السجالات المذهبية في الفضائيات تثير الخلافات وتركز على الإساءات
الشيخ الصفار لعكاظ: خادم الحرمين أعلن أن الوطن للجميع بلا تمييز
اعتبر المفكر الإسلامي الشيعي الشيخ حسن الصفار سب الصحابة الكرام وأمهات المؤمنين من أشد المحرمات، ودعا إلى ميثاق شرف يؤكد على الاعتراف بتعددية المذاهب ضمن إطار الإسلام الذي يتشرف الجميع بالانتماء إليه، ويتبنى هذا تعزيز الاحترام المتبادل، ورفض أية إساءة لأي رمز أو شخصية يقدسها ويحترمها الطرف الآخر.
وقال في حواره مع «عكاظ»: «حتى لو كنا نختلف في تقويم الأشخاص السابقين من الصحابة والأئمة والتابعين والعلماء، ونختلف في تحليل أحداث ووقائع التاريخ، لكن ذلك لا يجيز لأي أحد منا أن يسيء إلى من يحترمه الآخر»، مضيفا أن الأمر المهم هو «التأكيد على العدل والمساواة بين المواطنين، ورفض أي تمييز أو ظلم أو انتقاص لحقوق المواطنة بمبرر اختلاف الانتماء المذهبي، فالوطن للجميع كما أعلن خادم الحرمين الشريفين، وكما نص عليه النظام الأساسي للحكم».
نص الحوار كاملاً:*
التعايش المحلي
1- بداية شيخ حسن سيكون سؤالي المبدئي والممهد لحوارنا حول مفهوم التعايش والتقارب بين المذاهب ماذا يقصد به؟ وهل ترى بأنه في مجتمعنا المحلي لازال حالة من الحالات العصية عن تطبيقه عمليا بيننا ومعنا؟
المقصود بالتعايش هو قبول الآخر والتعامل معه على أساس الشراكة الوطنية، بغض النظر عن الاختلاف معه في الانتماء الديني.
أما التقارب بين المذاهب فيقصد منه التقارب بين أبناء المذاهب بمعنى تجاوز القطيعة على صعيد العلاقات الاجتماعية، والتركيز على مساحة الاتفاق الواسعة، والحوار حول قضايا الخلاف ضمن ضوابط الأخلاق العلمية والآداب الإسلامية.
وأرى أن التعايش والتقارب بهذا المعنى أمر ممكن في مجتمعنا المحلي، وليس حالة عصية، ذلك أن مختلف دول العالم تتعامل مع التنوع كواقع معاش، فلماذا يكون عصياً علينا أن نعيش كما يعيش الآخرون في بلدانهم مع تنوعاتهم العرقية والدينية؟
حماية حقوق الإنسان
2- طالبتم بسن قانون يجرم كل محرض على الكراهية والإساءة للأشخاص والمذاهب فهل لاقت هذه المطالبة قبولا كبيرا عند كافة الطوائف؟ وهل برأيكم هذا نستطيع أن نتدارك بعضا من التراشقات التي تطال الرموز ونمنع تواجدها في كافة الوسائل والمنابر المختلفة؟
من المهام الرئيسة للدولة حماية حقوق الناس فيما بينهم، حتى لا يتعدى أحد على أحد، ومن اعتدى فإن الدولة مسؤولة عن ردعه ومعاقبته، وهذا واضح في مجال الاعتداءات المادية، كما لو اعتدى أحد على شخص أو جماعة جسديًّا أو ماليًّا، لكن المطلوب أن يشمل ذلك الاعتداءات المعنوية، التي تحرّض على الكراهية والعصبيات القبلية والمذهبية، فإنها نوع من العدوان, وهي تدفع نحو مختلف أنواع العدوان, وقد اتخذت وزارة الثقافة والإعلام أخيراً قراراً بإغلاق مكاتب قناة فضائية تثير النعرات القبلية، وهو قرار في الاتجاه الصحيح وينبغي أن يشمل القنوات التي تثير النعرات الطائفية من أي جهة كانت.
