الشيخ الصفار.. شعلة التجديد والانفتاح
إنّ المتتبعَ للخطابِ الديني ِ، والتجاذباتِ الفكريةِ المتنوعةِ في الساحةِ اليومَ يجدُ مجموعة ً من الإفرازاتِ التي تغذّي حالة َ التعصبِ، والتطرفِ، واللغةَ َ القائمة َ على الكراهية ِ والتسقيطِ، ورفضِ الآخرِ.
وفي ظلِ هذا المشهدِ المأساويِ ِ - والذي نتجرعُ غِصَصَهُ يوماً بعدَ يومٍ - يطلُّ علينا سماحةُ الشيخِ ِ حسن الصفار بصوتٍ متعقلٍ، وفكرٍ ٍ متنور ٍ، وخطابٍ متجدد ٍ، ولغة ٍ متزنة ٍ تنادي بالانفتاح ِ، وترفعُ شعارَ التسامح ِ، ليبعثَ فينا الأملَ بأنَّه لازالَ هناكَ متسعاً للتفاؤلِ في هذه ِ الحياة ِ.
ومن خلالِ قراءتي لفكرِ ِ سماحةِ الشيخ ِ / حسن الصفار، أعتقدُ أنَّ ما جاءَ به كان َ وليد َ تجربة ٍ ليست بالبسيطة ِ، فالأمرُ يتعدّى إصدارَ البيانات ِ، وتأليف َ الكتب ِ، وإلقاءَ المحاضرات ِ، إلى ما هوَ أبعدُ من ذلك بكثير ٍ... حيث تجده - بإرادتهِ وسلوكهِ الجادِ - يسعى إلى إيجادِ حالةٍ من الموضوعيةِ في دراسةِ الفكرِ ِ الآخر ِ وهو بذلك يجنحُ إلى إعادة ِ صياغةِ كثيرٍ ٍ من الموروثات ِ والأعراف ِ السائدة وهذا السعي يتطلبُ الكثيرَ من الجهدِ والتضحية ِ خصوصاً في مجتمعِنا الذي باتَ يشككُ في نوايا المصلحين، ويقفُ - حجرَ عثرةٍ - في وجه ِ أيِّ تجديد ٍ لمجردِ أنهُ لمْ يأْلَفه.
أضفْ إلى ذلك (الوعي الإجتماعي) الذي يتسمُ به سماحةُ الشيخ / حسن الصفار، وهذه المَلَكة مكّنته من إدراكِ إمكانياتِهِ، والبيئةِ المحيطةِ بهِ، فدفَعَه ذلك للتعاملِ معها على أساسٍ ٍ من النشاط ِ، والهمة ِ، والمشاركةِ ، والتعاطي مع ظروفِها.
أتذكرُ أنه سُئِل - ذات جلسةٍ رمضانية ٍفي مكتبِهِ -:- ما هو ردُّ سماحةِ الشيخ / حسن الصفار على من يهاجمه؟
فأجابَ - وبكلِ أريحيةٍ - جوابَ المخلصِ لنهجِه، والواثقِ من خطِه: حسن الصفار ليس ولياً لله فيكون من حاربه قد حارب الله، ومن سالمه قد سالم الله... حسن الصفار واحد من هؤلاء الناس ليس إلاّ.
بهذه اللغة المتسامحة والمتعافية من وباءِ ﴿إنْ أريكم إلاّ ما أرى﴾ يؤكد لنا سماحة الشيخ أنهُ لم يتمسكْ بهذا الطريقَ إلا لإيمانهِ بجدواه، بل أزعمُ وأقولُ أنه جنى ثمارَ توجهِه، وذاقَ حلاوةَ طعمِ ِ انفتاحِه، وفي ذات الوقت هو يعلنها صراحة ً أنَّ للآخر ِ كلَّ الحقِ في أن يخالفَه إذا لم يستوعبْ حقيقة َ ما يرمي إليه ولكن ليس له الحق في إلغائِه.
وهذا ما قاله - لجماعة تخرج للتطبير في القطيف -: لكم أن تطبروا... ولي أن أصرحَ برأيي وأرفضَ هذا الفعلَ.
