الشيخ البريك بين: «التقية والاعتدال والسباحة عكس التيار»
في حلقة ساخنة من حلقات برنامج "البيان التالي"، الذي يقدمه الإعلامي المعروف الدكتور/ عبد العزيز قاسم، على قناة دليل الفضائية، كان اللقاء الذي ارتقبه الكثيرون، بين من وصفا بالقطبين المتناقضين، الشيخ حسن بن موسى الصفار - ممثلاً عن التيار الشيعي -، والشيخ سعد بن عبد الله البريك - ممثلاً عن التيار السني السلفي -.
ورغم أن اللقاء كان تحت العنوان البارز "الوطن للجميع"، وأن الحديث المفترض إنما كان عن "الوطن" وعن مفهوم التعايش بين الأديان والمذاهب، الذي دعا إليه وحث عليه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - حفظه الله -، إلا أن الشيخ البريك كما بدا في الحلقة المزبورة، كان مصراً وإن على خجل، على رشق البيت الشيعي بالحجارة، متجاوزاً بذلك خطاب الإعتدال الذي دعا إليه خادم الحرمين الشريفين، ورافضاً في الوقت نفسه لليد الشيعية الممدودة للتقارب «والتعايش»، الذي يمثله الشيخ الصفار.
ففي الوقت نفسه الذي أراد فيه الشيخ سعد البريك، أن يظهر بمظهر الداعية الوديع والمعتدل، المناصر للتعايش والاعتدال، كان يصر في نفس الوقت، على سوق الأحاديث الطائفية، المتداولة عبر الخطاب السلفي التكفيري والطائفي المألوف، وكذلك المتداولة بكثرة عبر قناة المستقلة ومثيلاتها، وترويجها وتكرارها، في عدة مواضع من تلك الحلقة، مخالفاً بذلك ما دعا إليه هو نفسه في مقدمة الحلقة بشكلٍ لا لبس فيه.
وأقل ما يمكن أن يقال هنا، فيما مارسه الشيخ البريك في تلك الحلقة، أنه بذلك الخطاب الملغوم والمأزوم، لم يستطع في الحقيقة - في تلك الحلقة - أن يتجاوز حالة التشدد المألوفة ليظهر بالمظهر اللائق والمناسب لداعية اعتدال وتعايش - مفترض - يحضر تلك الحلقة بهدوء وانضباط ودون صراخ، كان من المفترض أنه يعي تماماً وبشكلٍ واضح قبوله بالعنوان العام لتلك الحلقة، كما يعي تماماً سماحة الإسلام وعظمته واعتداله، وما دعت إليه الخطابات الحكيمة لولاة الأمر في هذه البلاد الطاهرة، بحيث يستطيع من خلال وعيه ذاك، أن يقدم خطاب تعايش واعتدال مناسب في تلك الحلقة يناسب العصر، أو أقلاً ليسير ضمن السياق العام للخطاب المنسجم مع روح تلك الحلقة التي قبل الظهور فيها أقلاً ليس إلا.
لكن، بطريقة ما، كان الشيخ البريك مصراً على الزج بمواضيع حساسة ومشبعة بالطائفية، من السهل جداً أن تسبب الخلاف وأن تشعل النزاعات والتفرقة الطائفية وأن تحرض التلاسنات المذهبية، من خلال النقاشات والتداعيات المتوقعة في تلك الحلقة على إثر ما قال، كالزج بموضوع اضطهاد السنة في إيران والعراق، والتبشير الشيعي المذهبي في بعض الدول الأفريقية أو غيرها، وكالزج بقضايا مثل إدعاء قول الشيعة بتحريف القرآن، وتهكمه كذلك أيضاً على إحياء الشيعة لبعض المناسبات الدينية الخاصة بأئمة أهل البيت الحزينة طوال العام - في ظل إفراغه لذلك من محتواه وإشباعه بالمفاهيم والمعاني القاتمة والممجوجة -، والزج كذلك باسم الشيخ الصفار، والسيد محمد حسين فضل الله، وموسى الموسوي، والشيخ نمر باقر النمر، والسيد مجتبى الشيرازي، في قضايا قد تشعل الخلاف الشيعي الشيعي، أو تعرض بهدف تضخيم مفاهيم التصحيح المذهبي، أو تستخدم لإدانة مواقف الخصم المذهبي، وزج كذلك باسم الإمام الخميني، والسيد السيستاني... وزج أيضاً كذلك بفتوى منسوبة للسيد السيستاني ربما بغرض زيادة شق رقعة الخلاف بين الشيعة والسنة... والوصول كذلك لاتهام الشيعة بالتكفير، فيما بدا أنها «أي تلك الأحاديث» جميعاً مجتمعة، ما هي إلا محاولات مستميتة للعزف على وتر الخلافات الطائفية، ورفض التعايش، وترسيخ حالة الاختلاف... في حين كان المفترض أن يتم التركز من قبل الضيفين في تلك الحلقة، على قضايا التعايش، ونزع فتيل الاحتراب، وحفظ الوطن قبة أمنٍ ورفاه وسلام للجميع... والبعد كذلك عن الزج بالشيعة السعوديين في قضايا الآخرين... وهو ما لم يفعله بالتأكيد الشيخ البريك.