وكذلك الفتاوى والخطب في المساجد التي تحرّض الناس على بعضهم بسبب اختلافاتهم المذهبية أو الفكرية.
الخلاف السني الشيعي
3. ذكرتم رعاكم الله فحوى خطاب يسترعي منا الكثير من الوقفات عنده ودراسة مضامينه ومن ذلك ما ذكرتموه «أن الخلاف السني والشيعي سيستمر وليس الشيعة المعنيون بإنهائه وكان مما ذكرتم أيضا أنه خلاف عقدي فقهي لا ينبغي معه التجاوز إلى إطار أعتقادي وعبادي» لذلك الا ترى يا شيخ حسن أن فحوى الخطاب بهذه الصورة يفضي إلى حالة من الأحتقان يوسع دائرة الصراع بين المذهبين السني والشيعي؟ ثم هل تقترحون لصيغة خطاب تقاربي وعملي يوحد صفوف المصلحين بين المذهبين؟ ثم هل هناك خطابات سلفية ظهرت وأستنكرت كل إساءة وأنتهاك طالت المرجعات الدينية؟
قلت إن الخلاف السني الشيعي في بعده العقدي الفقهي سيستمر ولسنا معنيين بإنهائه، واقصد لسنا معنيين كدعاة للتقارب وليس كشيعة، لذلك فالعنوان الذي وضع لهذه الفقرة في بعض وسائل الإعلام ليس متطابقاً مع ما ذكرته في الكلام.
إنني اعتقد أن دعاة التعايش والتقارب ليس مهمتهم معالجة الخلافات العقدية والفقهية بين المذاهب لإنهائها، وإنما يسعون لإبقاء تلك الخلافات في دائرتها الفكرية والعبادية، دون أن تتحول إلى صراع ونزاع، ودون أن تؤثر على الاستقرار الاجتماعي والوحدة الوطنية.
وبحمد الله تعالى فإن هناك مساحة وعي في الجانبين نراهن على اتساعها، فهناك علماء ودعاة وكتاب من السنة والشيعة يحملون هم التعايش والتقارب، وهناك التشجيع الرسمي المتمثل في الحوار الوطني، وتوجيهات القيادة السياسية كخطاب خادم الحرمين الشريفين الأخير في افتتاح الدورة الجديدة لمجلس الشورى.
أشعر بقلق
4. أبديتم بكل صراحة مطلقة حالة الخوف والقلق من الشرنقة والشحن النفسي الذي كان سببه الرئيس الأعلام الطائفي وأتجاهاته المتشددة مما سبب في نشر حالة العدوى نحو التشدد الطائفي بين أبناء الجيل القادم؟ فكيف لنا أن نرفع حالة الخوف ونلتقي عبر خطاب إعلامي يجمعنا ويمنع كل أطامع تريد النيل من وحدتنا؟ وهل لمستم شيئا واضحا سواء من وجهاء ورجال الدين من السنة والشيعة يقفون أمام التشدد الداخلي بين أبناء المذهبين؟
نعم اشعر بقلق شديد مما تبثه الفضائيات ومواقع الانترنت الطائفية، السنية والشيعية، من إثارة للمشاعر والضغائن والأحقاد، واستخراج الصور السلبية القاتمة من التاريخ الماضي، ومن كتب التراث، لتعبئة أبناء المذاهب ضد بعضهم، ونجد الآثار السيئة واضحة لهذا الإعلام، حيث ينشغل متابعوه بالجدل والنقاش حول ما يطرح في هذه الفضائيات ومواقع الانترنت، ويدور حولها نقاش المجالس، وحتى في دوائر العمل، بل وجدنا تأثيرها على الناشئة من أبناء الوطن، خاصة في المناطق التي يتنوع سكانها مذهبياً سنة وشيعة، فإن بعض الطلاب في مدارسهم يتداولون المسائل الخلافية، وتؤثر على علاقاتهم مع بعضهم البعض.
