البيان التالي في الميزان
تابعنا باهتمام وشغف حلقة برنامج البيان التالي الذي بثته قناة دليل الفضائية، وكان تحت عنوان «الوطن للجميع» وهي كلمة صدح بها خادم الحرمين قبل فترة ليوضح أن المملكة هي وطن الجميع ولا مكان للتمييز والعنصرية مهما كان نوعها في الوطن.
وجمع البرنامج علمين وطنيين سعوديين هما سماحة الشيخ حسن الصفار من الجانب الشيعي والشيخ سعد البريك من الجانب السلفي، وهذا أول برنامج يستضيف ضيفيين سعوديين من المذهبين المذكورين على قناة سلفية.
ومما شد المشاهدين الاعتدال الذي أبداه الجانب السلفي متمثلا في الشيخ البريك حيث أعلن في بداية الحوار أنه لايريد أن يكون الحوار إسفافا كما في الحوارات التي أجرتها قناة المستقلة.
وأراده أن يكون من أجل التعايش بين المذاهب في المملكة، معتبرا الحلقة مفصلا في صفحات تاريخ الحوارالفكري بين الفريقين.
وهو لايبعد عن ما صرح به أيضا مقدم البرنامج صاحب المكاشفات الشهيرة عبدالعزيز قاسم.
وبدأ البرنامج بتعريف لكلمتي "التعايش" و"التقارب" من قبل الشيخ البريك وقال بأنه من الدعاة للتعايش والمحبة بين المسلمين وفرق بين التعايش والتقارب بأن التعايش هو القبول بالعيش المشترك بينما التقارب هو تنازل كل مذهب عن بعض معتقداته ليصبح هناك نوعا من التقارب في المعتقدات.
ثم تلا ذلك تعليق للشيخ الصفار الذي لم ير فرقا بين التقريب والتعايش فهما يحملان الهم نفسه وهو التقريب بين أصحاب المذاهب المختلفة وليس التغيير في المذهب ليقترب من مذهب آخر.
ولم تمض أربعون دقيقة من الحلقة حتى غاص الشيخ البريك في التراث وذكر من الكتب الشيعية الأسطوانات التي ما يزال السلفيون يكررونها في الحوارات مع أي شخصية شيعية من قبيل تحريف الشيعة للقران، وتناول رموز المذهب السني بما لايليق بهم، أو الولاء للمرجعية خارج المملكة وكأن هذه التساؤلات تطرح لأول مرة، متناسيا ما بدأ به من "أن الشيعة شركاء في الوطن لهم مالنا وعليهم ما علينا"، مما غير موضوع الحلقة من الوطن للجميع إلى مهاترة حوارية مكررة بين السلفيين والشيعة.
ومما زاد الطين بلة مقدم البرنامج الذي سقط فيما سقط فيه الشيخ البريك بالخروج عن الموضوع رغم محاولات الشيخ الصفار بالعودة الى موضوع الحلقة الذي للأسف لم يتمكن من العودة بها الى بر أمان "الوطن للجميع".
وزاد ذلك مداخلة الشيخ محمد السعيدي التي كانت في وادٍ وموضوع الحلقة في وادٍ آخر.
ولولا مداخلة المحامي الدكتور صادق الجبران لم يتبق من موضوع الحلقة المعلن معشار الوقت، فقد تطرق الجبران للتعايش التاريخي بين أهالي الأحساء ووصفه بأنه لم يتكرر في التاريخ حيث كان أبناء السنة يتعايشون مع إخوتهم الشيعة قبل الثمانينات من القرن المنصرم ولم يعكر صفو هذا التعايش إلا فتاوى التكفير وحرب الخليج الأولى فلم يتبق من التعايش إلا اسمه.
ولعل التعايش الذي أراده الشيخ البريك هو التعايش المفصل على المزاج السلفي فقد رفض التقارب الذي يغير المذهب ولكنه حرص على حق السنة في تحصين أبنائهم من الدعوة للتشيع أو التبشير المذهبي كما يقولون. مستنكرا على الشيعة الحق بالخصوصية في تعليم مذهبهم أو بناء مساجدهم وغير ذلك من الحقوق.