ولقد استكثر الشيخ البريك على الشيعة، حتى مجرد الاعتراف بتعرضهم لبعض الممارسات التمييزية العنصرية، التي يدعو لها بعض التكفيريين السلفيين - ولو تاريخياً -، محاولاً إلقاء اللوم في ذلك على الجهات الرسمية، وكأنه لا يعلم الحقيقة، وأن كل المواطنين السعوديين من مختلف المذاهب والتوجهات، قد ذاقوا الأمرين من الممارسات الجاهلة والمتعسفة لبعض المتطرفين السلفيين التكفيريين والمتشددين.
أما ما يهمنا هنا، من الناحية الأخرى، بخصوص موقف الشيخ الصفار، فهو أنه أمام كل تلك الركلات والاستفزازات الساخنة، قد ظل متماسكاً حكيماً ممسكاً بالعصى من المنتصف، فلم ينجر لاستفزازات الشيخ البريك، ولم يسمح في نفس الوقت في حضرته بتمرير كل تلك الفتن والمغالطات.
وفوق ذلك الاستفزاز، جاءت مداخلة الشيخ محمد السعيدي - بطريقة ربما لا يدرك حقيقتها المتشددون - لتظهر الوجه السلفي على حقيقته، ولتبرز وتعلن المواقف المتشددة تجاه الشيعة، رغم أن حكومتنا الرشيدة قد قالت كلمتها الحكيمة ممثلة في كلمة خادم الحرمين الشريفين - سدد الله خطاه - «الوطن للجميع» وانتهى الأمر... إلا أن البعض من المتشددين كعادتهم لازالوا مصرين على البقاء خلف الركب، والتخندق في المواقع القديمة، إلى أن يشاء الله عاجلاً أو آجلاً أن يبتلعهم تيار التقارب والتعايش والإصلاح فيختم لهم بالصلاح.
وفي هذه الحلقة أيضاً، قد يأخذ البعض على الدكتور/ عبد العزيز قاسم، تغاضيه عن ذلك الخطاب التهكمي والتهجمي المراوغ، الذي كان الشيخ سعد البريك يمارسه ويقود دفته مرة ذات اليمين ومرة ذات الشمال ضد الشيعة... لكن موقف الدكتور/ عبد العزيز من التعايش وتأييده الواضح لدعوة خادم الحرمين الشريفين ومعارضته لخطاب التهجم على الشيعة، رغم محاولاته للبقاء كمحاور محايد، كان من أوضح الواضحات للعيان، على الأقل في تلك اللحظة التي أعلن فيها بقوة موقفه من خطاب الشيخ/ السعيدي الساخن الذي ألقاه في وجه الصفار... والذي ختمه متسائلاً حينها في نهاية المطاف... ماذا تقصدون بـ: "يا لثارات الحسين؟!!!".
وهذا الخطاب السابق المنتقد للشيخ البريك الذي سقته فيما مضى - بغض النظر عن رأي صاحب هذه المقالة - قد تسمعه على لسان أي شيعي تابع تلك الحلقة، لكنني من وجهة نظر شخصية، ربما يمكنني أن أدعي أيضاً هنا من باب الجدل، أنني لست أدري أين كان الشيخ الدكتور سعد البريك يريد أن يقف برجليه... وعلى أي أرض أو رصيفٍ كان يريد أن يثبت قدميه... هل مع خطاب التسامح والتعايش والاعتدال رغم رفضه الواضح لخطاب أو اصطلاح أو مفهوم التقارب كما يرى البعض؟!... أم مع خطاب تكفير الشيعة والتشنيع عليهم واتهامهم بمختلف التهم والنعوت الجارحة والقاسية وتشريع ظلمهم واضطهادهم والتأكيد على مشروعية ممارسة التمييز ضدهم؟!.
وفي الختام، ربما يمكننا القول أيضاً هنا في الخلاصة: أن الشيخ البريك... ربما أراد التأكيد على قضايا الاعتدال والتسامح والتعايش فأخطأها، وربما أراد التشدد... فوقع في خطيئة التقية التي يشنع بها على الشيعة، وربما أراد... أن يكون لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء... فأخطأنا نحن أن نفهمه جيداً كما أراد هو أن نفهمه.
وعلى كلٍ، فيبدو أن عنوان الحلقة الرئيس "الوطن للجميع"، المؤكد لخطاب التعايش في المملكة، قد استطاع السيطرة والهيمنة، وأن يطغى على كل شيء عداه، وأن تكون له الكلمة الفصل على خطاب الجميع في تلك الحلقة، وأن يبتلع كل ما عداه مما يلقي به المفتنون والمتشددون، بحيث بات من الضروري بالنسبة لكل المتشددين، أينما كانوا وأينما وجدوا، أن يدركوا وأن يعوا جيداً... أنهم باتوا في هذا العصر... وفي هذه المرحلة بالتحديد بوضوح... يسيرون عكس التيار... وأن النصر في الأخير لن يكون إلا لخطاب خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله -... ولدعاة التقارب والتعايش... ولنهج التسامح والاعتدال.