إنه لا بد من وضع حدٍ لهذا الإعلام التحريضي، وتوعية الناس حتى لا يتفاعلوا معه، وفي المقابل يجب دعم البرامج الإعلامية الواعية والهادفة إلى بث ثقافة التسامح والتعايش والحوار.
الحوار الوطني
5. أنتقدتم صراحة جهود مركز الحوار الوطني والتي وصفتموها بالجهود الخجولة والضعيفة وذلك بسبب عدم أقتحامها لميادين الأتجاهات المختلفة وتأهيل الناس بقبول التعددية المذهبية الفكرية؟ إذن شيخ حسن تعتبر ما قدم سابقا عبر السنوات الماضية مجرد إضاعة للوقت والمال واننا لم نخرج بصيغة واحدة ترضي الجميع؟
الحوار الوطني كشعار ومشروع يعتبر خطوة رائدة، وهو من أهم عناوين الإصلاح والتطوير التي طرحها خادم الحرمين الشريفين، وكان متوقعاً أن تتركز جهود مركز الحوار الوطني على تعزيز العلاقات البينية بين شرائح وطوائف المجتمع السعودي، بالتصدي لكل ما يسيء لحالة التعايش والانسجام، وبالاهتمام بعقد لقاءات ثنائية وجمعية بين المؤثرين في جماعاتهم وطوائفهم، وصولاً إلى تشجيع الأعمال المشتركة التي تتجذر بها حالة التواصل والتعاون، وتنمي أجواء الثقة والمحبة بين الأطراف المختلفة، إني انتقد البطء والضعف في جديّة التخطيط والتفعيل لبرامج الحوار بين الاتجاهات المذهبية والفكرية. وانشغال مركز الحوار ببحث مواضيع عامة يمكن أن تناقش ضمن مختلف الأطر والمؤسسات القائمة، كمشاكل التعليم أو العمل أو الصحة أو ما أشبه.
6. لكن شيخ حسن الأ ترى أن المركز قد نجح في تجاوز حالة القطيعة والنفور والخصام بين المذاهب وخير شاهد على ذلك التناغم الذي حدث في الحوار الأخير بمدينة الأحساء حول الخطاب الثقافي السعودي؟
في كل لقاءات الحوار الوطني تحصل مشاهد جميلة للتناغم وتبادل الرأي بايجابية بين هذا الطرف وذاك، لكن بقاءها في حدود الجلسات الرسمية للحوار، وعدم انتقالها إلى الشارع وإلى ساحة الجمهور، هو ما يدفع إلى التساؤل عن مدى الجدوى والفائدة.
7. هناك من يقول بأن موانعا قد ضربت بسياجها سابقا وحالت بين خطاب السنة والشيعة فيما اليوم تلاشت تلك الموانع وذهبت وكان سببه وجود مركز الحوار الوطني فهل تؤيد هذا الرأي؟
لا شك أن لقاءات الحوار الوطني كانت فرصة للتواصل المباشر بين شخصيات منتمية إلى مذاهب وتوجهات مختلفة، وهذه ايجابية مهمة، لكن لا يصح الوقوف عند هذا الحدّ، والاكتفاء بهذا القدر، بل لا بد من توسيع رقعة تلك اللقاءات، ولا بد من إنتاج خطاب ينشر التسامح ويبشر بقبول التعددية واحترام الرأي الآخر.
الأطماع الدولية والإقليمية
8. شيخ حسن دوما تؤكدون عبر خطبكم المنبرية ومقالاتكم العلمية بضرورة سد الثغرات من الخارج فإلى أي مدى ترى هذه المؤثرات والثغرات ستعود علينا سلبا في تعايشنا وتواصلنا الإجتماعي محليا؟وهل ما يحدث في العراق واليمن مثلا محطة من محطات الخوف والقلق قد تسبب في تأخر التعايش بننا من جديد؟
لا شك أن هناك أطماعاً دولية وإقليمية تحاول الاستفادة من الثغرات ونقاط الضعف في واقع بلداننا وأوطاننا، ومن تلك الثغرات وجود شعور بالغبن عند طائفة من الطوائف أو شريحة من الشرائح، فإن ذلك يتيح للجهات الأجنبية فرصة الاستغلال والنفوذ، بتضخيمها إعلامياً، لتشويه سمعة البلد، ونشر أجواء النقمة والسخط في الأوساط التي تشعر بالغبن والتهميش، مما قد يؤثر على الاستقرار والأمن الاجتماعي.