ولكنه طلب في الوقت نفسه من الشيعة تغيير مذهبهم ليناسب الرأي السلفي وحدد سلفا مواصفات من يصلح التعايش معهم بمواصفات تناسب السلفية.
أنا هنا لست مدافعا عن بعض الممارسات التي يقوم بها البعض من قبل سب رموز الفريقين لكن ألا يمكن أن يكون التعايش مع مختلف؟ وإذا كان التعايش مع شخص مؤتلف فهذا أسهل ما يمكن، لكن تكمن الصعوبة في التعايش مع المختلف، وقبول الآخر بما فيه من عيوب كما نراها.
فالتعايش مع الشيخ نمر النمر غير مقبول في نظر الشيخ البريك لأنه دعا للانفصال عن الوطن، بل التعايش يكون مع أمثال السيد محمد حسين فضل الله والشيخ الصفار لأنهم دعاة تصحيح في المذهب، وهذا تناقض مع ما دعا له البريك من رفض للتقارب لأن التقارب يعني التغيير في المذهب من وجهة نظره.
ثم أليس الشيخ نمر مواطنا في هذا الوطن يحمل جنسية سعودية تعطيه حقوق المواطنة وتحمله واجباتها، ولو كان مختلفا معنا في وجهات النظر فإن ذلك لا يعني أن نحرمه حقه في المواطنة التي أحدها التعايش السلمي.
أليس من حقنا كمواطنين أن نحمل ما نشاء من عقائد ونتعايش مع بقية المواطنين؟ أليس في دعوة خادم الحرمين للحوار بين الأديان والحضارات دعوة ضمنية للتعايش فيما بينها؟
أيحق لنا ربط الحق بالتعايش بالرجوع الفقهي لمرجع خارج الوطن؟
تكلم الشيخ البريك عن حق الأقلية السنية في إيران، فهل يعطي الحق للشيعة في إيران رفض التعايش مع مواطينهم السنة لأن مرجعيتهم غير إيرانية؟ فنحن لم نسمع بمرجعية سنية في إيران.
ولو رجعنا لكتب التراث لوجدنا أن أغلب علماء ومرجعيات المسلمين ليست من أوطانهم.
فما الذي يضير المسلم في مصر مثلا أن يرجع لعالم دين سعودي من أمثال مفتي المملكة الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ؟
هل من مستلزمات التعايش بين أبناء الوطن الواحد محاسبة أبناء الوطن الواحد على ما فعله أسلافهم قبل مئات السنين وتبديل تراثهم الفكري والثقافي؟؟
يقول الإخوة السلفيون بأن الشيعة يرجعون بولائهم السياسي والديني لمراجعهم وهذا كلام العاجز ففتاوى مراجعنا في الفقه وليس لنا أي انتماء سياسي ديني فلكل شخص الحرية في توجهه السياسي.
وقام مقدم البرنامج القاسم بتبني نفس وجهة النظر التي طرحها الشيخ البريك مع الأسف رغم أنه يجب أن يتحلى بالصفات الاحترافية والوقوف على المسافة نفسها من ضيفيه.
وزاد ذلك في مقال بجريدة الوطن تحت عنوان "لكن أين مرجعية إخوتنا الشيعة في السعودية" يطالب فيه بمرجعيات شيعية سعودية وعربية، لكن هل الحل في ذلك؟ وهل من لوازم التايعش بين أبناء الوطن الواحد الرجوع لمرجعية دينية من الوطن نفسه؟؟ لماذا نرى تعايشا في كثير من الدول بين ابناء أديان مختلفة ومذاهب متباينة وأغلبهم لهم مرجعيات من خارج بلدانهم.
هل سيطلب عبدالعزيز القاسم من المسحيين في السعودية – لوافترضنا - وجودهم بالرجوع لمرجعية من الوطن أو الرجوع للفاتيكان؟ هل يطلب المسلمون في لبنان من المسيحيين الرجوع لمرجعيات لبنانية دون بابا الفاتيكان؟؟
هل يرجع المسيحيون في العراق وغيرها من الدول العربية لمرجعيات من أوطانهم أو يتكفل لهم الوطن بالحرية في مرجعياتهم.
تساؤلات أتمنى الرد عليها من القاسم ومن يطالب بمرجعية شيعية من الوطن نفسه؟؟