وحدة الأمة بين الادعاء والعمل
هناك آيتان في القرآن الكريم، لا يزال واقعنا ومجتمعاتنا يفتقدانهما، بل أكثر تعرضت آفاق هاتين الآيتين لتضييق ولي وتأويلات وإسقاطات على جغرافيات مفاهيمية محددة، دون الارتقاء بها نحو أفقها الملكوتي الذي نزلت لتترجمه في أفق الملك، لأن الإسلام من خلال الكتاب والسنة، ليس مشروع انفصال عن العالم، كما أنه لا يريد لمجتمعه أن يكون عاجزا عن الاحتفاظ بخصوصياته إذا أراد الانفتاح على المجتمعات الأخرى، وقبل أن أفصح لكم عن الآيتين هناك فكرة أو سؤال قد يبدو من أوضح الواضحات لكن الإجابة عنه لا تزال عشوائية أو مطلقة تفتقر للتصور العميق والبناء المنهجي العلمي الدقيق، الذي يجعلها نواة للتغيير والإصلاح: ما هي مقومات وحدة الأمة في العالم العربي والإسلامي؟ ليس على سبيل الادِّعاء، وإنما على سبيل السعي الحثيث من أجل أن نجسدها كتصور ومشروع وبناء واقعي... حيث الله تبارك وتعالى العزيز الحكيم أوصانا في كتابه العظيم: ﴿وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان﴾، ﴿واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل﴾.
لكننا لا نزال نمر على هاتين الآيتين مرور الكرام، نتبرك أو نستشهد بهم في مواقف التباهي الفكري أو الترف الثقافي أو التنظير المعرفي لخلاص أمتنا، لكن لما يسخن الواقع ويرتفع صياح الطائفية، نطأطئ رؤوسنا في رمال المذهبية والقبلية والعصبية والحزبية والشخصنة مثل النعام.!
لا أريد أن أطنب في التشخيص فحتى الطفل الرضيع في عالمنا العربي والإسلامي، من خلال عالمه البسيط يمكنه أن يشخص ضياع حقوقه كإنسان، لكن أود الإشارة لواقع ملكوتي صغير، يتراوح بين مطرقة الطائفية وسندان السياسة، إنه النهج الوحدوي في واقعنا العربي والإسلامي، حيث لا يزال الريب وسوء الظن يكتنف المعاني السامية في حركتها بواقعنا، لأن علاقتنا بالإسلام ضئيلة جدا نتيجة محاولتنا الحياة دون الاعتماد على روح الشريعة الإسلامية، مما جعل عباداتنا شكلا بلا مضمون، عارضا بلا جوهر، فكل ما أوصانا الإسلام به نحركه بحرج، وما حذرنا منه نتجه نحوه بنشاطية، أما في علاقاتنا فالقريب غريب والغريب قريب، إنه انقلاب فظيع نعاني منه في المفاهيم والتصورات والسلوكيات، هكذا ضاعت حقائق الأمة في التمويه المنتشر في أجوائنا والزيف الغالب على أهوائنا، بصراحة: هذه الأفكار جاءت كإرهاصة حول كلمة القاضي السابق والمفكر الإسلامي محمد الدحيم: «ليس دورنا في الحوار أن نحنبل الشافعي أو نسنن الشيعي ولكن الهدف أن تكشف للآخر ثقافتك ومعلوماتك وتقرأ ما لديه وتنتخب الحق الذي تفهمه أياً كان مصدره»، كما جسد سماحته مع أخيه العلامة الشيخ حسن الصفار أروع صورة للإسلام الحضاري من خلال توقيعهما مذكرة التسامح التي دعت إلى العمل على ما يجمع الأمة من القواسم دون ما يفرقها، بالإضافة إلى ميثاق التعايش الذي نأمل أن يعبر من الطوائفية إلى الأسلمة.
والله من وراء القصد.