت في ذلك.
· نشر: أطياف للنشر والتوزيع ـ القطيف.
· الطبعة: الأولى 1427ﻫ ـ 2006م.
· القطع والصفحات: وسط × 78 صفحة.
الكتاب عبارة عن دراسة شارك بها المؤلّف في فعاليات الملتقى الأول للوقف الجعفري بتاريخ 15 – 16/ ذو القعدة/ 1426ﻫ = 17 – 18/ ديسمبر/ 2005م، تناول فيها عناوين عدّة نعرّف بها هنا تباعًا، حيث بدأ حديثه بِـ:
فأشار إلى وَهْمِ بعض العلماء المسلمين الذين عدّوا الوقف من خصائص الشريعة الإسلامية، بينما هي ظاهرة إنسانية عامّة ظهرت قبل الإسلام وفي مناطق لا تدين بالإسلام، لينتقل منها إلى الحديث عن استحباب الوقف وأهميته في المجتمع الإسلامي، وذلك استرشادًا بما في النصوص الإسلامية الشريفة وسيرة الأوائل الذين غطّى الكثير منهم جوانب وقفية متعدّدة، فلم تقتصر الأوقاف عند المسلمين ـ تاريخيًّا ـ على المساجد وبيوت القرآن وعموم الشأن الديني.
استعرض الشيخ حسن الصفّار تحت هذا العنوان الاهتمامات الحضارية لأوقاف المسلمين التي شملت العديد من الجوانب، كدور العلم، والمشافي، وبعض الشؤون الإنسانية والاجتماعية التي كانت ملحّة في زمنها، ليكون هذا العنوان مدخلاً لبحث «اختيار غرض الوقف» من الناحية الفقهية، إذ أشار الشيخ هناك إلى أن الإسلام يتسم بالمرونة في هذا الجانب، مستشهدًا برأي السيد اليزدي (ره) صاحب العروة الوثقى، حيث يرى جواز «الوقف والبرّ والإحسان على الحربي أيضًا؛ لإطلاق الأمر بالخير والإحسان»، ثم يوجّه الشيخ الصفّار بأن يكون اختيار غرض الوقف قائمًا على قواعد أربع، هي:
1. التوجّه إلى الشرع لمعرفة ما رغّب فيه.
2. تلمّس موضع الحاجة في المجتمع.
3. الوعي بأهمية بعض أغراض الوقف.
4. تعرّف الحاجات الاجتماعية لاستقطاب الجمهور.
يتمحور الحديث في الدراسة عن أوقاف أهل البيت، لذلك خصّص الشيخ الصفّار معظم العناوين لبحث هذه النقطة، مشيرًا إلى أن معظم المساحات الزراعية المستثمرة في منطقتي القطيف والأحساء هي أوقاف لأهل البيت ، ويضاف إليها العديد من العقارات والمحلاّت التجارية، بحيث تشكّل هذه بمجموعها مداخيل مالية عالية، بحيث لو استثمرت الاستثمار الصحيح ستمثّل رافدًا اقتصاديًّا مهمًّا يساعد على تقوية هذه المنطقة في شتى النواحي: الدينية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية.
وقبل الدخول في معالجة ما تواجهه هذه الأوقاف من تحديات، بدأ الشيخ الصفّار بالحديث عن أهم العوامل المؤثّرة في شيوع ظاهرة أوقاف أهل البيت في مجتمعَي القطيف والأحساء، ذكر منها ستة عوامل، هي:
1. عمق الولاء والمودّة لأهل البيت في نفوس الشيعة.
2. دافع التقرّب إلى الله تعالى؛ لأن إحياء أمرهم محبوب شرعًا.
3. إحياء أمرهم هو إحياء للحالة الدينية اجتماعيًّا.
4. حالة المظلومية التي عاشها أهل البيت تدفع الآخرين لتخليد ذكراهم، والوقف إحدى الطرائق في ذلك.
5. الظروف الصعبة التي مرّت على المجتمعات الشيعية جعلت من إحيائهم لمصائب أهل البيت جزءًا من هويتهم.
6. الوقف على أهل البيت يشكّل نوعًا من الاستقلالية المالية للنشاط الديني.
يعرض المؤلّف تحت هذا العنوان تحديات ثلاثة، هي: التحديات الثقافية، والاجتماعية، والحضارية، داعيًا في ذلك إلى مواجهتها بإنشاء العديد من المراكز والمؤسسات الجماعية التي من شأنها تطوير أساليبنا المحلية بما يكون في مستوى ما نعيشه ونعاصره من تحديات.