9. طالبتم في وقت مضى من عمر الزمن إذا أردنا تعايشا فعليا بين السنة والشيعة أن يشتمل التعليم لدينا خاصة الديني منه على القيم الدينية العامة وآراء المذاهب جميعها تجاه أي مسألة؟ لذلك ألا زلتم مقتنعون بهذه المطالبة ولا تخش أن يحدث نتيجة ذلك تأجيج وصراع فكري وعقدي خطير؟
بالدرجة الأولى يهمنا في مناهج التعليم الديني التركيز على قيم الدين ومبادئه وأخلاقه، ولا يصح إشغال الطلاب وخاصة في المراحل الأولى من إدراكهم ووعيهم بالخلافات المذهبية العقدية والفقهية، بأن يكون هناك تناول حادّ لوجهات النظر الأخرى، تصل إلى مستوى التكفير والتبديع والتفسيق.
10. هل أنتم مع السجالات الفكرية الدائرة بين الطرفين والتي تتبناها بعض القنوات الفضائية بهدف التحاور أم ترى أن الأمر خرج عن مضمونه وبدأ كل فريق يرفض الآخر؟أم هذا النوع من السجال قد يفضي إلى مصالحة قادمة؟
لا أؤيد السجالات المذهبية التي تتبناها بعض القنوات الفضائية، لأنها في الغالب تثير قضايا الخلاف، وتركز على إساءات كل طرف للآخر، إن الحوار المطلوب هو ما يقوم على استعراض وجهات النظر بموضوعية، وما يهتم بمواقع الاتفاق، وعدم نشر الصور النمطية التي تحاكم أي طائفة ومذهب على أساس قول ورد في هذا الكتاب أو طرحه ذلك الشخص.
11. أخيرا شيخ حسن طرحتم فكرة لميثاق شرفي يصون المذاهب ويحفظ كرامتها فكيف يمكن أن تجتمعون كسنة وشيعة لتحرير هذا الميثاق وترسيخ مبادئه؟ ثم هل أنت مع مطالبة العقلاء من المذهبين بضرورة بصياغة وتنظيف بعض المراجع التي تطال سب الصحابة رضوان الله عليهم وتنتقص منهم؟
إنني أدعو إلى ميثاق شرف يؤكد على الاعتراف بتعددية المذاهب، وأنها ضمن إطار الإسلام الذي يتشرف الجميع بالانتماء إليه، ويتبنى هذا الميثاق تعزيز الاحترام المتبادل ورفض أي إساءة لأي رمز أو شخصية يقدسها ويحترمها الطرف الآخر.
حتى لو كنا نختلف في تقويم الأشخاص السابقين من الصحابة والأئمة والتابعين والعلماء، ونختلف في تحليل أحداث ووقائع التاريخ، لكن ذلك لا يجيز لأي أحد منا أن يسيء إلى من يحترمه الآخر.
ورأيي حول حرمة سب الصحابة الكرام وأمهات المؤمنين واضح منشور، فإن سب صحابة رسول اللهA وأمهات المؤمنين من أعظم المحرمات الشرعية.
والأمر المهم التأكيد على العدل والمساواة بين المواطنين، ورفض أي تمييز أو ظلم أو انتقاص لحقوق المواطنة بمبرر اختلاف الانتماء المذهبي فالوطن للجميع كما أعلن خادم الحرمين الشريفين، وكما نص عليه النظام الأساسي للحكم.