هو أنصف الآخر - في أكثر من موقف ٍ - حينما وسّع أمامه مساحة التعاطي مع الإختلاف.. ولكن هل أنصفه الآخر؟
وأجدني مضطراً للتحدثِ عن تجربتي - في ميدان عملي - بعد التفاعلِ مع كلمات سماحة الشيخ من خلال كتبه وخطبه على شكل دروس ٍ أتعلمها وأطبقها.. فأنا أعمل معلماً في منطقة أهلها من أتباع ِ المذهبِ السني، وقد وجدتُ أنّ التعايشَ آتى أكله، واستشعرتُ أهمية َ أن نقدمَ أنفسَنا ومذهبَنا بالشكل الصحيح - بعيداً عن الإنطواء - وهذه تعاليم أئمتنا أولاً وقبل كل شيء، حتى أن زملائي من أتباع المذهب الآخر استغربوا هذا الفعل مني وكأني قمتُ بعملٍ لا يمكن أن يصدر ممن ينتسب لهذا المذهب العظيم... وقد قال لي أحدهم: أول مرةً أقابل شيعياً بهكذا أخلاقيات!
وأنا لا ألومه بالطبع.. ففي الجانب الآخر أجدُ الكثيرَ - من أبناء مذهبي - يؤثرون الإنغلاق، ولا يتفاعلون مع من حولهم، وقد كرّسوا حالة الإنطواء في أذهانهم وفي واقعهم الخارجي بحجة الحفاظ على الهوية، وهذا يسيء كثيراً للمذهب بشكل عام...
وما زلت أردد هذه الرواية التي هي من وصايا الامام الحسن العسكري عليه السلام لشيعته - في كل مكان وزمان - قوله : «اُوصيكم بتقوى الله والورع في دينكم، والاجتهاد لله، وصدق الحديث وأداء الأمانة الى من ائتمنكم من بر أو فاجر، وطول السجود، وحسن الجوار، فبهذا جاء محمد ، صَلّوا في عشائرهم، واشهدوا جنائزهم وعودوا مرضاهم، وأدّوا حقوقهم، فإنّ الرجل منكم اذا ورع في دينه، وصدق في حديثه، وأدّى الأمانة، وحسَّن خلقه مع الناس قيل: هذا شيعي فيسرّني ذلك، اتّقوا الله وكونوا زيناً ولا تكونوا شيناً، جُرّوا إلينا كلّ مودّة، وادفعوا عنّا كلّ قبيح فإنّه ما قيل فينا من حُسْن فنحن أهله وما قيل فينا من سوء فما نحن كذلك. لنا حقٌّ في كتاب الله وقرابة من رسول الله وتطهيرٌ من الله لا يدّعيه أحد غيرنا إلاّ كذّاب. أكثروا ذكر الله وذكر الموت وتلاوة القرآن والصلاة على النبي ، فإنّ الصلاة على رسول الله عشر حسنات، احفظوا ما وصّيتكم به واستودعكم الله وأقرأ عليكم السلام».
فالزملاء - في المدرسة - يقولون لي بأنك (مختلف)... فما كان مني إلا أن قلتُ لهم بأنهم: (هم المختلفون)... وأشرتُ بكل حواسي ناحية سماحة الشيخ / حسن الصفار... لكي يتعرّفوا علينا من خلال فكره النيّر.. ويعزُّ عليَّ أن أقول إنّ إعلامنا الشيعي ساهم - بشكلٍ أو بآخر - في تكوين مثل هذه الترسبات في ذهن الآخر.
فمتى سنرى ذلك الخطاب التوافقي الذي ينطلق من نفوس همها خدمة المذهب على مستوى السلوك والأفكار... وإني أبارك خطوات سماحة الشيخ / حسن الصفار في هذا المجال.. وهو من القلائل الذين حملوا شعلة َ الدعوة ِ بالحكمة ِ والموعظة ِ الحسنة ِ ﴿ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ﴾... ودقّقّوا في كلِ كلمةٍ قبلَ أنْ ينطقوها ﴿وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾... ثم أنه أقرَّ بأن الإختلافَ قائمٌ في الكونِ ما بقيَ الدهرُ وتبقى حقيقةُ ﴿إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾.
وأهمسُ في أذنِ سماحةِ الشيخِ ِ / شكراً لك.