من النقاط المهمّة التي تعرّض إليها الشيخ حسن في هذه الدراسة هو ما قام به من موازنة بين ما تقوم به المجتمعات المتقدّمة من عقد مئات وآلاف الدراسات عن أبرز رجالاتها في الفكر والفن والأدب، بينما لا يرقى مجموع ما نكتبه عن قادتنا من أئمة أهل البيت إلى ما يكتبه هؤلاء عن فرد واحد من رجالاتهم اللامعين، وهي مهمّة ينبغي أن تتكفّل هذه الأوقاف بتمويلها ونشرها على المستوى العالمي.
يختم سماحة الشيخ كتابه باستعراض لأهم عائقين من عوائق قيام هذه الأوقاف بالدور المطلوب منها بصورة معاصرة، وهما: العائق التنظيمي الإداري، حيث تعيش الغالبية العظمى من أوقاف المنطقة حالة الفوضى والاعتماد الكلي على متولّي الأوقاف الذي يكون ـ في الغالب ـ شخصًا غير متفرّغ تمامًا للقيام بهذا الدور. وعائق جمود وتقليدية الاهتمامات، حيث لا تزال مصارف الأوقاف على أمور تقليدية غير مواكبة لمتطلّبات وحاجات العصر، وفي هذا المجال يتحدّث الشيخ لاحقًا عن أهمية «التنمية الثقافية والإنفاق الأهلي» كمصرف مهم من مصارف الأوقاف، وذلك لما لها من دور في النهوض الحضاري والثقافي بمجتمعاتنا الإسلامية.
. نشر: آفاق للدراسات والبحوث ـ القطيف.
. الطبعة: الأولى 1430ﻫ ـ 2009م.
. القطع والصفحات: وسط × 173 صفحة.
الكتاب يضمّ بين دفّتيه سبع دراسات حول أوقاف أهل البيت في واحتي القطيف والأحساء، يشكر فيه ما بذله الأستاذ المرهون من جهد في جمعها وإعدادها وإصدارها في هذا الكتاب الرائد في مجاله.
كانت أولى الدراسات للباحث الأستاذ محمد محفوظ التي بدأها بالحديث عن أهمية استنهاض المجتمعات لقواها الذاتية بما تملكه من إمكانات ولو كانت محدودة، حيث يمثّل الوقف إحدى مكامن القوّة في أيّ مجتمع، معرّفًا بالوقف ودوره في المجتمعات الإسلامية قديمًا وحديثًا، واصفًا الوقف بأنه: «مشروع إسلامي أصيل، يتّجه إلى تنمية الإنسان في مختلف المجالات، ويطوّر من إمكاناته وقدراته، ويسعى إلى سدّ كل الثغرات التي تحول دون تقدّم المجتمع المسلم»[1] .
ثم يعرّج بالحديث عن دور الأوقاف في النهوض العلمي والثقافي في تاريخ المسلمين، وذلك بسبب غياب الدولة والسلطة عن هذا الجانب، داعيًا ـ في ختام الدراسة ـ إلى تفعيل دور الأوقاف ثقافيًّا في مجالاتٍ ثلاثة، هي: تحصيل الثقافة، ونقلها، والإسهام فيها، فَـ «مؤسساتنا العلمية تستطيع القيام بذلك، إذ لها من خبرتها وخبرة غيرها ما يسهم في توفير انفتاح أكبر على مجتمعها والدخول معه بوابات المستقبل»[2] .
الوقف نوع من أنواع الصدقة، حيث عُبِّرَ عنها في النصوص الحديثية الشريفة بِـ «الصدقة الجارية»، وهي النقطة التي افتتح بها الشيخ علي الموسى حديثه، حيث بيَّن فيه الآثار التكوينية الدنيوية والأخروية والاجتماعية للصدقة بأنواعها المتعدّدة، وذلك كمدخل للحديث عن الصدقة الجارية (الوقف)، مفرِّقًا ـ فيما بعد ـ بينها وبين الحَبْس، ليكون مدخلاً لتعريف الوقف لغةً واصطلاحًا في المتون الفقهية.
