حوار الشيخين الصفار والبريك
تفاعل المواطنون بارتياح إيجابي كبير مع الحوار التلفزيوني الذي بثته قناة الدليل عبر برنامج (البيان التالي) الذي جمع الشيخ سعد البريك والشيخ حسن الصفار، والذي قدمه الدكتور عبدالعزيز القاسم.. ومبعث الارتياح الذي ساد المواطنين السعوديين هو لغة الحوار الراقي من قبل الشيخين اللذين ابتعدا عن أي تشنّج، وناقشا بكل شفافية كلَّ ما طرح في البرنامج دون إسفاف وبروح المسؤولية الدينية والوطنية، وأظهرا لكل مَن تابع البرنامج أن ما يجمع المسلمين، وخصوصاً ما بين المذهبين اللذين يمثلهما الشيخان، كثير من الالتقاء، وإن كانت هناك فروق فهي بسيطة، خصوصاً إذا ما عُولجت بحكمة وبلغة كالتي تابعناها في حوار الشيخين.
والذي يسجل لقناة الدليل ولمقدم البرنامج الدكتور عبدالعزيز القاسم، أنها مبادرة رائعة وإيجابية لتقوية السلم الاجتماعي، ومحاولة عملية لتنقية المجتمع من أي شوائب علقت به جراء انحراف المتطرفين الذين يسعون إلى الفرقة والذين يفعلون ما يعتقدونه مصلحة للمذهب على حساب المصلحة الإسلامية العليا، وقد غاب عنهم أن فرقة المسلمين في هذه المرحلة نوع من الحرابة، ومثلما أظهر حوار الشيخين أن ما يجمع المسلمين أكثر مما يفرقهم؛ فكل أبناء المذهبين يؤمنون بالله وبرسوله الكريم محمد - صلى الله عليه وسلم -، ويتوجهون إلى قبلة واحدة، وإذا كانت هناك وقائع وأحداث شابت التاريخ الإسلامي؛ فلنترك الماضي ونتطلع إلى المستقبل؛ فالأمم الحية تنظر دائماً إلى المستقبل، وما أحوجنا نحن المسلمين إلى التطلع للمستقبل ومواجهة أعدائنا؛ أعداء الإسلام الذين لا يفرقون في المواجهة والاستهداف بين مسلم سني وآخر شيعي.
كما أن الذين يمتطون المذهب وتحركهم مصالحهم السياسية والذاتية لا يجلبون لنا وللأمة الإسلامية ولأوطاننا إلا الخراب والدمار، وعلينا أن نعي تماماً ما يجري في العراق ولبنان وباكستان، والشواهد التي تجري على الأرض الإسلامية يجب أن تكون دافعاً لنا جميعاً نحن المسلمين، وخصوصاً طلاب العلم والدعاة بأن تكون دافعاً لتعزيز خانة المشترك الديني ثم الإنساني، وبشكل خاص بين مذهبين ينبعان من مصدر واحد، وأن ينصب عمل هؤلاء الذين يوجهون العامة إلى توظيف واستثمار التنوع المذهبي، وعلى تعزيز اللحمة الوطنية التي أصبحت مطلباً شرعياً في مثل هذه الظروف التي تمر بها الأمة الإسلامية، والتعايش بين أبناء المذهبين اللذين ينبعان من مصدر رباني واحد ليس وهماً، بل واقع معيش، حتى وإن بدا هشاً فلا بد أن نقويه ونجعله ثابتاً وراسخاً؛ فهو مطلب شرعي واجتماعي ومصيري قبل أن يكون أمنياً؛ ولهذا فإن واجب الدعاة والمشايخ وطلبة العلم الانخراط ودعم الحوار الوطني الذي يجب أن نرتقي به، وأن ننحي جانباً الاهتمام بتحسين الخدمات، مهما كانت ضرورية، كالاتجاه إلى مناقشة الخدمات الصحية والضمان الاجتماعي، وأن يكون الارتقاء بمستوى التعليم لتعزيز الانتماء وتعزيز السلم الاجتماعي بالحث على القبول بالتعددية مع التمسك بالثوابت الدينية التي لا يمكن فصلها عن الانتماء الوطني، وهو ما يستدعي أن تكون مرجعياتنا الدينية والمذهبية من داخل وطننا، مهما بدت نوايا المرجعيات من خارج الحدود، طيبة؛ فالسّلم الاجتماعي للوطن الواحد لا يعيش همه إلا الذي يتعايش معه داخل الوطن؛ اذ بوجود الدولة القطرية هناك تباين واضح في المصالح القطرية التي قد تورط الأتباع في مواقف لا تخدم الوطن؛ وبهذا يكون التعدد المذهبي مبعث قوة إذا ما أحسن التعامل معه، وأبعدت عنه التأثيرات الخارجية.