المجتمع يحاسب الشيخ الصفار
حسن الصفار كما يحب أن يُعرف نفسه، هو ذلك المعدن الأصيل الذي يحترم الإنسان لأنه إنسان، صور متعددة يمكن أن يذكرها كل من قرأ شيئا من مؤلفات الصفار التي تعكس القدرة الإبداعية بتوظيف المضامين الدينية في حياتنا المعاصرة. لم يمنعه زيه الديني أن يكون متجددا في التعرف على الفلسفات الأخرى والاستفادة منها لأنه يؤمن بالفكر الإنساني وبقيمة الإنسان والأكثر من ذلك أنه يبحث عن الحكمة بين ثنايا الكتب وفي عقول الناس ليجد ضالته فيها. أمام هذا الشموخ الفكري والأخلاقي نتساءل ما الذي يجعل الشيخ الصفار وللمرة الثالثة يفتح أبواب مجلسه بعد أكثر المواسم حيوية وتأثيرا ضمن المجتمع الشيعي – شهر محرم - لكي يلتقي الجمهور ويتعرف على آرائهم ويستمع إلى ملاحظاتهم ونقدهم، لماذا يُّمكن المجتمع من ممارسة دور الرقابة العلنية عليه رغم أننا بطبيعتنا لا نحب المسآلة. من الممكن أن يقرأ ذلك في صور متعددة لكن ببساطة، ذلك يدل بوضوح على إيمان الصفار بمنهج الحوار كأساس للنجاح . فالحوار مع الصفار ليس حواراً يأخذ شكل المجاملة، فهو حوار ندي يتسم بالشفافية والعقلانية وقائم على احترام وجهات النظر المختلفة مهما كانت قاسية على الصفار.
الحب، صناعة التغيير، المرأة، العنف الاجتماعي والسياسي، حقوق الإنسان، الشباب، العدل والمساواة وعدم التمييز، الابداع، المرجعية الدينية، الثقافة الشيعية، كانت عناوين محاضرات شهر محرم، أكثر ما يميزها أنها تطرقت لمعظم المناطق الحرجة في المجتمع بكل شفافية ووضوح فيما يتعلق بتحديد المشكلة وآلية المعالجة. كان خطاب الشيخ الصفار في هذا العام يتسم – حسب وجهة نظري – بتوجيه أنظار المستمعين إلى تحمل المسؤولية المباشرة تجاه القضايا المختلفة التي يعاني منها المجتمع، وهذا تجلى بوضوح في حديثه -في معظم المحاضرات التي ألقاها- عن دور الفرد كنقطة أساس لأنه كثيرا ما يستثني الانسان نفسه عندما يكون الحديث عن الجماعة، فقد كان الخطاب شكلا من أشكال النداء العاجل لأبناء المجتمع بتحمل المسؤولية وعدم التهرب أمام ما يجري من أحداث متجددة على مستوى المجتمع والوطن.
يمكن الإشارة إلى نقطة بارزة في محاضرات هذا العام هو تسمية الأشياء بأسمائها بعد أن كانت في أعوام سابقة عبارة عن إشارات وتلميحات، فعلى سبيل المثال في موضوع التمييز الطائفي الذي يمارس ضد الشيعة في السعودية كانت الرسالة واضحة لطرفي المعادلة، فاللطرف الأول وهو الحكومة كان النداء أن التمييز يسبب الاحتقان عند المواطنين وخطر ذلك على الوطن كبير ومكلف جداً، أما الرسالة للطرف الأخر فكان صريحاً بأنه "ينبغي أن يتحرك الناس بأنفسهم للمطالبة بحقوقهم لا أن ينتظروا أن تقدم لهم على طبق من ذهب".
أما فيما يتعلق بموضوع الإهانة الموجهة إلى آية الله العظمى السيد السيستاني فقد كان حديث الشيخ مباشرا ولا يقبل التأويل في التعامل الراقي مع الحدث بأنه يجب إسكات مثل هذه الأصوات النشاز التي تثير الفتن الطائفية في الوطن، وهذه من المرات القلائل التي وجدنا فيها الصفار حاضرا اعلامياً أمام الكم الهائل من البيانات والمقالات والصوتيات التي صدرت من رموز سلفية سعودية متشددة خلال الأعوام السابقة.
ما يجب الإشارة إليه، أن الشيخ الصفار كما ذكر نماذج من شباب القطيف المبدعين عندما تحدث في التاسع من المحرم عن الشباب وصناعة المستقبل، أحب أن أشيد بالانجاز الذي حصل عليه وهو في حقيقته انجاز للوطن وللمجتمع القطيفي باختياره كأحد الشخصيات من ضمن 500 شخصية إسلامية مؤثرة في العالم حسبما أشار إليه التقرير الذي أصدره المركز الملكي للبحوث والدراسات لعام 2009. هذا الإنجاز يجب أن نفخر به خصوصا إذا علمنا أن عدد المسلمين في العالم يزيد على المليار والنصف، أن يتم اختيار 500 شخص من مليار ونصف هذا يدل بوضوح على أن الخطوات التي يقوم بها الصفار من الناحية الفكرية والعملية تستحق أن يتعرف عليها المجتمع بشكل معمق.