وبعد ذلك يعرّف الشيخ الموسى بالناحية التاريخية للوقف في حياة المسلمين، معرّجًا بعدها على أحكام الوقف، من حيث شروطه وضابطته الفقهية وأنواع المنافع الموقَف عليها، مثل: المنافع العبادية والاجتماعية والثقافية والعلمية والبيئية الطبيعية والإنسانية، منهيًا بحثه الفقهي بمسألة زوال منفعة الوقف العام والخاص، ممثلاً بأوقاف الإمام الرضا بإيران كنموذج للوقف الديني في تجربته المشرقة. ثم يختم دراسته بِـ «الأوقاف السكونية وعوائق الدور المطلوب»، إذ أراد بالسكونية تلك الأوقاف المجمّدة وغير المستفاد منها، إذ حصر العوائق في مسألة العائق التنظيمي والإداري.
يتناول الشيخ عبد الله اليوسف في هذه الدراسة ـ كما هو بيّن من العنوان ـ تفعيل دور الأوقاف، وكتمهيد لذلك بدأ حديثه عن المصادر المالية العامّة في الإسلام، حيث قسّمها إلى مصادر واجبة ـ مثل: الزكاة والخمس والكفارات والديات ـ، ومصادر مستحبّة ـ مثل: الصدقات المستحبّة، والأوقاف ـ، عادًّا الأوقاف أهم ما «يتصدّر منظومة الأعمال التطوّعية والخيرية؛ لأنها تمثّل أصولاً مالية ثابتة ... فهي لا يجوز بيعها ولا هبتها ولا التعدّي عليها»[3] .
بعد ذلك ينتقل الشيخ اليوسف إلى صلب بحثه، إذ يركّز الحديث هناك حول بعض المقترحات التي من شأنها تطوير الأوقاف، فذكر في هذه الدراسة مقترحات سبعة، هي: التجديد الفقهي لمسائل الوقف، وتثقيف المجتمع بأهمية تنمية الوقف، والتشجيع على حبس أوقاف جديدة، وإدارة الوقف بالأساليب الحديثة، وعمل مسح إحصائي للأوقاف، والرقابة على المتولّين والناظرين، وتنمية عوائد الأوقاف.
قسم الأستاذ محمد باقر النمر الوقف إلى: خيري (ولعلّه يقصد به الوقف العامّ) وذرِّي خاص، وذلك في مفتتح حديثه، لينتقل بعده إلى بيان مشروعية الوقف وشروطه الفقهية، مع بيان لفوائده الشخصية والاجتماعية والمستقبلية (فيما يخص الوقف الذرِّي، حيث يعد ضمانة مستقبلية لأبناء وذرية الواقف).
وبعد بيان هذه الفوائد يبحث الأستاذ النمر في مسألة الناظر أو الولي على الوقف، ومسألة استبدال منفعة الوقف في حال كانت لا تتناسب والعصر الحالي، وذلك من الناحية الفقهية، تمهيدًا لما سيشير إليه لاحقًا حول أهمية تطوير الذهنية الوقفية إلى ما يشكّل طفرة نوعية اجتماعية يكون الوقف رافدها الأساس، وذلك تحت العناوين التالية: التحدي الكبير، وخطوات الاستبدال، وتوصيات ومقترحات.
تأمين الحاجة الضرورية الشخصية الدائمة هي من أولى أولويات الإنسان في حياته، وهذا هو سرّ ما يقوم به الإنسان من حبس الأصول ذات الريع. هذه هي النقطة الأساس التي ينطلق منها الأستاذ محمد أمين أبو المكارم في بحثه، ويدخل منها إلى الحديث عن بداية فكرة الوقف منذ ما قبل ظهور الإسلام، حيث يشير الكاتب إلى أن الوقف ظاهرة عرفها قدماء العراقيون والمصريون والرومان والجرمانيون والفرنسيون، وحثت عليه الشريعة الإسلامية فيما ورد من نصوص إسلامية تحثّ المسلم على فعل الخيرات والصدقات المنقطعة والجارية (الوقف)، ممثلاً بما فعله الرسول والإمام علي والسيدة الزهراء ، ليتناول بعد ذلك تعريف الوقف، عارضًا لبعض المسائل المتعلّقة به، مثل: ما يثبت به الوقف، والوقف بالمعاطاة، والموقوف عليه، وشمول الوقف لغير المسلم، وإدارة الوقف.
منهيًا دراسته بالإشارة إلى بعض المشكلات المعاصرة بخصوص الوقف، مستعرضًا في هذه النقطة بعض الحلول المقترحة.
تعجّ منطقتا القطيف والأحساء بالعديد من الأوقاف، ولكنها ـ على كثرتها ـ لا تلقى العناية التي تتناسب وقيمتها الدينية والاقتصادية، وبالخصوص فيما يرتبط بالدراسات الميدانية، وهي النقطة التي يفتتح الشيخ محمد علي الحرز بها دراسته التي يقسمها إلى أقسام ثلاثة، الأول منها يتحدّث فيه عن أكبر الأوقاف في منطقة الأحساء، وهي تسعة أوقاف استعرض بياناتها المهمّة، مثل: اسم الوقف، والواقف، وغرض الوقف، وكاتبه وشاهديه، وتاريخ تسجيله، ليعقّب ذلك بذكر بعض الإحصائيات المهمّة، مثل: أعداد الوقف في الأحساء حسب سنة الوقف، أو حسب مكانه، وحسب الموقوف له، ونوع الوقف.
وفي المرحلة الثانية يتحدّث الشيخ الحرز عن بعض مشكلات الوقف وتحدياته، إذ حصرها في ثمان، هي: اختلاس ريع الوقف، وعدم أهلية الولي، وتخلّي الولي عن الوقف، وزيادة إيراد الوقف عن الموقوف له، وانتفاء مجال الوقفية، وضيق مجال الوقف، وعدم تسجيل الوقف، وصعوبة تطبيق الوقف. وفي المرحلة الثالثة تحدّث عن «الآفاق المستقبلية للوقف»، وذلك تحت عناوين ثلاثة، هي: الحاجة إلى إعادة النظر الفقهية في الوقف، والتنظيم الإداري للأوقاف، وتشجيع الخيارات الجديدة للوقف.
الصدقة والخمس والنذور وغيرها من الموارد المالية في المجتمعات الإسلامية لم تساهم إلى الآن بصورة فاعلة في الحدّ من ظاهرة الفقر والعوَز التي تعاني منها مجتمعاتنا، ولذلك يقترح الأستاذ عيسى عبد الله المرهون ـ في بداية حديثه ـ أن تكون هناك دراسات جادّة وميدانية لتفعيل هذه الأموال فيما من شأنه الحدّ من هذه الظواهر السلبية، مركّزًا الحديث على الوقف، لينتقل منه إلى بحث معنى الوقف والاستثمار، ثمّ يتحدّث عن أنواع الوقف (العام والخاص).
ينتقل بعدها إلى الحديث عن فقه استثمار الوقف، حيث يدعو إلى تطوير النظرة الفقهية إلى الوقف، وذلك في عدّة مسارات، هي: الآفاق الاجتماعية والدينية للوقف، والثقافية، والاقتصادية، والمنح الدراسية، والآفاق الصحّية، والعلمية، والقرآنية. وتحت عنوان: «الوقف وتطلع المجتمع المدني» ناقش مسألتي: استقلال الوقف، وخصخصته، منهيًا بحثه بذكر عدّة توصيات لتطوير الأوقاف ومنافعها الموقوفة عليها.
يعدُّ هذان الكتابان من المحاولات الرائدة في دراسة أوقاف أهل البيت وسبل تنميتها بما يتلاءم والتحديات المعاصرة التي تواجهها مجتمعات واحتي القطيف والأحساء، ولم يسبقهما إلا بعض المحاولات القليلة، وقد وجدت من المناسب عرض مادّتهما بصورة مختصرة، مع ذكر بعض ما عنَّ لي من ملحوظات قليلة أثناء مطالعتهما، أذكرها هنا في خاتمة هذه المقالة، وهي كالتالي:
(1) العناوين التي مرّت بنا أثناء استعراض مادّة هذين الكتاب لعلها لا تتناسب وما تحتها من مادّة، ذلك أن جميع هذه الدراسات قد قصرت حديثها على أوقاف أهل البيت في خصوص واحتي القطيف والأحساء، وكان الأولى أن ينعكس هذا الأمر على العناوين التي مرّت بنا، فالمساجد والحسينيات من الأوقاف الإسلامية، وهي غير مقصودة في البحث والمناقشة، وإنما كانت معظم الدراسات تدرس الأوقاف ذات الريع المادي الموجّه لذكر أهل البيت ، لذلك كان الأولى حصر العناوين في «أوقاف أهل البيت في القطيف والأحساء».
(2) لم يكن هناك إشارة في مقدّمة الكتابين إلى الدراسات السابقة، فقد ظهرت دراسات خاصّة عن أوقاف أهل البيت في القطيف أو الأحساء، أذكر منها:
- مشكلات الوقف الإسلامي وسبل تنميته .. الأحساء نموذجًا، الدكتور عبد الهادي الفضلي، مجلة الكلمة، العدد 13، السنة 3، خريف 1996م/ 1417ﻫ.
- العدد 28 من مجلة الواحة، السنة التاسعة، الربع الأول 2003م، حيث كان ملف العدد عن الأوقاف في منطقتي القطيف والأحساء، وذلك تحت عنوان: «الوقف الإسلامي في المنطقة .. دعوة للتنمية والاستثمار».
- العدد 29 من مجلة الواحة، السنة التاسعة، الربع الثاني 2003م، حيث كان ملف العدد عن الأوقاف في منطقتي القطيف والأحساء، وذلك تحت عنوان: «الوقف الإسلامي في المنطقة .. دعوة للتنمية والاستثمار».
وكان الأولى الإشارة والإشادة بمثل هذه الجهود تثمينًا لريادتها ووضع هاتين المحاولتين في سياقهما التاريخي والبحثي.
(3) لقد أشار الشيخ حسن الصفّار ـ في دراسته ـ إلى الأسباب التي تدفع أبناء المجتمع إلى أن تكون معظم منافع الوقف موجّهة إلى ذكر أهل البيت، ولكنه لم يشر إلى الأسباب التي ساهمت في أن تكون هذه الأوقاف على هذه الحال من التقليدية، وهي نقطة لم يتمّ الإشارة إليها أيضًا في الدراسات التي اشتمل عليها الكتاب الآخر، وهي نقطة كان الأولى التطرّق إليها؛ لأننا عندما نقدِّم مقترحات لتطوير هذه الأوقاف ونحن لم نقف بعْدُ على الأسباب لا نكون قد عالجنا جذور المشكلة ولم نقف إلا على سطحها، وهذه إشكالية مهمّة لم تناقشها هذه الدراسات، وكذلك الدراسات السابقة، ما عدا إشارة مهمّة ذكرها الدكتور الفضلي في دراسته المنشورة في مجلة الكلمة، حيث ذكر هناك التعقيد الفقهي في أحكام الوقف كسبب من أسباب هذه الحالة التقليدية في الأوقاف، ولم يتوسّع كثيرًا في ذكر بقية الأسباب.
(4) حوى كتاب «الوقف وإنماء المجتمع» سبع دراسات، ويبدو أن الأستاذ عيسى المرهون لم يتقصّد أن يطلب من الباحثين المشاركين أن تكون هذه الدراسات مخصّصة لبحث موضوع معيّن، بحيث تناقش كل دراسة منها نقطة محدّدة عن الوقف، ولذلك تجد تداخلاً كبيرًا فيما طرحه المشاركون، فنجد الغالبية منهم بحث: تعريف الوقف، واستحبابه، واهتمام المسلمين به، وضرورة تطويره. وكان الأولى أن تناقش كل دراسة موضوعًا مختلفًا عن الأخرى فيما يرتبط بأوقاف أهل البيت في القطيف والأحساء، فتتناول إحدى هذه الدراسات ـ مثلاً ـ: تاريخ الأوقاف في المنطقة، وثانية تناقش طريقة التولّي الموروثة وفيما يتعلّق بطرق تطويرها، وثالثة تتناول أحكام الأوقاف فقهيًّا، ورابعة الآفاق والتطلعات المتوقّعة بأوقاف المنطقة، وخامسة تهتمّ بمعوّقات القيام بدور الأوقاف المطلوب، وسادسة بأسباب الحال التقليدية لهذه الأوقاف، وسابعة تتحدّث عن صور مشرقة وتجارب ناجحة في تطوير الأوقاف، وهكذا، إن الكتاب لو كان بهذا الترتيب والقصد في النقاط التي يتركّز حولها البحث والدراسة لكان أكثر جدوى وتركيزًا وفائدة.
وختامًا، أرجو الموفقية إلى جميع من يساهم في معالجة الشأن العام، دراسةً ونقدًا، آملاً أن يأخذ الله بأيدي الجميع إلى ما هو خير وصلاح لمجتمعه ومعتقده.
والحمد لله رب العالمين.